مقالات

ميثاق الشرف الصحفي في اليمن

11/04/2023, 18:35:59

انعقد المؤتمر العام الأول لجمعية الصحفيين اليمنيين في صنعاء، في الــ22 من أبريل 1976، ودار النقاش حول عدد من قضايا وهموم الصحافة والحريات، وكانت أهم قضية شغلت المؤتمرِين: من الصحفي؟

ساعد حضور كامل زهير - الأمين العام لاتحاد الصحفيين العرب، ونقيب الصحفيين المصرين على تحديد من الصحفي كتعريف، ولم تطرح حينها قضية الميثاق الصحفي.

في الـ5 من مايو 1976، انعقد أيضا مؤتمر منظمة الصحفيين الديمقراطيين، ولم تطرح أيضا قضية ميثاق الشرف الصحفي.   

في المؤتمر الثاني في صنعاء، في 7 مارس 1978، تقدم الزميل أحمد العنابي بمشروع للميثاق الصحفي. لم يُناقش، ولم يقر في المؤتمر العام الثالث، الذي عُقد في صنعاء في الـ10 من مايو 1980.

ظل المؤتمر منعقدا لثلاثة أيام؛ لإرغام السلطة على الاعتراف بمسمى النقابة؛ لأنها لم تكن تعترف بالحزبية، واعتبرتها جريمة، وتعتبر مسمى النقابة -لاحظوا "مسمى النقابة"- مجرما، ولم ينفض المؤتمر إلا بعد اعتراف السلطة بتسمية النقابة بدلاً عن الجمعية.

أما في الجنوب، وبسبب هيمنة الحزب الواحد، فكانت النقابات جزءا من آليات الحزب، وأداة من أدواته كاحتياطي نشط، ومع ذلك سميت منظمة الصحفيين الديمقراطيين، وكان المؤتمر في الـ5 من مايو يوم ميلاد كارل ماركس، ولم تطرح قضية الميثاق في كل المؤتمرات المنظمة.

الباحث الأستاذ والصحفي عبد الحليم سيف في كتابه "نقابة الصحفيين: تاريخ وتجربة"، يوثق تأريخ صدور أول ميثاق صحفي يمني، وهو المؤتمر العام الثالث في 10- 13 مارس 1980، وهو العام الذي اعتصم فيه الصحفيون في قاعة المؤتمر بصنعاء، مطالبين بالاعتراف باسم النقابة المحظور، وتحت الإصرار على مطلبهم، استجابت السلطة لحقهم في التسمية.

ناقش المؤتمرون أربع وثائق تتعلق بإعادة هيكلة النقابة وتطويرها؛ بحيث تكون قادرة على أداء دورها المهني والنقابي، وكان البند الأول النظام الداخلي للنقابة، وكان البند الثاني في جدول أعمال المؤتمر - حسب الباحث والموثق عبد الحليم سيف- مناقشة وإقرار الميثاق، وكانت المرة الأولى التي يقدم فيها مشروع ميثاق شرف صحفي، وقدم للجمعية العمومية، فجرت مناقشته وإقراره.

الميثاق الأول، والمقر من الجمعية العمومية، جاء في ست صفحات، وأربع عشرة مادة، وجاء في الديباجة:

"يعد المشتغلون بالكتابة، والعاملون في جميع الأنباء والآراء، وتوزيعها، والتعليق عليها في الصحف والمجلات وغيرها من وسائل الإعلام: إذاعة، تلفزيون، مسرح، ندوات بما يلي:

المادة الأولى: العمل من أجل وحدة التراب اليمني كحقيقة تاريخية واقتصادية واجتماعية وهدفًا وطنيًا، وندين ونمتنع عن نشر كل ما يضر بوحدة الأرض، والعمل مع الزملاء في جنوب الوطن على الخروج باتحاد الصحفيين إلى حيز الوجود".

أما المادة الرابعة عشرة، فتنص على:

- "تعمل نقابة الصحفيين على تطبيق ما جاء بهذا الميثاق، ونلتزم به كأعضاء في النقابة وزملاء مهنة، ونتمثل بكل ما جاء في أحكامه في حالة مخالفة أي عضو لما جاء في هذا الميثاق".

- "في حالة مخالفة أي عضو لما جاء في هذا الميثاق، يجب أن يتخذ ضده الإجراءات والعقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي".

- "عند تفسير الميثاق في حال توقيع العقوبات المنصوص عليها في النظام الأساسي للنقابة، يجب الأخذ بما يكفل مصلحة العضو، وحقه المشروع في الدفاع عن نفسه، وألا يتناقض ذلك مع التصالح العام".

ظل الميثاق كوثيقة من وثائق النقابة حتى المؤتمر التأسيسي الأول بعد التوحيد في 9 يونيو 1990؛ أي بعد قيام دولة الوحدة في الـ22 مايو 1990.

من الـ9 من يونيو، وحتى الـ11 من العام 1990، انعقد المؤتمر التوحيدي الأول، وحضره ممثلون من مختلف الفروع الصحفية في الشمال والجنوب، وكان ميثاق الشرف الصحفي للنقابة الواحدة حاضرا في التداول بين أعضاء الجمعية العمومية.

يشير الباحث عبد الحليم سيف في كتابه المنوّه به ص 114:

"أقر مندوبو المؤتمر التوحيدي لنقابة الصحفيين اليمنيين الوثائق الخاصة بالنقابة، والمتعلقة بالنظام الأساسي، وميثاق الشرف الصحفي، والقرارات، والتوصيات الصادرة عن المؤتمر، بعد مناقشات مستفيضة".

ولم يقف جهد الباحث حليم عند الإشارة لإقرار الميثاق، بل قام بنشره في المحلق رقم 2، ولأهميته سوف أشير إلى النقاط الأساسية فيه.

ميثاق المؤتمر التوحيدي في صفحة واحدة من عدة فقرات، صاغته الأستاذة رضية شمشير، ويتكون من عدة فقرات، وتتسم صياغته بالتقنية، والمهارة، والاهتمام بالمهنة، وواجب الصحفي، والتزاماته المهنية والأدبية والأخلاقية.

في الفقرة الأولى يطرح:

- احترام تعدد واختلاف الآراء، والمعتقدات الدينية والمذهبية والسياسية، والحق في التعبير عنها ونقدها ومناقشتها دون ازدراء بها أو بأصحابها.

- عدم استغلال المهنة لتحقيق منافع شخصية، أو الإساءة للآخرين، والتشهير بهم، وتشويه سمعتهم.

- الحياد في نقل الأخبار والوقائع والأقوال، ونشرها دون اختلاق أو تشويه أو نقصان يخل بالمعنى.

- تحري صحة ودقة المعلومات قبل نشرها، ونسب الأقوال إلى مصادر معلومة كلما كان ذلك متاحًا.

-  وقد تبنى الميثاق ضرورة الفصل الواضح بين المواد التحريرية والإعلان، وعدم الخلط بين الخبر، والرأي، وعدم التضليل، كما نص على أهمية تصحيح الأخطاء، وإعطاء حق الرد.

- عدم إخفاء المعلومات المهمة، وعدم ابتزاز الأفراد والمؤسسات، أو استغلال المهنة.

- عدم السطو على النصوص والمواد الصحفية، واحترام حقوق الملكية الفكرية، وعدم مخالفة مبادئ وأخلاقيات المهنة، ورفض انتحال اسم صحفي آخر، أو الكتابة باسمه.

- كما نص على تجنب نشر أي صور من صور الضحايا من الأطفال، أو ممن يستحقون حماية المجتمع، ويدعو إلى فضح المسيئين إلى المهنة، أو إهدار حقوق زملائهم، ويرى أن المسؤولية تضامنية، والدفاع عن حق الصحفي في الامتناع عن الكتابة ضد اعتقاده أو ما يخالف ضميره المهنى.

ويختتم الميثاق تشجيع وسائل الإعلام المختلفة على وضع أدلة سلوك مهني. نعهد إلى مجلس النقابة تنفيذ هذا الميثاق وفقا للنظام الأساسي؛ فالميثاق التوحيدي مهني يستوعب قيم ومبادئ العمل الصحفي، ومثل الحرية والديمقراطية، واحترم حقوق الإنسان.

منذ أكثر من شهرين، قام زملاء في قيادة النقابة خارج اليمن بنقاش حول مشروع ميثاق صحفي، وحقيقة الأمر لا اعتراض على ذلك. فقط التأكيد على وجود ميثاق صحفي أقره المؤتمر التوحيدي، وثانيا، فإن الأوضاع في اليمن المحروب المفكك، والممزق نسيجه المجتمعي لا تشجع على ترف الانشغال بإلزام الصحفي بميثاق يدرك الزملاء الموجودون خارج وطنهم أن عشرات ومئات الصحفيين والصحفيات قد أجبروا على الفرار بحياتهم من اليمن، وأن المئات والآلاف من الصحفيين والصحفيات والإعلاميات والإعلاميين بدون مرتبات، والعديد من الصحف الرسمية والحزبية والأهلية قد أوقف، أو توقف عن العمل بسبب الحرب، ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير؛ فهناك عشرات الصحفيين في اليمن مهددون بالموت جوعا، أو قتلى بالمعارك، وقد صدر حكم إعدام بحق عشرة صحفيين في صنعاء في جلسات بعضها مغلقة، وبدون محاكمة عادلة؛ فقد حُكم على الصحفي يحيى عبد الرقيب الجبيحي بالإعدام في جلسة واحدة، ورغم الإفراج عنه بعد أكثر عام، إلا أن ابنه حمزة ظل معتقلاً لأكثر من عامين كرهينة. العشرة الصحفيون المفرج عن ستة منهم ممنوعون من مزاولة المهنة، ولا يزال أربعة من المحكومين بالإعدام رهن الاعتقال، وينتظر أن يجري تبادلهم كأسرى حرب.

هناك محمد المقري مختطف لدى القاعدة في حضرموت، ومختفٍ قسرا، وتهجم مليشيات الانتقالي على مقر النقابة في عدن وتستولي عليه.

دور النقابة الصحفية غير منكور؛ فقد دأبت على رصد الانتهاكات كل ثلاثة وستة أشهر، ونهاية كل عام، وكانت النقابة الوحيدة التي دافعت عن أعضائها، ورصدت بدقة ومهنية الانتهاكات ضد حرية الرأي والتعبير والحريات الصحفية، وأسهمت في المعركة "منظمة مواطنة" التي جندت محامياتها لحضور المحاكمات الجائرة، وكان الزميل أحمد الحاج -مراسل الأسوشيتد برس- يحضر جلسات المحاكمة المعلن عنها، وكنت أحضر معه، ومع المحامي عبد المجيد صبرة الذي تطوع مشكورا في الدفاع عن الصحفيين والمعتقلين الآخرين، وتعرض لتهديدات ومتاعب شديدة.

يدرك الزملاء أن كل المليشيات في صنعاء، وعدن، وتعز، ومأرب، يتنافسون ويتسابقون على التنكيل بالصحفيين، وقمع الحريات، والتنكيل بالشعب، وأن اليمن بحاجة إلى ميثاق شرف وطني لحماية الحق في الحياة، وكفالة بقاء الوطن وكيانه، وحق المواطنة لكل أبنائه، وعدم تقتيله بالحروب أو التجويع والأوبئة الفتاكة.

مقالات

السلام مع ذيل الكلب!

منذ سنوات طويلة، ونحن نقرأ أو نسمع عن السلام في اليمن، وعن تسوية سياسية، وعن حوار عبثي، وعن رحلات مكوكية، بين العواصم التي تخوض معاركها على الأرض اليمنية، والضحايا هم اليمنيون فقط.

مقالات

عن الأحكام التي تسبق الجريمة

أظن أن النفس البشرية، حتى في أشد حالات نزوعها نحو الشر والجريمة، تبحث في الغالب عن مبررات لأفعالها، ومنها تلك الأحكام الذاتية التي يطلقها الإنسان على غيره، قبل أن يرتكب في حقهم جرما معينا، وهذه الأحكام غالباً لا تمت للقيم الإنسانية بصِلة

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.