أخبار محلية
شعارات الانفصال داخل المدارس.. تآكل الهوية الوطنية في عقول الأجيال
بعد أكثر من عقد على اندلاع الحرب في اليمن، التي مزّقت الجغرافيا وأفرغت مفهوم الدولة من مضمونه، تتكشّف اليوم نتائج أخطر تتجاوز حدود السياسة والميدان، لتصل إلى عقل الأجيال في المدارس، حيث تتشكّل الهوية الأولى للوطن والانتماء.
في مدينة عدن، التي تتخذها الحكومة المعترف بها دولياً عاصمة مؤقتة، تحوّل النشيد والعَلَم إلى رمزين للصراع، وبدلاً من توحيد التلاميذ، صار الطابور الصباحي مشهداً يومياً لانقسام اليمنيين منذ الصغر.
كل صباح، يقف التلميذ رائد عبد العزيز وزملاؤه في ساحة مدرستهم الحكومية مردّدين نشيد “دولة الجنوب”، رافعين علم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، بينما يختفي علم الجمهورية اليمنية ونشيدها الرسمي من المشهد.
يقول رائد إن مدرّسيه يلقّنونهم دروساً عن “دولة الجنوب” و”ضرورة استعادتها من المحتل اليمني”، ويعرّفونهم بأن “رئيسنا هو عيدروس الزبيدي”.
ورغم تبعية المدرسة لوزارة التربية والتعليم في الحكومة الشرعية، فإن سلطة المجلس الانتقالي الجنوبي ــ الذي يفرض سيطرته العسكرية والإدارية على عدن منذ 2019 ــ امتدّت إلى المناهج والنشيد والرموز الوطنية، لتصبح المدارس إحدى أدوات ترسيخ الانفصال في الوعي الجمعي كما هو الحال في المحافظات التي تخضع لسيطرة مليشيا الحوثي في شمال اليمن.
ومنذ سيطرة المجلس على المدينة، مُنع رفع علم الجمهورية اليمنية واستُبدل بعلم الانفصال في بعض المؤسسات الرسمية والمدارس والوزارات، وبذلك تحوّلت المدرسة من فضاء تربوي إلى مساحة للتعبئة السياسية وغرس مفاهيم مناطقية، بعيداً عن مفهوم الوطن الواحد.
ولا يتوقف التأثير عند الرموز فحسب، بل يتعدّاه إلى السلوك داخل الصفوف.
يقول لؤي، وهو تلميذ من محافظة إب يدرس في إحدى مدارس عدن، إن بعض زملائه ومدرّسيه ينادونه بـ”الدحباشي” أو “الشمالي”، ويهدّدونه بأن “لا مكان له في الجنوب”.
هذا الخطاب، الذي يغذّيه الصراع المناطقي، يزرع في أذهان الصغار مشاعر الكراهية والتفريق، ويعيد إنتاج الانقسام الاجتماعي في جيل يفترض أن يكون جيل الوحدة والمستقبل.
حاولت «تعز تايم» التواصل مع وزارة التربية والتعليم في الحكومة اليمنية ومسؤولي مكتبها في عدن دون استجابة. واكتفى وكيل الوزارة لقطاع التعليم محمد لملس بالقول إن “ما يحدث أمر واقع”، داعياً الحكومة إلى وضع حدّ لترديد نشيد الجنوب في المدارس.
ويُنظر إلى هذا الموقف كدليل على ضعف الدولة أمام نفوذ القوى المحلية المسلحة، التي تمارس سلطتها دون رادع في مناطق سيطرة الحكومة نفسها.
وتحذّر المتخصّصة في علم النفس أمة السلام عبد المجيد من تداعيات هذا الانقسام على هوية الأطفال قائلةً:“المدرسة هي اللبنة الأولى لبناء الانتماء الوطني، حين تُشوّه رموز الوطن أمام الأطفال، فإننا نخلق جيلاً بلا هوية جامعة”.
وتضيف: “في الشمال، يفرض الحوثيون شعارهم بدل النشيد الوطني، وفي الجنوب يفرض الانتقالي علمه ونشيده الخاص، ما يعني أننا أمام أجيال تتربى على ولاءات متناحرة، لا على مفهوم الوطن الواحد”.
الكاتب الصحافي محمد ناصر الحكيمي يرى أن فرض نشيد “دولة الجنوب” في مدارس عدن “يمثل امتداداً لسياسات المجلس الانتقالي الساعية لترسيخ رموز الانفصال”.
ويفيد أن هذه الممارسات “تضعف الحكومة الشرعية وتعمّق الشرخ الاجتماعي، خصوصاً حين تُفرض على الأطفال الذين يُفترض أن يتعلموا معنى الدولة لا معنى الإقليم”.
ويحمل الحكيمي الحكومة مسؤولية مباشرة عن هذا “السلوك المنفلت الذي يهدم قيم الولاء الوطني”، محذراً من أن نتائجه “ستظهر على المدى البعيد في شكل تمزق اجتماعي وصراع أجيال”.
العربي الجديد