تقارير

الشرعية بين الانقسام السياسي والشلل الإداري.. ما جدوى تغيير رئيس الوزراء؟

03/05/2025, 18:53:17

لم تعقد الحكومة اجتماعاتها منذ قرابة ستة أشهر، على الرغم من حالة الانهيار الشامل التي تشهدها مختلف القطاعات الخدمية والاقتصادية.

تأتي حالة الشلل هذه على خلفية خلاف بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس القيادة وأعضاء في المجلس من جهة، ومع أعضاء في حكومته يتقدّمهم وزراء المجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى، حيث يطالبون بإقالة بن مبارك بتُهم مختلفة. 

اليوم أعلن  أحمد عوض بن مبارك استقالته وتم تعيين سالم صالح بن بريك رئيسا لمجلس الوزراء وإبقاء أعضاء الحكومة في أداء مناصبهم وفقاً لقرار تعيينهم فهل يمكن القول إن هذه خطوة جيدة على طريق تحسين عمل الحكومة الشرعية؟

• الحل: حكومة تنمية وإعمار وأخرى للحرب

يقول القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي منصور صالح: "خلال الساعات الماضية، كان هناك نقاش مكثف داخل مجلس القيادة الرئاسي، ويبدو أن ستة أعضاء -على الأقل- اتفقوا على تغيير رئيس الحكومة، وأُشير إلى الأستاذ سالم بن بريك كمرشح محتمل".

وأضاف: "المشكلة لا تتعلق فقط بالأشخاص، بل بطبيعة الأداء والمعوقات التي زرعت في جسم الحكومة منذ ما بعد 2015. لدينا ترف زائد في عدد الوزراء ونوابهم، وهو ما يثقل كاهل الدولة".

وتابع: "الخلل ليس فقط في وجود الخلافات بين مكونات الحكومة، بل أيضًا في تعطيل أدائها بالكامل، حيث لا يوجد حضور حكومي فاعل في ظل الأزمات المتفاقمة".

ويرى: " بتغيير رئيس الوزراء، لا أعتقد أن الأداء سيتحسن ما لم تُعَد هيكلة الحكومة. نحن نتحدث عن حكومة تضم 24 وزيرًا، وأكثر من 35 نائب وزير، وأكثر من 240 وكيل وزارة، بينما دول مثل الولايات المتحدة تُدار بـ14 وزيرًا فقط".

وأوضح: "الحل، من وجهة نظرنا في المجلس الانتقالي الجنوبي، هو في تشكيل حكومتين مصغرتين: الأولى حكومة تنمية وإعمار للمحافظات المحررة، والثانية حكومة حرب لتحرير الشمال من المليشيات الحوثية".

وأشار إلى أن: "هناك وزارات بلا جدوى في الوقت الحالي مثل الإعلام، والثقافة، والسياحة، والبيئة. يمكن دمجها أو تحويلها إلى لجان. نحن لا نملك موارد، ولا نفط، ولا غاز، ولا حتى الحد الأدنى من الإيرادات، ومع ذلك تُصر الحكومة على الظهور وكأننا في وضع طبيعي".

وأكمل: "كنا نأمل أن يكون تعيين الدكتور أحمد عوض بن مبارك بداية مرحلة جديدة، وقد رحّب المجلس بتكليفه ووفّر له الدّعم، لكنه فشل في إدارة الأزمات، وملف الكهرباء أكبر دليل".

واستطرد: "الحكومة الحالية لم تعقد أي اجتماع فعّال مؤخرًا، ورئيس الوزراء لم ينجح حتى في إقناع وزرائه بالحضور. هناك ما لا يقل عن 18 وزيرًا وقّعوا على طلب إقالته، من بينهم وزراء من مختلف المكونات السياسية".

وقال: "المعيار الأساسي في تقييم أداء أي حكومة هو انعكاسه على حياة شعبنا، خصوصًا في الجنوب".

وأضاف: "للأسف، جميع الحكومات المتعاقبة -وبالأخص الحكومة الحالية- أداؤها تجاه الجنوب كارثي. وصل شعبنا إلى مرحلة مجاعة حقيقية، خدمات الكهرباء والمياه منهارة، الرواتب مقطوعة، المدارس مغلقة، والمعلمون في إضراب دائم".

وتابع: "هل السبب في كل ذلك هو أحمد بن مبارك وحده؟ لا، هناك تراكمات وتركة ثقيلة. البلد يمر بمرحلة صعبة، وتحت الفصل السابع، بلا موارد نفطية ولا سياحية، ويخوض حربًا مستمرة مع جماعة الحوثي".

وزاد: "من يتولى رئاسة الحكومة في هذه الظروف عليه أن يدرك حجم التحديات والتباينات السياسية داخل البلاد، وأن يكون على مستوى هذه المرحلة الدقيقة. لا نعيش في دولة طبيعية، بل في مساحة جغرافية متعددة المشاريع والولاءات".

وقال: "نحن في المجلس الانتقالي الجنوبي نؤمن أن الحل يكمن في المحاصصة العادلة التي تعكس الواقع على الأرض".

وأضاف: "الجنوبيون يديرون الجنوب، ولديهم مشروع سياسي واضح يقوده المجلس الانتقالي، والذي يمثل صوت الجنوب في اتفاق الرياض واتفاق نقل السلطة".

وأوضح: "المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والتحالف العربي – تحديدًا السعودية والإمارات – تعاملوا مع المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل رئيسي للقضية الجنوبية. ولذلك شاركنا في السلطة كجزء من الجهد لتوحيد الجبهة ضد الحوثي، ووفق اتفاق يمنح المجلس ست حقائب وزارية، مقابل ست حقائب لمكونات جنوبية أخرى بالتوافق معنا".

وقال: "المجلس الانتقالي الجنوبي قوة حقيقية على الأرض، يسيطر عسكريًا، سياسيًا وأمنيًا على محافظات الجنوب. وقد قدّم وزراء يمثلونه في الحكومة الحالية في محاولة لتيسير وتطبيع الأوضاع، كما فعلت مكونات أخرى كالمؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح. لكن، إذا تحدثنا بواقعية، فإن بعض هذه المكونات لم تعد تستحق التمثيل في الحكومة".

وأضاف: "لدينا وزراء من محافظات واقعة تحت سيطرة الحوثيين، مثل تعز ومأرب، بينما لا يملك ممثلوها أي سلطة حقيقية على الأرض. رغم ذلك، لم يعترض المجلس الانتقالي الجنوبي، بل قبل ومرّن مواقفه دعماً لجهود توحيد الجبهة الداخلية ضد مليشيا الحوثي".

وتابع: "الجنوب، في الوقت الراهن، يجب أن يُدار من قِبل أبنائه، فقد تحررت محافظاته بالكامل، بينما بعض شركائنا في الحكومة ومجلس القيادة لا يسيطرون حتى على مديرية واحدة".

وأردف: "صحيح أن الخلاف بين رئيس مجلس القيادة الدكتور رشاد العليمي ورئيس الحكومة أثّر على الأداء، لكنه لا يبرر تعطيل الحكومة كليًا. لا يجب إعطاء صلاحيات مطلقة لأي طرف، بل يجب احترام التعدد داخل المجلس".

وأشار إلى أن: "هناك حالة عبث وتعطيل متعمد من بعض الجهات، وهناك أيضاً جهود تبذل، لكن الأوضاع معقدة للغاية، البلد تحت البند السابع وفي حالة حرب، وهذا يفرض تحديات كبيرة على الحكومة ومجلس القيادة".

التغيير بلا قرار وهم آخر

يقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عبدالوهاب العوج: "تغيير رئيس الحكومة لن يقدّم أو يؤخر شيئًا. القضية أعمق من تغيير الأشخاص. المواطن يعاني من غياب كامل للخدمات، من تدهور العملة، ومن توقف تصدير النفط والغاز، ومن غياب الاستثمارات وتوقف مطار وميناء عدن، ومصافي النفط، والثروة السمكية".

وأوضح: "كل الحكومات المتعاقبة – من بحّاح إلى بن دغر، ثم معين، والآن بن مبارك – لم تحقق شيئًا. المشكلة ليست في الأشخاص، بل في غياب القرار السيادي، وفي انعدام الإرادة لإدارة الدولة إدارة حقيقية"؛ متعجبًا: "معظم الحكومة والقيادة خارج البلاد، فكيف يمكن أن ننجح؟".

المطلوب -في نظر الدكتور العوج- هو "حكومة حرب مصغرة تدير الأزمة كخلية طوارئ، لا حكومة محاصصة ومناكفات، والسبب كما قال: "نحن في حالة حرب مع مليشيات إرهابية تابعة لإيران، ومع ذلك لا يوجد تحرك عسكري حقيقي"، واصفا "تغيير الأشخاص مجرد تخدير موضعي سرعان ما يتبخّر".

وأضاف: "أعرف الدكتور أحمد عوض بن مبارك شخصيًا منذ دراستنا في بغداد، وكنت أظنه رجل إدارة ومبادئ. كنت أتوقع منه أداءً مختلفًا، خصوصًا بدعم سعودي - إماراتي. لكنه لم ينجح، ليس لضعف فيه، بل لأن البيئة السياسية فاسدة، وكل طرف يبحث عن مصلحته، والمجتمع الدولي لم يحسم موقفه من الحوثيين".

وأشار إلى أن "القضية لم تعد بيد بن مبارك ولا غيره. السعودية والإمارات هما من يديران المشهد فعليًا. ما لم يكن هناك قرار حقيقي بإدارة الدولة ومحاربة الحوثيين، فكل تغيير هو مجرد وهم آخر".

ويرى الدكتور العوج أن "المشكلة الأساسية تكمن في المحاصصة وتقاسم السلطة. التشكيلة الوزارية الحالية أشبه بفسيفساء من أحزاب متصارعة؛ خمسة وزراء من المجلس الانتقالي، وزير من الحزب الاشتراكي، وآخر من التنظيم الناصري، إضافة إلى وزراء من المؤتمر والإصلاح وغيرهم، ما جعل رئيس الحكومة غير قادر على إدارة هذا "سوق عكاظ" السياسي".

وأردف: "يفترض أن يكون لرئيس الحكومة صلاحية اختيار فريقه الوزاري، وإقالة من يقصّر في أداء مهامه، وأن يتم اعتماد الحكومة من مجلس النواب بعد تقديم خطة وموازنة، لكن كل ذلك غائب".

واستطرد: "الوزراء المتشاكسون كلٌّ يعود لحزبه، وحتى داخل الوزارة الواحدة هناك خلافات بين الوزير ونوابه أو وكلائه، مما يعطل أداء المؤسسات ويشل الدولة. لم تعد هناك تراتبية واضحة، ولا حكومة حقيقية ذات مهام محددة. رئيس الوزراء الحالي أحمد عوض بن مبارك جاء بتوافق سعودي–إماراتي–أمريكي، وليس بقرار داخلي، وهذه حال من سبقوه".

وقال: "نحن بحاجة إلى تراتبية حقيقية: رئيس مجلس قيادة رئاسي مسؤول فعليًا عن الحكومة، ويتدخل في أدائها. الدكتور العليمي – رغم موقعه – لم يكن يتدخل في عمل بن مبارك، وأحيانًا لا يستطيع فرض أي توجه".

وأكد أن "المسألة أصبحت خارج إرادة الداخل اليمني؛ الوزير اليمني عليه أن يقدم الولاء الكامل للخارج، للسعودية أو الإمارات، وربما لجهات دولية أخرى، ليُعتمد من الرباعية الدولية".

وبيَّن: "أي مسؤول وطني لا يرضى بأن يكون تابعًا يُستبعد فورًا. باختصار، نحن أمام حكومة مفرغة من السيادة والقرار الوطني، ومُوجهة بوصايات خارجية أكثر مما تخدم مصالح شعبها".

وشدد على أن "المشكلة لا تتعلق بشخص رئيس الوزراء، بل في غياب رؤية موحدة لإدارة الدولة. المحاصصة الحالية لا تعكس أحزابًا وطنية حقيقية بل تكتلات مناطقية ومصالح ضيقة".

وأضاف: "للأسف، البعض يتحدث بنبرة انفصالية واضحة، بينما نحن بحاجة للعودة إلى المرجعيات الثلاث: مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، قرارات مجلس الأمن وخاصة القرار 2216، واتفاق الرياض. هذه هي المدخل الحقيقي لأي إصلاح".

وأوضح: "تغيير وزير أو حتى رئيس وزراء، لن يحل المشكلة، فالصراع سياسي بامتياز تتحكم به السعودية والإمارات، وبدرجة أقل الرباعية الدولية. سلطنة عُمان، رغم جوارها، مغيبة عن المشهد رغم قربها من الحوثيين".

وتابع: "ليس لدينا توصيف وظيفي واضح، ولا فهم دقيق للتراتبية والصلاحيات بين المسؤولين. نحتاج إلى حكومة موحدة بصلاحيات حقيقية، مع رقابة فاعلة من مجلس النواب. استمرار المحاصصة على ما هي عليه لن يؤدي إلا إلى مزيد من الفشل".

وزاد: "إذا كنا نريد دعمًا حقيقيًا، فعلى السعودية والإمارات أن تدعم الاقتصاد اليمني، وتعيد تصدير النفط والغاز، وتُنشئ مشاريع تنموية حقيقية، وليس مجرد سلال غذائية. نحتاج إلى مشروع شبيه بمشروع مارشال، لا إلى ترقيعات تُبقي الوضع على ما هو عليه".

وأردف: "أما استمرار الكانتونات والرواتب غير الشفافة، فلن ينتج سوى مزيد من الانقسام، ويعطي الحوثي مبررًا لمقولته 'حكومة فنادق'. معظم مسؤولي الدولة خارج البلاد، برواتب مرتفعة، بينما الشعب يموت جوعًا. نريد رجال دولة حقيقيين يقدمون مصلحة الشعب على مصالحهم الشخصية".

وأشار إلى أن "المشكلة الحقيقية هي أن السعودية والإمارات خنقتا اليمن؛ لا تصدير للنفط أو الغاز، ولا دعم للموازنة، فيما يُترك المواطن للموت جوعًا".

يعتقد الدكتور العوج بأن "الحل يكمن في تشكيل حكومة حرب حقيقية من التكنوقراط، يقودها رئيس دولة يتحمل المسؤولية ويمتلك الإمكانيات، وتدعمه دول الجوار، إذا كانت جادة في تحرير اليمن".

ولفت: "أما توزيع السلال الغذائية فلن يبني دولة، بل يزيد من التشظي. سيفقد اليمن وحدته، وسنخسر محافظات كاملة، بينما الحوثي يظل المستفيد الوحيد وسط خلافاتنا على من يجب أن يكون رئيسًا للوزراء أو يدير المشهد في عدن".

تقارير

هل تُنهي التغييرات الحكومية أزمة انهيار العملة في اليمن؟

بالتزامن مع استمرار تدهور العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ناقش المجلس الرئاسي اليمني في اجتماع له بالعاصمة السعودية الرياض، مستجدات الأوضاع الاقتصادية والخدمية، دون الإعلان عن اتخاذ إجراءات للحد من التدهور المتسارع للعملة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.