تقارير
الصراري يكشف في الحلقة الـ 4 من برنامج الشاهد تفاصيل حرب 1979 وجغرافيا المعارك
شهدت اليمن، خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، صراعات وحروبا طاحنة، تركت آثارا نفسية عميقة على المجتمع اليمني، وشكَّلت مسار تاريخه الحديث.
هذه الفترة الزمنية كانت مليئة بالصراعات العسكرية، التي أثَّرت بشكل مباشر على حياة اليمنيين، وكان من أبرزها حرب الشطرين عامي 1972 و1979، وحرب المناطق الوسطى، التي استمرت لفترة زمنية طويلة.
استعرض برنامج "الشاهد" في حلقته الرابعة، من موسمه الرابع على قناة "بلقيس"، مع عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني، علي الصراري، شهادته حول أحداث حرب 1979، وكيف تغيَّرت موازين المعارك مع اصطفاف الإخوان المسلمين إلى جانب مؤسسة الجيش في حروب الجبهة؟
- أحداث الحرب
يقول علي الصراري: "إن حرب 1979 كان قد تم التحضير لها بشكل قوي، منذ أن تم اغتيال الغشمي، وكان هناك استعداد لخوض حرب؛ انتقاما لمقتل الغشمي".
وأضاف: "النظام في صنعاء، علي عبد الله صالح، كان هو على علاقة قوية جدا بالغشمي، ليس فقط لأن الغشمي كان رئيسا لعلي عبد الله صالح، ولكن كان صديقه الشخصي، وكان هناك ود قوي بين الشخصين، وضمن الروايات التي تُحكى عن تلك الفترة كان يقولها الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر إن علي عبد الله صالح كان يقول أريد فقط أن أمسك الرئاسة لمدة أسبوع لكي انتقم لمقتل الغشمي".
وتابع: "عبد الله بن حسين كان يقول هذا نادما؛ لأنه كان يريد فعلا أن تعود السلطة لتكون بيد المشايخ، بدلا من أن تنتقل إلى أيدي العسكر".
وأردف: "كانت الحرب حينها يحضّر لها من قِبل أطراف عديدة، النظام وحلفائه الإقليميين والدوليين، ونحن نعرف أنه عندما بدأت المجابهة العسكرية بين الشطرين، الولايات المتحدة أرسلت بشحنة كبيرة من الأسلحة دون أن تستأذن الكونجرس، بنحو 350 مليون دولار تقريبا".
وزاد: "الأمريكان قدموا هذه الأسلحة بدون الإجراءات الاعتيادية، التي يتخذونها في مثل هذه الحالات، وهذا كان معناه أن هناك شبكة واسعة من الأطراف التي تخطط لهذه الحرب".
وقال: "كان لدى البعض رغبة في أن تكون الحرب مجرد انتقام لاغتيال الغشمي، لكن لدى أطراف أخرى جزء من الحرب لإسقاط النظام في الجنوب، ومن الناحية الأخرى في الجنوب كانت هناك رغبة في أن تستغل الأوضاع الصعبة الضعيفة للنظام ما بعد الحمدي، وحالة السخط الشعبية داخل القوات المسلحة لإسقاط النظام".
وأضاف: "هذه العوامل هي التي ربما أدت إلى انفجار الحرب في 1979".
وتابع: "كان هناك هدف لإسقاط النظام في الجنوب، لكن كيف؟ كانت هناك إشكالية، هل يسقط عن طريق القوة المسلحة؟ وجربت هذه الطريقة، وكان في استقطاب واسع للمعارضة التي جاءت من الجنوب، السلاطين والأمراء، الذين كانوا على علاقة بالنظام الاستعماري السابق، وجرت محاولات واسعة سواء انقلابية، أو غيرها، لكن كلها فشلت".
وأردف: "بعد ذلك جاء توجّه آخر؛ هو محاصرة النظام في الجنوب اقتصاديا، وإعلاميا، وإنهاكه، وإضعافه، إلى درجة أن يسقط من داخله".
وزاد: "عندما قامت الحرب، هي في الواقع حصل نوع من التزاوج بين النهجين؛ نهج القوة لإسقاط النظام، ونهج الاحتواء والتغيير بطرق هادئة".
وقال: "وساطة الجامعة العربية كانت تلبِّي رغبات أخرى، حيث حينها جمّدت عضوية الجنوب في الجامعة العربية، وعندما جاءت بالوساطة، يعني أنه بدأ توجّه معين لإلغاء هذا الإقصاء والتجميد لجمهورية اليمن الديمقراطية، لكنها كانت استجابة لرغبات الأطراف المختلفة، الإقليمية والدولية، بأن لا تسقط صنعاء، وأن يتوقف الزحف، وأن تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب".
- دور الإخوان المسلمين
يقول الصراري: "إن الإخوان المسلمين هم في الواقع كانوا متواجدين قبل ذلك، وكانوا قد حصلوا على امتيازات معيَّنة؛ في إدارة المعاهد العلمية، وهذا حصل في عهد الحمدي، وكانت قد رصدت ميزانية ضخمة للمعاهد داخليا وخارجيا، وكانت تُدعم بشكل كبير، حيث كانت أوضاع التعليم تتدهور لكن أوضاع المعاهد العلمية تزدهر".
وأضاف: "حركة الإخوان المسلمين في المنطقة العربية تجاوبت تماما مع ما كان يحدث في شمال اليمن، وأرسلت ببعثات تدريسية بأعداد كبيرة؛ من سوريا ومصر والسودان، وجاءوا بالآلاف تقريبا، وليس بالمئات".
وتابع: "دخول الإخوان المسلمين في معارك المناطق الوسطى غيّر الآلية، وربما زادها وحشية وعنف؛ باعتبار أنه تم تحويل الصراع إلى صراع ذي طابع عقائدي، بين الطرفين".
وأردف: "دخول الإخوان في الحرب انعكس على الصراع وانعكس على الناس؛ لأن في المراحل السابقة كانت المجابهة بين مجاميع مسلحة شعبية، وبين قوات نظامية، عندما دخل الإخوان المسلمون على الخط، وتم تشكيل الجبهة الإسلامية، صارت المجابهة بين مواطنين ومواطنين، والجيش في الشمال يدعم، والجيش في الجنوب يدعم، لكن الجيش في الجنوب لم يكن متواجدا في أرض المجابهة، الجيش في الشمال كان متواجدا".
وزاد: "في هذه المجابهة، استخدم سلاح التكفير، وصار إنك تقتل واحدا أنت تقتل كافرا، بمعنى أن دمه هدر، وهذا أدى إلى أن الصراع أخذ أبعادا أكثر خطورة، بدل ما كان صراعا سياسيا، وصراعا على النفوذ، تحول إلى صراع عقائدي فيه نوع من التكفير والتخوين".
وقال: "كان التكفير أكثر تأثيرا من التخوين؛ لأن التخوين هو تهمة خطيرة لكن أقل خطورة من التكفير، وفي ظل مجتمع مسلم التكفير ينقلنا مباشرة إلى القتل".
وأضاف: "ليس لدي علم بأعداد الضحايا بشكل مضبوط، لكن كان الضحايا بالمئات من الجانبين، وبعد أن دخلنا في الصلح والعفو العام كانت خسائر الجبهة أكبر؛ لأنها تعرَّضت إلى موجة من الأعمال الانتقامية والاغتيالات، سواء في المناطق أو في المدن، وهنا سقط الضحايا بأعداد كبيرة جدا، واستمرت هذه العملية حتى قيام الوحدة، وما بعد الوحدة، وما زال هناك مخفيون قسرا لم يتم معرفة مصائرهم إلى الآن".