مقالات

ما بين كابوس رابين ونوايا إلياهو

07/12/2023, 12:29:21

في العام 1992، وفي ذروة المقاومة الفلسطينية في غزة، وعجز الجيش الإسرائيلي المتواصل منذ مطلع القرن، وتحديدًا منذ وعد بلفور 1917، تمنى رئيس الوزراء إسحاق رابين - أحد قادة اليسار الصهيوني (الماباي)- أن يستيقظ من النوم وقد ابتلع البحر غزة.

كانت الأمنية تعبيرًا مريرًا عن عجز الجيش الفاشستي عن سحق مقاومة غزة، وكانت هذه الأمنية المعادل الموضوعي للنوايا العدوانية المبيتة لغزة.

في العام 2023، وتحديدًا في 5/ 11/ 2023، تحدث عميحاي الياهو - وزير التراث الإسرائيلي - عن استخدام القنبلة النووية ضد غزة. ما يعيب مطلب الياهو في استخدام القنبلة النووية تجاهله بأن زملاءه في الحكومة، وجنرالات الحرب قد استخدموا في بضعة أسابيع ما يفوق وزن القنبلة النووية الملقاة على هورشيما، وأن حكومته تتستر على امتلاكها القنبلة النووية، وقد قامت بتدمير برنامج سلمي في العراق بدعوى امتلاك سلاح دمار شامل، ويجري حصار إيران وتهديدها لمنعها من امتلاك هذا السلاح؛ فما يقوله الياهو هو ما تقوم به حكومته وجيشه. 

أمنية رابين، ومطلب الياهو، يتجلى بأبشع الصور بالإبادة، والتدمير الشامل، والتقتيل الجماعي منذ ما بعد الـ7 من أكتوبر. فخلال الثلاثة الأيام الأخيرة بعد عودة حرب الإبادة، التي لم تتوقف، يُقتل المئات، وتدمُر أحياء في جنوب غزة، ويُمحى من فوق الأرض سوق جباليا.

حرب غزة تشهد تقتيل البشر، وتدمير الحجر، وإعدام الحياة، ومن لم يقتله القصف تقتله المجاعة، والعطش، والأوبئة الفتاكة، وافتراش الخلاء دون زاد وماء أو دواء في الأرض الجرداء والبرد المميت، فلا مهرب من الموت إلا إلى الموت.

ويبدو أن عجز الجيش الإسرائيلي وجنرالات الحرب عن تحقيق أي انتصار، سواء في استعادة الأسرى، أو النيل من قادة حماس، أو إرغام المواطنين على مغادرة وطنهم، كلها تدفع الجيش المدجج بأحدث الأسلحة وأقوى مكنة حربية إلى تدمير المدن والقرى والأحياء السكنية والأسواق والمدارس والمستشفيات والمساجد، وحتى الطرقات، والأشجار، والمخابز. 

الدولة الإسرائيلية، منذ أن كانت خطة بمؤامرة استعمارية صهيونية تبنتها أولاً بريطانيا، وورثتها أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية، قضيتها الأساس التهجير، والاستيلاء على الأرض، وهي جذر القصة كلها، أما إشاعة بيع الفلسطينيين لأرضهم لليهود، فأكذوبة أطلقها الصهاينة، وروّج لها الرجعيون العرب، وأتباع أمريكا وبريطانيا. 

قوانين الفصل العنصري، والتطهير العرقي، وهي أكثر من ثلاثين قانونًا الكثير منها يتعلق بالأرض، سواء فيما يخص شق الطرقات، أو المصادرة، أو التمليك البريطاني، أو الإجراءات الجائرة، والضرائب، والدعاوى الكاذبة، أو عبر القتل والتشريد والحروب المتكررة، كلها تستهدف الأرض الفلسطينية، التي تريدها بدون سكانها.

حرب ما بعد الـ7 من أكتوبر في غزة، والتوسع في الاستيطان منذ اتفاقات أوسلو 1993 هي الأخطر، وكانت حكومة اليمين الصهيوني السياسي والديني، وبالأخص حكومات نتن ياهو قد مدت الاستيطان إلى عموم مناطق الضفة الغربية، وزودت المستوطنين بالسلاح، والحماية الأمنية والعسكرية، وطوقت القدس الشرقية، وقامت بضمها بمباركة وتأييد أمريكا التي كانت تعلن رفضها للاستيطان، أو الاعتراف بضم القدس الشرقية.

الهدف الرئيس للحرب الحالية هو التدمير الذي يطال كل شيء، وتهجير وإبادة الشعب الفلسطيني؛ وهو ما يتجلى بالمجازر البشعة، وإعدام كل مظاهر ووسائل الحياة، والاجتياحات اليومية للمدن والقرى في الضفة، واعتداءات المستوطنين لإرغام الفلسطينيين للرحيل باتجاه الأردن (الوطن البديل)، أما القطاع، فقد أُرِغمَ سكان شمال غزة بالرحيل إلى الجنوب، ويجري حاليًا تدمير الجنوب، وتقتيل المئات والآلاف، ودفعهم باتجاه رفح، والتهديد موجه لمصر والأردن؛ فماذا تنتظر الدولتان، والتهديد يطرق الأبواب؟!! 

في الماضي، راهن الأحرار اليمنيون على وفد الجامعة العربية لإنقاذ ثورة 1948 من اجتياح القبائل لصنعاء، ولكنهم في حصار صنعاء لسبعين يومًا عام 1968 تعلموا الاعتماد على أنفسهم؛ فانتصروا.

أما الفلسطينيون، فقد خاب أملهم في 1948، و1967. ومنذ هزيمة 1967، بدأوا بالاعتماد على أنفسهم، وعدم التعويل كثيرًا على الموقف القومي، أو القمم العربية.

يجتمع في الرياض 57 دولة عربية وإسلامية، و37 زعيما؛ فلا يستطيعون إيصال الماء والغذاء لغزة المحاصرة لأكثر من ثلاثين يومًا. رفعت دول المحور السقف قبيل الحرب، ولم يكن الأداء في الحرب بمستوى التوقعات. 

إسهام حزب الله في لبنان مرتبط بقواعد الاشتباك، ووضع لبنان كارثي تمامًا، ولم يغب أنصار الله عن المعركة. والحال أن تدمير اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا والسودان بحروب الثورات المضادة، أو الحروب الخارجية أو بهما معا له الأثر البالغ.

ويقينًا، فإن الإسهام الحقيقي لهذه الدول لن يكون إلا بتعافي الجسد العربي، وتطبيع علاقات هذه الدول ببعضها، والأهم إصلاح علاقاتها مع شعوبها؛ فالصراعات الطائفية والقبائلية والجهوية، وحتى الأسرية هي مصدر ضعف هذه البلدان، وعجزها، والتسبب في غياب أي دور لها. 

أعظم عون لفلسطين المحروبة والمحاصرة والمهدد شعبها بكارثة أسوأ من نكبة 1948، وهزيمة 1967، هو أولاً إصلاح كل بلد عربي لأوضاعه الداخلية، وتحقيق مصالحة وطنية شاملة، وإطلاق الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، واحترام حقوق الإنسان، وبناء الكيانات الوطنية البعيدة عن علل ما قبل عصر الدولة والوطنية.  

إصلاح البلدان العربية لأوضاعها الداخلية، والانتصار على الفساد، والتفكك، والانقسامات والصراعات الداخلية، وعدم الرهان على التطبيع، أو التعويل على حياد أمريكا وعدالتها كراعية للسلام، هو الحرف الأول، والشرط الأسس للانتصار ضد الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وحروبه الدائمة ضد شعب فلسطين والأمة كلها. وحقًا، فإن حرب الإبادة ضد فلسطين وتشريده من أرضه تهديد وجودي للأمة كلها بما في ذلك الأنظمة المطبعة والمنتظرة والتابعة.

حلم رابين الرعيب، وإرادة الياهو النازية تطبقها وزارة نتن ياهو والجيش بحرب إبادة وتقتيل جماعي واجتثاث شعب فلسطين، كل شعب فلسطين. ولعل الفرق بين أمنية رابين، ومطلب الياهو، وما تقوم به حكومة نتن ياهو هو أن رابين وإلياهو يرغبون في تقتيل الفلسطينيين جميعًا بالضربة القاضية، أما نتن ياهو وفريقه فهم يخيرون الفلسطينيين في اختيار "الخلاص"، إما قتلاً بالقصف، أو التمويت بالجوع، والأوبية الفتاكة، والحرمان من كل وسائل الحياة، أو النفي خارج الوطن.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

مقالات

ترامب ونتنياهو وصفقة القرن

ربما كانَ من الأنسب أن يكون عنوانَ هذا المقال «نتنياهو وترامب وصفقة القرن». فنتنياهو مؤلف كتاب «مكان بين الأمم»، والذي تُرجِمَ إلى «مكان تحت الشمس» هو الأساس. فـ«صفقة القرن»، وما تشربه ترامب منها، وصرّح به هي المبادئ الأساسية لـ«السلام من أجل الازدهار»؛ فمصدرها كتاب «مكان تحت الشمس»، وفي 28 يناير أعلن الرئيس الأمريكي، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، نص الصفقة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.