تقرير دولي يدعو إلى فتح المجال للعدالة الانتقالية في اليمن ويؤكد أن لا سلام دائم دون إنصاف الضحايا

دعا المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ICTJ) في تقرير بحثي صدر مؤخرًا، إلى اعتماد نهج شامل للعدالة الانتقالية في اليمن باعتباره خطوة حاسمة نحو السلام والمصالحة الوطنية، مؤكداً أن تقاسم السلطة وحده لا يكفي لتحقيق مصالحة حقيقية ولا بناء دولة عادلة.

سياق الحرب والانتهاكات

وأوضح التقرير أن اليمن يعيش أزمة إنسانية وسياسية معقدة منذ اندلاع النزاع المسلح عام 2014، والذي تسبب في وفاة أكثر من 377 ألف شخص، ونزوح داخلي يقدّر بأكثر من 4.5 مليون شخص، مع حاجة 21.6 مليون يمني للمساعدات الإنسانية، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

وأشار التقرير إلى أن الصراع تفاقم نتيجة الانقسامات السياسية، والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من مختلف الأطراف، من ضمنها الاعتقالات التعسفية، الإخفاء القسري، العنف الجنسي، استهداف المدنيين، وتجنيد الأطفال.

وقام التقرير، الذي استند إلى 53 مقابلة معمقة مع نشطاء وضحايا وممثلين عن منظمات المجتمع المدني ومسؤولين حكوميين، بتوثيق مجموعة من توقعات الضحايا للعدالة، شملت: وقف الحرب واستعادة الحياة الطبيعية، الاعتراف العلني بالانتهاكات، تعويض المتضررين ماديًا ونفسيًا، محاكمة الجناة وضمان عدم تكرار الانتهاكات، وإشراك الضحايا في أي تسوية سياسية قادمة.

وأكدت شهادات الضحايا أن الانتهاكات طالت النساء والأطفال، والأقليات الدينية والعرقية، والمجتمعات المهمشة، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وكذلك في مناطق الحكومة المعترف بها دوليًا والمجلس الانتقالي الجنوبي.

العدالة الانتقالية والمصالحة

وشدد التقرير على أن المصالحة لا يمكن أن تتحقق من خلال ترتيبات لتقاسم السلطة فقط، بل تتطلب مواجهة صريحة لماضي الانتهاكات وتأسيس مسارات شاملة للعدالة الانتقالية تركز على الضحايا.

كما حذر التقرير من أن الربط الضعيف بين جهود الوساطة والسلام من جهة، والمساءلة والمصالحة من جهة أخرى، يهدد بإنتاج سلام هش لا يصمد أمام التحديات الاجتماعية والسياسية.

توصيات رئيسية

وقدّم التقرير مجموعة من الاتجاهات الاستراتيجية لتعزيز العدالة الانتقالية في اليمن، أبرزها: اعتماد نهج يرتكز على الضحايا ويشمل ذلك إنشاء شبكات حوار دائمة بين الضحايا والحكومة ومنظمات المجتمع المدني، ومأسسة جمع البيانات حول أنماط الانتهاكات.

وشدد التقرير على تعزيز التعاون المؤسسي، وذلك عبر تطوير أطر قانونية تشمل آليات واضحة لمشاركة منظمات المجتمع المدني في وضع السياسات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، مؤكدا على ضرورة دمج المصالحة في مفاوضات السلام من خلال تفعيل تقييمات لمواقف الأطراف إزاء العدالة والمصالحة، وتوفير الدعم الفني المحلي والدولي لبناء القدرات.

وأوصى التقرير بالاستفادة من آليات الوساطة القبلية، باعتبارها أدوات تقليدية يمكن مواءمتها مع المعايير الحديثة للعدالة الانتقالية.

وأكد التقرير أن المشهد السياسي لا يزال منقسمًا بشدة، وأن الانقسامات الإقليمية والتدخلات الخارجية تشكل عوائق كبيرة أمام تحقيق العدالة والمساءلة، مشيرًا إلى أن غياب الإرادة السياسية وضعف المؤسسات القانونية يهددان أي جهود مستقبلية في هذا المسار.

يشار إلى أن التقرير صدر عن المركز الدولي للعدالة الانتقالية (ICTJ)، بدعم من منشأة دعم السلام التابعة للأمم المتحدة في اليمن، وتم إعداده عبر فريق بحثي متخصص ضم خبراء يمنيين ودوليين.