مقالات
من اليمن إلى العالم.. حينما تتحدث الموسيقى
الإبداع الفني ليس مجرد انعكاس للمهارة، بل هو ظاهرة اجتماعية تتشابك مع ثقافة المجتمع وتاريخه وقيمه، في هذا السياق كان الحفل الأوركسترالي اليمني في العاصمة السعودية (الرياض)، الليلة الماضية، الذي حمل طابعًا ثقافيًا عميقًا، حيث قدّم المايسترو اليمني محمد القحوم، وفريقه الموسيقي، عرضًا أوركستراليًا فريدًا احتفى بالموروث اليمني ضمن إطار فني عصري يعكس تاريخ اليمن وثقافته العريقة والمتنوعة.
جاء الحفل ضمن مشروع السيمفونيات التراثية، التي تهدف إلى إيصال الموسيقى اليمنية بطابع أوركسترالي عالمي، وتعزيز التبادل الثقافي، وإبراز التراث اليمني بتنوعاته وثرائه، وهو مثال واضح على كيفية تحويل التراث الثقافي إلى لغة عالمية مفهومة من خلال الموسيقى.
تميّز الحفل بإعادة صياغة المقطوعات التقليدية اليمنية ضمن قوالب أوركسترالية حديثة، مما يعكس قدرة الموسيقى على تجاوز الحواجز الجغرافية والثقافية، كما حدث في حفلة باريس والدوحة والقاهرة من قبل.
وقد أثبت هذا العرض كيف يمكن للموسيقى أن تكون أداة للحوار الثقافي، وتعزيز الهوية الوطنية.
ما جعل هذا الحفل مميزًا هو الأداء المتقن للفرقة، وإدخال مقطوعات جديدة لأول مرّة، التي أظهرت انسجامًا استثنائيًا بين الآلات التقليدية؛ مثل العُود و"الطربي" الصنعاني، والآلات الغربية؛ مثل الكمان و"التشيلو".
استطاع الموسيقيون أن يمزجوا بين الإيقاعات والألحان الكلاسيكية كفريق واحد بأسلوب متوازن يعكس فهمًا عميقًا للموروث الموسيقي اليمني، وإمكانياته في التطوّر.
لم يتوقف التميّز عند الموسيقى اليمنية فقط، بل أضافت الفرقة بُعدًا جديدًا للحفل من خلال تقديم "ميدلي" سعودي متقن؛ جمع بين الألحان التراثية السعودية والتوزيع الأوركسترالي الحديث.
الحفل لم يكن مجرد عرض موسيقي، بل رسالة تحمل في طيّاتها أبعادًا اجتماعية وثقافية وتاريخية عميقة.
فمن خلال توزيع المقطوعات اليمنية بطريقة أوركسترالية حديثة، أعاد القحوم وفريقه إحياء التراث بأسلوب يواكب العصر، ويُثري التجربة الموسيقية.
هذه الخطوة لا تُبرز فقط جمال الموسيقى اليمنية، بل تُظهر أيضًا قدرتها على الاندماج مع الفنون العالمية، مما يُساهم في التعريف بها، وتسويقها كتراث فني فريد.