أخبار محلية
في زمن المليشيا .. الشهادات الجامعة كسلعة للبيع والمتاجرة الزائفة
أثار إعلان جماعة الحوثيين عن منح رئيس مجلسها السياسي، مهدي المشاط، درجة الماجستير في العلوم السياسية موجة واسعة من التهكم والاستنكار في الأوساط اليمنية، خاصة الأكاديمية منها، حيث اعتُبر خطوة تعكس حجم العبث الذي تمارسه الجماعة في قطاع التعليم العالي، وتحويل الجامعات إلى أدوات سياسية ومصادر للتمويل عبر بيع الشهادات المزورة.
“ماجستير بالقصر الجمهوري”
أعلنت الجماعة منح المشاط درجة الماجستير بامتياز مع مرتبة الشرف في تخصص النظم السياسية من كلية التجارة والاقتصاد بجامعة صنعاء، بعد مناقشة رسالته في القصر الجمهوري الذي تسيطر عليه الجماعة. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل أوصت لجنة المناقشة بطباعة الرسالة وتداولها بين الجامعات العربية.
وأثار الإعلان موجة غضب عارمة، خاصة أن الرسالة تناولت انقلاب الحوثيين في 21 سبتمبر 2014 وتأثيراته على اليمن والمنطقة العربية، في خطوة يرى فيها أكاديميون أنها محاولة من الجماعة لتصدير تجربتها الانقلابية والترويج لها كإنجاز سياسي يستحق الدراسة والتوثيق.
سخرية واستسلام
أحد الأكاديميين في جامعة صنعاء، طلب عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، وصف الواقعة بأنها “إهانة للبحث العلمي وتاريخ جامعة صنعاء”، مشيرًا إلى أن الأكاديميين الذين أشرفوا على منح المشاط هذه الدرجة هم أنفسهم ممن درسوا وترقوا علميًا بفضل الثورة اليمنية التي طالما استهزأ بها المشاط.
وأضاف الأكاديمي: “الكثير من الأكاديميين ارتضوا الواقع الذي فرضته الجماعة وقبلوا بهذا العبث، حيث تُمنح شهادات عليا لقيادات حوثية لا تمتلك أي مؤهلات علمية سوى الولاء للجماعة”.
أكاديمي آخر وصف محتوى الرسالة بـ”القرارات السياسية للحوثيين”، مشيرًا إلى أنها تضمنت تمجيدًا لانقلاب الجماعة، واعتباره تعبيرًا عن إرادة الشعب اليمني، مع توصيات بإدراجه ضمن المناهج الدراسية، وإلزام الجامعات والمؤسسات البحثية بتبني دراسات حوله.
في السياق نفسه، تساءل الأكاديمي اليمني علي الحاوري عن سبب مناقشة الرسالة في القصر الجمهوري بدلاً من قاعات جامعة صنعاء، معتبرًا ذلك سابقة خطيرة في العمل الأكاديمي، مشيرًا إلى أن مجلس قسم العلوم السياسية لم يناقش الأمر، رغم أنه المعني الأول بذلك.
“تجارة الشهادات”
كشفت مصادر أكاديمية عن تصاعد عمليات تزوير الشهادات الجامعية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث تحولت الجامعات إلى مصادر للإيرادات عبر بيع الشهادات للراغبين داخل اليمن وخارجه.
وبحسب المصادر، تم منح نحو 400 شهادة جامعية عليا لقيادات حوثية في جامعة صنعاء وحدها، بهدف تبرير ترقياتهم في المناصب التي استولوا عليها. كما يتم بيع مئات من شهادات البكالوريوس للراغبين، خصوصًا من المهاجرين أو طالبي اللجوء، لتسهيل حصولهم على وظائف أو ترتيب أوضاعهم القانونية في دول المهجر.
وأوضحت المصادر أن سعر الشهادة الجامعية يتراوح بين 3,000 إلى 10,000 دولار، وقد يزيد حسب التخصص، حيث يتم التركيز على مجالات يصعب كشف التزوير فيها مثل المحاسبة والإدارة والاقتصاد والعلوم الاجتماعية.
كما يتم منح شهادات وهمية لمقيمين أجانب يسافرون إلى اليمن لفترات قصيرة، ويعودون إلى بلدانهم بزعم حصولهم على شهادات جامعية يمنية، في ظل إصدار هذه الشهادات بشكل رسمي عن الجامعات التي باتت تحت قبضة الحوثيين.
في ظل سيطرة الحوثيين على المؤسسات الأكاديمية، يبدو أن التعليم العالي في اليمن لم يعد سوى أداة سياسية تستخدمها الجماعة لتعزيز نفوذها داخليًا وخارجيًا، وتحويل الجامعات إلى أسواق لبيع الشهادات، في مشهد يعكس حجم الفوضى والفساد الذي بات يهدد مستقبل الأجيال اليمنية.