تقارير
أزمة سيولة نقدية.. قرارات البنك المركزي تنعش السوق السوداء للعملات الصعبة
تشهد مدينة عدن وعدد من المحافظات المحررة أزمة سيولة حادة في الدولار والعملات الأجنبية، وسط ارتفاع غير مسبوق في نشاط السوق السوداء، بالتزامن مع قرارات مصرفية مشددة أصدرها البنك المركزي خلال الأيام الماضية، شملت إيقاف العشرات من شركات ومحال الصرافة، وفرض قيود صارمة على الحوالات الشخصية وعمليات بيع العملات الصعبة.
يأتي هذا عقب إصدار أصدر البنك المركزي في عدن تعميمات جديدة لجميع البنوك العاملة في البلاد وشركات الصرافة، حدّد فيها سقف الحوالات الشخصية وعمليات بيع العملات الأجنبية للأفراد. وبموجب التعليمات، لا يجوز أن تتجاوز قيمة الحوالة أو عملية البيع الواحدة للأغراض الشخصية ألفي دولار أو ما يعادلها، على أن تُنفذ هذه العمليات حصراً عبر شركات الصرافة المعتمدة.
أما الحوالات التي تصل قيمتها إلى خمسة آلاف دولار، فقد حصر البنك تنفيذها عبر البنوك فقط، مع التشديد على منع تجزئة المبالغ أو تكرار العمليات بغرض التحايل على القيود.
هذه القرارات، التي رافقها إيقاف عشرات شركات الصرافة وفروعها في عدن، تسببت في ارتباك واسع داخل السوق المصرفي. ويشكو مواطنون وتجار من صعوبة الحصول على الدولار والعملات الصعبة لتلبية احتياجاتهم التجارية أو الشخصية، ما أدى إلى تنامي الطلب في السوق غير الرسمية وارتفاع أسعار الصرف فيها. ويعاني الريال اليمني من تقلبات حادة، إذ يتراوح سعر الدولار في السوق السوداء بين 1618 و1800 ريال، مع تذبذبات تصل إلى 100 ريال صعودًا أو هبوطًا في غضون ساعات.
يرى خبراء اقتصاديون أن البنك المركزي لم ينجح في استثمار فرصة تراجع أسعار العملات الأجنبية مؤخرًا لوضع آلية مستقرة تكبح تقلبات السوق. ويشير محللون إلى أن حصر بعض المعاملات على البنوك دون الصرافين جاء بشكل متسرع ودون مراجعة كافية، ما خلق فراغًا استغلته السوق السوداء لتوسيع نشاطها. كما يلفت آخرون إلى أن البنك يفتقر إلى استراتيجية متكاملة لضبط عمليات التحويل والتداول، خاصة في ظل الانقسام النقدي بين مناطق سيطرة الحكومة ومناطق سيطرة الحوثيين.
وتعكس الأزمة الحالية هشاشة البنية المالية في مناطق الحكومة، وتعمّق آثار الانكماش الاقتصادي الناتج عن توقف صادرات النفط وتراجع الإيرادات العامة. كما أن استمرار القيود على الحوالات وبيع العملات يزيد الضغط على التجار والمستوردين، ويؤثر سلبًا على تدفق السلع إلى الأسواق، في وقت يواجه فيه المواطنون ارتفاعًا متواصلاً في أسعار المواد الأساسية والخدمات.
وفي ظل هذه القيود، يشهد السوق الموازي للعملات نشاطًا متزايدًا، حيث يلجأ الأفراد والشركات إلى شراء العملات الأجنبية بأسعار أعلى من الأسعار الرسمية لتغطية احتياجاتهم، وهو ما يعزز المضاربة ويزيد من تدهور قيمة الريال. ويرى مراقبون أن أي محاولة لضبط سوق الصرف لن تنجح ما لم ترافقها إجراءات شاملة تشمل تفعيل الرقابة على شركات الصرافة، وتحسين إدارة الموارد النقدية، وإعادة الثقة في النظام المصرفي.
وتبدو أزمة السيولة في عدن ومناطق الحكومة مرشحة للتفاقم إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة ومتكاملة تعالج جذور المشكلة. ومع استمرار الانقسام السياسي والنقدي، وتنامي السوق السوداء، تبقى قدرة البنك المركزي على فرض استقرار حقيقي في سوق الصرف موضع شك، في انتظار حلول اقتصادية أوسع تتجاوز القرارات المؤقتة.