أخبار محلية
بعد قصف ميناء رأس عيسى.. أزمة وقود تهدد سكان مناطق الحوثيين
فجر الخميس الماضي، استيقظ عبدالكريم العزري وهو عامل نقل في محطة وقود شمال الحديدة، على دوي انفجار هائل. ظنّ في البداية أن القصف طال أحد المعسكرات، لكن بعد دقائق، وردته مكالمة من قريب يعمل في الميناء: “رأس عيسى اتدمر بالكامل.. ما عد بش شغل ولا ديزل”. بهذه الكلمات بدأ عبدالكريم يومه، في مدينة تعتمد على كل نقطة وقود كماء حياة.
الضربة الجوية التي شنّتها المقاتلات الأمريكية على ميناء رأس عيسى النفطي، لم تكن مجرد عملية عسكرية في نظر العديد من المراقبين، بل لحظة فاصلة تنذر بأزمة معيشية جديدة، وسط اقتصاد متهالك.
الميناء، الذي يبعد نحو 55 كيلومترًا شمال الحديدة، تعرّض، بحسب مصادر محلية، لقصف مباشر أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من منشآته وتوقفه عن العمل بشكل كامل، ما يهدد بانقطاع إمدادات الوقود إلى مناطق واسعة شمال وغرب اليمن.
يقول محمد هائل، أحد الفنيين السابقين في منشآت الميناء: “لم يستهدفوا الحوثيين.. استهدفونا نحن، الناس. هذا الميناء هو شريان حياة لكل مواطن، ولا يوجد بديل مباشر له”.
ويُعدّ ميناء رأس عيسى من أبرز الموانئ المتخصصة في استيراد الوقود، وكانت تُنقل إليه الشحنات النفطية القادمة من الخارج، خاصة بعد توقف تصدير النفط الخام من الحقول الشرقية منذ بداية الحرب في 2015.
وتؤكد مصادر محلية أن الضربات الأخيرة لم تقتصر على الميناء فقط، بل شملت أيضًا مناطق قريبة من جزيرة كمران، حيث تم استهداف مواقع ومرافق على صلة بنقل الوقود.
الخبير الاقتصادي عبدالرقيب المنتصر يرى أن القصف يمثل تحولًا خطيرًا في مسار التصعيد الأمريكي ضد الحوثيين، لكنه في الواقع يُترجم إلى “عقاب جماعي غير مباشر للمواطنين”.
ويضيف: “القصف الأميركي جاء بعد فشل العقوبات الاقتصادية السابقة في إحداث تأثير ملموس على الحوثيين، والآن يُستهدف الوقود، الذي لا غنى عنه للمواطن والمستشفى والمخبز”.
تشير التقديرات الأولية إلى أن القصف أدى إلى تدمير ما لا يقل عن 70% من سعة التخزين في الميناء، مما يهدد بنقص حاد في مادة الديزل خلال أيام قليلة، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي وتعتمد على رأس عيسى كمصدر رئيسي للإمدادات.
شهود عيان أفادوا أن الطوابير أمام محطات الوقود بدأت تتشكل في الحديدة وريمة وحجة، وسط ارتفاع حاد في الأسعار في السوق السوداء، حيث وصل سعر “الدبّة” البترول إلى 35 ألف ريال في بعض المناطق. تقول
سعاد غالب، معلمة في حي الزهور، وهي تنتظر لساعات لتعبئة سيارتها بالبنزين: “إحنا مش طرف في الحرب، ليش يقطعوا عنا المازوت؟ المدارس مش قادرة تشتغل من دون مواصلات، والمخابز بدأت تقفل وحدة وحدة”.
القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) صرّحت أن الضربة جاءت بهدف “إضعاف مصادر التمويل التابعة للحوثيين”، متهمة الجماعة باستخدام الميناء لإدخال وقود يمول أنشطتهم العسكرية. لكن مراقبين يرون أن استهداف منشأة مدنية بهذا الحجم قد يُفسر كخرق لقواعد القانون الدولي الإنساني، خاصة في ظل الوضع الإنساني الحرج في اليمن.
يقول الخبير الملاحي قيس الحمزي: “بإمكان واشنطن فرض رقابة على الشحنات، أو تحويلها إلى موانئ تحت سلطة الحكومة الشرعية. لكن قصف منشأة خدمية يفوق كل تبرير، خصوصًا أن الميناء يخدم قرابة 10 ملايين شخص في مناطق متعددة”.
وقد ناشدت مؤسسة موانئ البحر الأحمر، في بيان لها، المنظمات الدولية التدخل لمنع مزيد من الاستهدافات للمنشآت المدنية، محذرة من “كارثة إنسانية قادمة”.
وفي السياق، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه البالغ إزاء الضربات الجوية التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية على ميناء رأس عيسى ومحيطه، والتي أسفرت، وفقًا للتقارير، عن سقوط عشرات الضحايا المدنيين، من بينهم خمسة من العاملين في المجال الإنساني.
وأكد بيان صادر عن المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، أن المساعدات الإنسانية تم حشدها بشكل عاجل لدعم المرافق الصحية القريبة من موقع الهجوم، في وقت عبّر فيه الأمين العام عن قلقه إزاء الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية للميناء، بالإضافة إلى تقارير محتملة عن تسرب نفطي في البحر الأحمر.
وشدد غوتيريش على ضرورة احترام القانون الدولي، بما في ذلك القانون الإنساني الدولي، وحماية المدنيين والمنشآت المدنية في جميع الأوقات، مجددًا دعوته إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتفادي مزيد من التصعيد في المنطقة.