مقالات
لعبة حزب الإصلاح وخصومه في تعز
هكذا كخلاصة نهائية، وبعيدا عن كل الاعتبارات والظروف الاستثنائية التي تمرّ بها تعز، وحتى مع مُراعاة المكايدات التي تحدث بين الخصوم، والمُبالغات في كيل التُّهم لطرف واحد، يمكن القول إن 'حزب الإصلاح' فشل في تقديم تعز كنموذج إداري ناجح.
لقد كانت تعز فرصة لحزب الإصلاح؛ كي يثبت جدارته السياسية؛ لكنه ظل مختنقا بذاته وعاجزا عن فتح ذراعيه برحابة حزب دولة.. يمكن للحزب وأنصاره سرد مبررات كثيرة للتنصّل من مسؤولية حزبهم، هذا سهل ومُمكن؛ لكن التحدّي الأصعب ليس التبرير، بل إثبات القدرة على تحمّل المسؤولية في كل الظروف.
عجز الإصلاح عن احتواء خصومه، فلا هو قادر على تحقيق حالة من الإجماع أو الشراكة القويّة معهم، ولا خصومه مستعدون للتقارب معه، لا هو اجتهد لخلق تطمينات للمتوجّسين منه، ولا هم قابلون بتجاوز ضغائنهم والالتقاء معه في منتصف الطريق.
لا الإصلاح مدركٌ لضرورة الشراكة وتوسيع أرضية التحالفات، ولا مناهضوه لديهم قابلية مبدئية للعمل معه كشركاء حقيقيين من أجل مستقبل المدينة، هو يمضي مجنحا لوحده وهم قاعدون متملمون، يطلقون الصراخ ضده.
خصوم الإصلاح في تعز يتحمّلون أيضا جزءا من المسؤولية الأخلاقية عن تعميق حالة الصراع في المدينة، وتحويل أي موضوع إلى مادة للاستثمار السياسي ضد السلطة المحلية، إنهم ليسوا غاضبين من فشلها؛ بل ولديهم تصميم مُسبق ورغبة راسخة بإفشالها.
ما يحيل الصراع السياسي في المدينة إلى نوع من المكايدات الصبيانية، حيث القوى الفاعلة لا تدرك الفرق بين المعارضة السياسية والتنافس الحزبي، وبين المسؤولية التاريخية المُلقاة على عاتقهم، المتملثة بضرورة استعادة الدولة وإنجاح التجربة.
يحاول خصوم الإصلاح في تعز أن يحرِّضوا الجماهير سياسيا، كنوع من الاستنساخ المبكِّر للعبة المعارضة، كما لو أننا أمام نظام سياسي مُكتمل، وجوده يتطلّب تشكيل قوة مناوِئة له، فيما الحقيقة أننا أمام حالة سائلة في تعز، تتطلب التعامل بدوافع أخلاقية ووطنية لبناء مداميك الدّولة، أكثر ما تحتمل انقسامات سياسية وتمترسات خلف أطماع حزبية وشخصيّة.
بناءً على ما سبق، يُمكن القول إن الحراك الأخير في تعز ليس مجرد احتجاج اجتماعي ذي مطالب معيشية عابرة، بل تعبير عن انقسام سياسي خفي وعميق ومؤجّل، حيث يقف الإصلاح كحزب مركزي في جهة وحلفاؤه معه وتتمترس القوى الأخرى في الجهة المقابلة، ويتعمّق الاستقطاب مع كل سخط شعبي محتج على تردّي الأوضاع.
نظريا، لا يستحوذ الإصلاح على كل المناصب في تعز، وتبدو الخارطة السياسية للمناصب موزّعة شكلياً بطريقة متوازنة بين مختلف القوى الفاعلة؛ لكن هذا الطابع الصّوري لا يخفي الهيمنة الفعلية للحزب داخل المراكز الحساسة في المحافظة.
يحرص الإصلاح على الشراكة الصّورية كفكرة دائمة التردد في خطاباته وبياناته؛ كونه يدرك صعوبة استفراده بكل شيء؛ لكنه يتوجّس من شراكة الأقوياء، لا يريد أندادا لهم حضورهم وتأثيرهم وسياساتهم المستقلة عنه، وهذا ما يجعل شراكته هامشية وعاجزة عن إنهاء حالة الاستقطاب والتوتر الدائم بينه وبين القوى الأخرى في المدينة.
قد يكون من حق الإصلاح أن يحوز القسط الأكبر من التمثيل السياسي في المحافظة داخل إطار الشرعية؛ لكن ممارسة الحق لا يكون صواباً دائما، فإن كان من حقك أن تدافع عن حصتك كاملة، فليس في مصلحتك استمرار الاضطراب في مدينة نجاحها نجاح لك وفشلها محسوب عليك.
ومن الحكمة هنا أن تُبدي مرونةً حقيقيةً في تشبيكك مع بقية القوى، بل والمبادرة لتجاوز إرث الخصومة بشكل مُمنهج ودائم.
لا يمكن إنجاح أي مرحلة تأسيسية/انتقالية في تاريخ الدول والشعوب دون الحد الأدنى من التوافق السياسي بين القوى الفاعلة، بدون هذا التوافق ستفشل كل جهود التأسيس. حتى التعامل بمنطق الديمقراطية الحرفي هنا، والحديث عن الاستحقاقات لا يُجدي، وحدها التوافقات والتنازلات والهمّ الوطني العام هي الكفيلة بصناعة مخارج من الانقسامات المعيقة لأي نمو.
أخيراً: صحيح أن أزمة تعز مركَّبة، يتداخل فيها الحصار وشِحة الموارد ورخاوة السلطة المحلية وهشاشة الجهاز الإداري، لجانب أنها جزء من الوضع العام المتردّي في البلاد ككل؛ لكن تظل هناك مساحة خاصة للنجاح لم تتمكن السلطات المحلية في تعز من اللعب فيها بكفاءة.
الخلاصة: تعز هي نموذج مصغّر للبلاد بكاملها، من يعجز عن إدارة التناقضات المجتمعية والتوازنات السياسية في مدينة تعز فهو أعجز عن إدارة سياسة الدولة في كامل التراب الوطني.. تواجدك القانوني والمشروع، وامتلاكك مشروعية النفوذ كانعكاس طبيعي لحجمك، لا ينفي التهمّة عنك، بل يثبِّت مسؤوليتك عن الوضع، مسؤوليتك الوطنية والقانونية كأكبر قوة سياسية في المدينة، ومسؤوليتك الأخلاقية والتاريخية كأهم كُتلة اجتماعية في أهم محافظة يمنية.
مع انقلاب الحوثي وصالح تفكك الجهاز الإداري في المناطق التي سيطرت عليها الشرعية، ووجدت القوى المناوئة للحوثي نفسها أمام مهمّة تأسيسية صعبة، لإعادة صياغة جهاز الدولة من الصفر.
نحن أمام مهمة تاريخية، أثبتت القوى في تعز ضعف جدارتها بها، بل لا يبدو أن هناك أي استشعار عمومي متعلق بهذه الفكرة الجامعة، فالكل ينظر من "عين إبرة" ومنهمك في تحصيل مكاسب خاصة ومحدودة، والدولة والمجتمع في مهب الريح.