أخبار محلية
من المرتفعات إلى مخيمات النازحين.. موجة برد قاسية تضاعف معاناة مئات الآلاف من اليمنيين
يشهد اليمن هذا العام موجة برد استثنائية، مبكرة وقاسية، تضرب المرتفعات والقرى الجبلية قبل حلول الشتاء بأسابيع، وتكشف هشاشة وضع إنساني يزداد تعقيداً مع اتساع دائرة المحتاجين، وتراجع القدرة على توفير أبسط أدوات الدفء.
وبينما تتساقط درجات الحرارة بشكل حاد ليلاً في محافظات شمال البلاد، تتعالى تحذيرات المنظمات الإنسانية من موجة أشد برودة خلال الأسابيع المقبلة، قد تهدد حياة مئات الآلاف من النازحين الذين يعيشون في خيام لا تقي البرد ولا العواصف.
في مخيم الجفينة بمدينة مأرب، كان “أحمد الخضر” – وهو نازح يعيش مع أسرته في خيمة مهترئة منذ أربع سنوات – يلتقط أنفاسه بصعوبة تحت بطانية خفيفة لا تكفي طفلته البالغة خمسة أعوام.
يقول أحمد: «الليل هنا قاتل… كل عام نقول يمكن يتحسن الوضع، لكن البرد يزيد ونحن لا نملك شيئاً. ابنتي ترتجف طوال الليل ولا أستطيع شراء مدفأة أو حتى فراش جيد». مشهد أحمد يتكرر بين عشرات آلاف العائلات التي تستقبل الشتاء بيدين فارغتين، وأحلام صغيرة معلّقة على وعود لا تصل.
خبراء الأرصاد يؤكدون أن موجة البرد الحالية قد تكون الأشد منذ سنوات، حيث تشهد محافظات صعدة وعمران وصنعاء وذمار والبيضاء انخفاضاً حاداً في درجات الحرارة، يلامس أحياناً حدود الصفر، ما يفاقم المخاوف على صحة الأطفال وكبار السن.
وتمتد تأثيرات الموجة لتشمل المرتفعات في تعز وإب والضالع ولحج، وصولاً إلى حضرموت وشبوة ومأرب، وإن بدرجات متفاوتة، بينما لا تزال التحذيرات قائمة بضرورة حماية المحاصيل الزراعية التي تواجه خطر التلف بفعل الصقيع.
الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في مأرب أطلقت مؤخراً نداءً مستعجلاً، حذرت فيه من «كارثة شتوية» قد تطال آلاف الأسر التي تعيش في خيام بلا عزل، وبلا أغطية أو وسائل تدفئة. وبحسب فرقها الميدانية، فإن ما يزيد من خطورة الوضع هو وجود أطفال رُضَّع ونساء حوامل وكبار سن يعانون أمراضاً مزمنة، ما يجعل أي انخفاض إضافي في الحرارة خطراً مباشراً على حياتهم.
موظف ميداني في الوحدة التنفيذية قال: «وجدنا خياماً لا تحتوي على أي بطانية، ونساء يحرقن قطع البلاستيك للتدفئة، الوضع مخيف، وإذا لم تصل المساعدات خلال أيام فسنواجه حوادث وفاة كما حدث في شتاءات سابقة».
وتكشف البيانات الأممية أن نحو 642 ألف نازح في 45 مديرية يمنية يحتاجون إلى مساعدات شتوية عاجلة، بينهم 563 ألف معرضون فعلياً لدرجات التجمد الليلي. ورغم أن نداءً أممياً قد طُرح للحصول على تمويل قيمته 7 ملايين دولار لتوفير “حزمة الشتاء” لـ217 ألف شخص، فإن ما تم تغطيته حتى الآن لا يتجاوز 5 في المائة فقط، ما يترك فجوة تمويلية خطيرة بنسبة 95 في المائة، تهدد موسم الشتاء بكارثة إنسانية محتملة.
المواطنون يتخوفون أيضاً من أثر البرد على المزارع والمحاصيل الموسمية، خصوصاً في المناطق المرتفعة وبينهم المزارع “مقبل الرفاعي” قال إن الصقيع دمّر محصول البطاطس في العام الماضي، وإن المؤشرات الحالية تنذر بتكرار الكارثة.
يضيف: «نزرع طوال الموسم، ثم يضربنا الصقيع في ليلة واحدة. لا نملك إمكانيات لشراء أغطية للمزروعات أو بناء بيوت محمية. نخسر كل شيء ونحن نرى ذلك يحدث أمامنا».
لكن أزمة البرد ليست سوى جزء من مشهد أكبر من التدهور المعيشي. فوفق مبادرة تصنيف المراحل المتكاملة للأمن الغذائي (IPC)، يتوقع أن يصل عدد اليمنيين الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي إلى 18.1 مليون شخص خلال الفترة من أكتوبر حتى فبراير المقبل.
وتشير التقييمات إلى أن نحو 41 ألف شخص قد يدخلون مرحلة «الكارثة»، فيما يقع 5.5 مليون في مرحلة «الطوارئ»، وأكثر من 12.5 مليون في مرحلة «الأزمة»، في وقت يتسع فيه عدد المديريات المصنفة ضمن الطوارئ إلى 166 مديرية.
العوامل المحركة للأزمة باتت معروفة: صراع لا يتوقف، أسواق صعبة الوصول، عملة تتدهور، دخل لا يكفي لسد الرمق، وانخفاض غير مسبوق في حجم المساعدات الإنسانية. وعلى الأرض، تبدو آليات التكيّف لدى اليمنيين منهكة إلى درجة لم تعد قادرة على مجابهة أبسط التحديات. ومع دخول موجة البرد، تتراكم الاحتياجات فوق الاحتياجات: غذاء لا يكفي، خيام لا تقاوم المطر، أدوية لا تصل، وأطفال ينتظرون الدفء الذي لا يأتي.
وفي ظل هذا المشهد، تبدو الاستجابة الإنسانية – المتراجعة أصلاً – عاجزة عن اللحاق بحجم الاحتياج المتزايد. ومع اقتراب موجات الصقيع، يخشى العاملون في المجال الإنساني من تكرار مآسي السنوات الماضية، حين شهدت مناطق عدة حوادث وفاة لأطفال وكبار سن نتيجة البرد القارس.
ويقول أحد النازحين في مخيم السويداء بمأرب: «نحن لا نطلب الكثير فقط أن نعيش الشتاء بدون أن نفقد أبناءنا. هذه الجملة وحدها تكفي لوصف برد الشتاء القاسي، وواقع لم يعد يحتمل أي تأخير في الاستجابة أو التجاهل، فيما تتسع دائرة الأوجاع أكثر مما تحتمل البلاد.
الشرق الاوسط