تقارير
الطغاة يجلبون الغزاة.. كيف حولت ميليشيا الحوثي اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة؟
قيل إن الطغاة يجلبون الغزاة، وهذا هو حال اليمن اليوم. الحرائق تشتعل في كل مكان من البلاد، وتحولت اليمن إلى ساحة للغارات الجوية، تحالف يأتي وآخر يذهب، واليمنيون يعيشون حالة عدوان مستمر.
الغارات الأمريكية على ميناء رأس عيسى النفطي، التي أسفرت عن مقتل 74 شخصاً وإصابة 171 آخرين، لم تكن حدثاً معزولاً، بل هي حلقة جديدة من مسلسل طويل لاستباحة المنشآت المدنية وتحويلها إلى أهداف مفتوحة، في حرب لا تكف عن التهام ما تبقى من منشآت اليمنيين ومقدراتهم.
تتخذ ميليشيا الحوثي، منذ سنوات، سياسة ممنهجة لعسكرة البنية التحتية، تُحوِّل الموانئ والمنشآت لخدمة أهدافها كقواعد دعم لوجستي، ومخازن سلاح في المصانع والمشافي والأحياء السكنية، وتنشر عناصرها في المدارس والمستشفيات.
أهداف رئيسية
يقول الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور عادل دشيل، إن الأمريكيين منذ اليوم الأول وضعوا ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: حماية المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وفي خليج عدن.
الهدف الثاني: قصقصة أجنحة فواعل ما دون الدولة في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الحوثي، بهدف الضغط على إيران للتوصل إلى تسوية سياسية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
الهدف الثالث: حماية أمن إسرائيل من أي استهداف.
وأضاف: في تصوري الشخصي، أن الأمريكيين سيستمرون في استهداف جماعة الحوثي، وإذا لم يجدوا مناطق عسكرية، ربما قد يستهدفون مثل هذه المناطق، والسبب أن جماعة الحوثي ما تزال ترفع شعار “يا طائرات حلقي” منذ أكثر من 14 عاماً.
وتابع: الحوثيون كجماعة ميليشياوية يرفعون شعار حق يُراد به باطل. يرفعون شعار نصرة غزة، ولكن في المقابل يدمرون البلد. ونتيجة لوقف التحالف العربي عملياته العسكرية، باتت جماعة الحوثي غير قادرة على خلق بروباغندا للاستمرار في مشروعها الدموي. فجاءت أحداث غزة مع الأسف، وكل اليمنيين مع الأبرياء والمظلومين وأهاليهم في غزة.
وأردف: لكن ميليشيا الحوثي، كجماعة ما دون الدولة، لا تأبه بالمصالح وتستخدم فقط غزة من أجل تمرير أجندات سياسية وعسكرية للبقاء أطول فترة ممكنة، حتى تلحق الأذى بما تبقى من مصالح اليمنيين.
وزاد: الحوثيون ميليشيا ما دون الدولة، وأيديولوجيتهم قائمة على العنف، ولا يمكن لهذه الجماعات أن تعيش في ظل السلام. ولو كانوا يريدون السلام والدولة والشراكة السياسية، لتوصلوا مع اليمنيين إلى تسوية سياسية منذ 14 عاماً، وأصبحوا شركاء في السلطة.
لكنهم يريدون من وراء هذه العمليات العسكرية التي يقومون بها في البحر الأحمر، أن يكونوا خط دفاع لإيران، بعد انتهاء خط الدفاع الأول للمحور الإيراني في لبنان.
وقال: الحوثيون كانوا يتصورون أنه بإمكانهم أن يصبحوا قوة إقليمية، وبالتالي تأتي أمريكا إلى طاولة التفاوض لتعترف بهم. ولا أستبعد أنه إذا رأت جماعة الحوثي أن ليس من مصلحتها الاستمرار في هذه العمليات العسكرية، أن ترضخ لشروط أمنية أمريكية، وبالتالي في حال التوصل إلى اتفاق أمني أمريكي مع جماعة الحوثي، سيكون الشعب اليمني هو الخاسر.
لهذا يجب ألا تعتمد الشرعية والقوى المناوئة لهذه الميليشيا لا على الولايات المتحدة الأمريكية، ولا على التحالف العربي. يجب أن تكون هناك خطة يمنية ذات أهداف واضحة المعالم، لكيفية التعامل مع الجماعة الحوثية بمنأى عن الولايات المتحدة الأمريكية.
فكرة الحرب والثأر
يقول الصحفي أحمد شوقي إن ميليشيا الحوثي، في تأسيسها وفي الأعمدة الأساسية لمشروعها، قامت على فكرة الحرب، وفكرة الثأر، وفكرة الأحقاد، من أجل الحصول على المزيد من الموارد والطاقات البشرية والمالية والعسكرية، وجميع الطاقات التي تحتاجها للحرب.
وأضاف: نحن مثلاً كانت لدينا تجارب سابقة مع هذه الميليشيا. في بداية هذه الحرب، كان هناك قصف لبعض المواقع العسكرية والمدنية التي تتحصن فيها ميليشيا الحوثي، والتي تخزن فيها أسلحتها، وكان هناك ضحايا يتم بث نتائج هذا القصف على شاشات القنوات التي تمتلكها هذه الميليشيا لساعات، وكانت هناك أشلاء ودماء وضحايا، دون أن نجد سيارة دفاع مدني واحدة تدخل لإنقاذ المصابين.
وتابع: كان هناك الكثير من الأرواح تُزهق أثناء هذا البث التلفزيوني المباشر للضحايا والجرحى، وهذا يعني أن ميليشيا الحوثي ليست معنية بهؤلاء الضحايا، ولا بإنقاذهم، ولا بإسعافهم، وإنما هي معنية بالمتاجرة بهذه الدماء، ومساعدة من لا يزال على قيد الحياة على أن يموت لتتخلص من عبئه كمواطن، وتستفيد من دمه للمتاجرة به في الصراع القائم.
وأردف: في قضية عمران، على سبيل المثال، حينما تم الدخول إلى عمران، وحتى في حروب صعدة أو معارك صعدة ـ أنا أسميها معارك أو جولات عسكرية لا حروباً ـ كانت الميليشيا دائماً ما تقوم بتغرير بعض الأشخاص للانضمام لها، والزج بهم في العمل العسكري، ومن ثم حينما يُقتلون، يتم تحريض أهاليهم على الأخذ بثأرهم، فتجد أن القتيل الواحد يأتي إخوته وأبناء عمومته، وقد يكون عددهم كبيراً، للانخراط في إطار جماعة الحوثي، لأخذ بثأر هذا القتيل الذي ذهب أساساً نتيجة التغرير به.
وزاد: هؤلاء الأشخاص ليسوا مقتنعين بجماعة الحوثي، ولكنهم تحت مبدأ الثأر ينخرطون في إطار هذه الجماعة ويقاتلون معها، حتى وصلوا إلى عمران بهذه الطريقة.
وقال: كل الدماء والتضحيات والخسائر البشرية والمادية، هي وسيلة من وسائل المتاجرة بدماء وتضحيات ومقدرات الشعب اليمني، من أجل تحريض اليمنيين على المزيد من الانخراط في هذه الحروب والصراعات، ومن ثم دفع أثمان باهظة.
وأضاف: نحن، خلال سنوات الحرب، نعرف أن الميليشيا الحوثية استخدمت الأعيان المدنية كمواقع عسكرية، لتخزين السلاح، ولتخزين المعدات العسكرية واللوجستية، التي تخصها وتخص أنشطتها. فتم الاستيلاء على المدارس وعلى المرافق المدنية لتخزين هذه المعدات.
وتابع: الطرف الآخر أمام خيارين؛ إما أن يضرب هذه المرافق والأعيان المدنية، وبالتالي ميليشيا الحوثي ستستخدمها للمتاجرة والتحريض ضد أي طرف يعاديها، أو ألا يتم ضربها، وبالتالي تستخدمها الميليشيا بشكل آمن لأغراضها العسكرية والإرهابية.
وفي الحالتين، المدنيون هم من يدفعون الثمن الأكبر لهذا الصراع.
وأردف: نحن، من حيث المبدأ، ندين أي قصف على المرافق المدنية والعسكرية، حتى في اليمن، لأننا نعتبر هذا البلد بلدنا، وهذه سيادتنا، ولكن في ظل عدم وجود حكومة مسيطرة على هذا البلد، يصبح هذا الرفض أو هذه الإدانة بلا معنى.
أهداف عسكرية
يقول المحلل العسكري، الرائد مصطفى القحفة، إن الجميع يعرف أن الحرب فيها أهدافًا عسكرية، فالمنشآت الحيوية مثل الطرق والجسور ومحطات الكهرباء وغيرها، تكون أثناء النزاع أهدافًا رئيسية واستراتيجية. والميليشيا الحوثية، بعد أن فقدت الأهداف العسكرية الصلبة، لجأت إلى الخندقة والدخول في المطارات والموانئ، وبدأت تخزن الصواريخ والطائرات المسيّرة في الموانئ مثل ميناء ومصنع السكر في رأس عيسى، فتتحول هذه المواقع أثناء المعارك إلى أهداف استراتيجية، من أجل استهداف الخصم وقطع إمداداته.
وأضاف: الحوثيون لا يهتمون بالمنشآت والبنى التحتية اليمنية، لأنهم يريدون فقط التصعيد المستمر خدمة لإيران، ولا يهمهم إن كانت استهدافات كهذه ستؤثر في الاقتصاد اليمني، أو على الإنسان اليمني، أو أن إعادة بنائها وإعمارها سيكون مكلفًا جداً وسيحتاج إلى وقت طويل وأزمات متتالية.
وتابع: الميليشيا الحوثية، مع الضربات الأمريكية الحالية، قد تأثرت فعليًا، وما تزال أمام الرئيس ترامب الكثير من الصلاحيات القانونية والدستورية، التي تمنحه الحق في الاستمرار في ضرب التنظيمات الإرهابية خارج البلاد.