تقارير
العنف ضد الأطفال.. مأساة تتفاقم في اليمن
تتزايد في الآونة الأخيرة ظاهرة العنف ضد الأطفال في اليمن، ما يثير قلقا واسعا من تأثيراتها السلبية على الأجيال القادمة، في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتدهورة، إضافة إلى تداعيات الحروب المستمرة، يجد الأطفال أنفسهم في مواجهة مخاطر عدة، تتراوح بين العنف الجسدي والنفسي، وبين غياب الوعي الكافي في التعامل معهم، وبات هؤلاء الأطفال عُرضة لتحدّيات غير مسبوقة، وهو ما يهدد بشكل مباشر استقرارهم النفسي والاجتماعي.
سمر (أم لثلاثة أطفال) فقدت زوجها قبل فترة طويلة، وأصبحت تواجه تحدِّيات كبيرة في تربية أبنائها بمفردها.
تعترف سمر أنها في كثير من الأحيان تفقد السيطرة على نفسها، مما يدفعها إلى ضرب أبنائها بشكل مفرط؛ لأسباب قد تبدو بسيطة، مما يتركها في حالة من الندم بعد وقوع الحادثة.
تقول سمر: "بعد وفاة زوجي، أصبح العبء النفسي والمالي أكبر علي، أحيانا أتعامل مع أبنائي بعنف غير مبرر؛ بسبب ضغوط الحياة، رغم أنني لا أريد ذلك، أندم بعد كل مرة، لكنني أعود إلى نفس التصرفات؛ بسبب عدم قدرتي على التحكم في غضبي".
وأكدت أنها تدرك تمامًا أن تصرفاتها لا تعكس محبتها لأبنائها، لكنها تجد نفسها في مواقف عصيبة لا تستطيع فيها تحمل المزيد من الضغوط.
وفي هذا السياق، يتحدّث يعقوب الحسني -أخصائي اجتماعي في مجال حماية الأطفال- عن قضية تعنيف الأطفال في اليمن، مؤكدا أن "هذه الظاهرة تتطلب تضافر الجهود المجتمعية والمؤسسية للتصدي لها، والحد من آثارها السلبية على الأجيال القادمة".
وأضاف: "من أبرز الأسباب، التي أدت إلى تفاقم العنف ضد الأطفال، هو تدني الوعي لدى الكثير من الأسر، سواء بسبب الجهل أو الأمية المنتشرة بين شرائح كبيرة من المجتمع، وهذا يعود بشكل رئيسي إلى تدني مستوى التعليم في العديد من الأسر اليمنية، خاصة بعد سنوات الحرب".
- قلّة المعرفة
وتابع: "قلة الوعي حول طرق التربية السليمة والعوامل النفسية، التي تؤثر في الأطفال، كانت من الأسباب الأخرى التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة، حيث تفتقر العديد من الأسر إلى معرفة الأساليب الحديثة والفعالة في التعامل مع الأطفال".
وأشار الحسني إلى أن "المشكلات الأسرية تلعب دورا كبيرا في تفاقم هذه الظاهرة، حيث تؤثر الأوضاع المعيشية الصعبة والأزمات النفسية، التي يعاني منها الأهل، في انتقال هذه المشاعر السلبية إلى الأطفال، مما يساهم في زيادة العنف داخل الأسرة".
وحذّر الحسني من الآثار المدمرة، التي تترتب على تعنيف الأطفال، قائلًا: "عند التعامل مع حالات العنف ضد الأطفال، نجد أن هناك انعكاسات نفسية كبيرة تؤثر في الطفل بشكل عميق، مما يؤدي إلى تطور مشاعر معقدة من العنف والكراهية تجاه المجتمع، وقد يتحول إلى شخص ناقم، محبط، وغير قادر على التفاعل بشكل إيجابي في المجتمع".
- العنف الأسري وتأثيره
تعد ظاهرة العنف الأسري من أكبر التحديات، التي تواجه المجتمع اليمني، في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها من حروب مستمرة وأزمات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.
هذه الظاهرة لا تؤثر فقط على الطفل داخل الأسرة، بل تمتد آثارها لتشمل المجتمع بشكل عام، وفي هذا الإطار، تتحدث الأخصائية النفسية ريم العبسي عن واقع العنف الأسري ضد الأطفال، موضحة مدى تأثيره على نفسية الطفل وتطوره الاجتماعي، مشيرة إلى الأسباب الرئيسية التي تقف وراء تفاقم هذه الظاهرة.
تقول العبسي: "من أبرز أسباب العنف الأسري في اليمن هو الفقر والبطالة، حيث تؤدي الضغوط النفسية الناتجة عن هذه العوامل إلى زيادة احتمالية تعرّض الأطفال للعنف داخل أسرهم".
وتطرقت إلى التقاليد الثقافية الخاطئة، مثل الاعتقاد بأن الضرب أسلوب تربوي فعّال، مؤكدة أن "هذه الممارسات تساهم في تعزيز العنف داخل المجتمع".
وأشارت إلى أن "غياب القانون وضعف تطبيقه يزيدان من حدة الظاهرة، مما يجعل الآباء والأمهات غير مدركين العواقب النفسية والاجتماعية المترتبة على العنف ضد الأطفال".
وأوضحت: "من التأثيرات النفسية والاجتماعية والجسدية، التي يتعرض لها الأطفال المعنفون، الاكتئاب، وفقدان الثقة بالنفس، والصعوبات الدراسية، وحتى احتمالية تحولهم إلى أفراد عنيفين في المستقبل".
وأكدت أن "العنف الأسري لا يؤثر فقط على الطفل المعنف، بل يمتد تأثيره ليشمل المجتمع بأسره، مهددا استقراره الاجتماعي والنفسي".
- تأثيرات النزاع
وفي سياق الأزمات، التي يمر بها اليمن، سلط محمد الصوفي -منسق حماية الطفل- الضوء على المخاطر الكبيرة التي يواجهها الأطفال؛ نتيجة الظروف الاستثنائية، مثل النزوح والحروب والكوارث، وأكد أن "هذه العوامل تؤدي إلى تأثيرات نفسية خطيرة على الأطفال، مما يهدد استقرارهم النفسي والاجتماعي".
وأضاف الصوفي أن "التأثيرات النفسية الناجمة عن هذه الظروف تتنوّع، فقد يعاني الأطفال من مشاكل مثل التبول اللا إرادي، التوتر العصبي، الانطواء، والعدوانية تجاه الآخرين".
وأشار إلى أن "الأطفال، الذين ينشأون في بيئات عدوانية قد يظهرون ميولًا انتقامية، أو يفتقرون إلى الثقة بأنفسهم".
وأكد أن "أخطر ما قد يواجهه الطفل في هذه الحالات هو فقدان هويته الذاتية، وفقدان الثقة في قدراته، مما يؤثر سلبا على تطوره النفسي والاجتماعي".
تفاقمت الأزمة الإنسانية المستمرة في اليمن، مما فاقم معاناة الأطفال والنساء، وجعلهم أكثر عرضة للاستغلال والعنف، في ظل هذه الظروف ارتفعت معدلات الظواهر السلبية؛ مثل زواج الأطفال، وعمالة الأطفال، وأثرت بشكل كبير على حقوقهم وحمايتهم.
المتحدث الإعلامي لمكتب اليونيسف في اليمن، تطرق إلى التأثيرات العميقة التي خلفتها النزاعات المستمرة على الأطفال، مشيرًا إلى الضغوط الاقتصادية والنفسية التي يعيشونها.
حيث أوضح في حديثه لـموقع "بلقيس" أن النزاع المستمر كان له تأثير مدمر على حقوق الأطفال، وصحتهم النفسية والاجتماعية، حيث يعاني العديد من الأطفال من العيش في ظروف غير آمنة، وضغط اقتصادي يدفعهم إلى العمل لدعم أسرهم، مما يؤثر على صحتهم النفسية وتعليمهم.
كما أشار إلى أن هناك عدة عوامل تسهم في زيادة العنف ضد الأطفال في اليمن، مثل الضغوط المالية والتصورات المجتمعية الخاطئة حول دور الأطفال.
وأكد أن "الأطفال الذين نشأوا في بيئات عنيفة قد يصبحون عرضة لتكرار هذه الأنماط العنيفة في المستقبل، لكن هذا لا يبرر العنف ضد الأطفال بأي حال".
وشدد المتحدث على ضرورة تعزيز أنظمة حماية الطفل في اليمن من خلال تطبيق القوانين الحالية بشكل فعال، مع تعزيز حملات التوعية المجتمعية لتغيير المواقف تجاه العنف ضد الأطفال، وأهمية دعم أولياء الأمور في تبني أساليب التربية الإيجابية، بدلاً من العقوبات البدنية.
وفيما يتعلق بدعم اليونيسف، أوضح أن "المنظمة قدمت في عام 2024 دعما نفسيا واجتماعيا لما مجموعه 109,929 شخصا، منهم 99,869 طفلا، إضافة إلى تقديم خدمات أساسية لأكثر من 5,400 شخص معرض للخطر".
- حماية الأطفال
إن القسوة المفرطة ضد الأطفال تشكل تهديدا بالغا للمجتمعات، حيث تترك آثارا نفسية وجسدية قد تستمر مدى الحياة. وفي هذا السياق، يعد الجانب القانوني أمرا بالغ الأهمية في حماية حقوق الأطفال، وضمان سلامتهم.
تؤكد رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، هدى الصراري، في حديثها لموقع "بلقيس" أن "اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1989 تعد من أبرز الأدوات القانونية الدولية التي تلتزم الدول الأعضاء باتخاذ تدابير لحماية الأطفال من جميع أشكال العنف والإساءة". وفي هذا الإطار، انضمت اليمن إلى هذه الاتفاقية وأصدرت قانون حماية الطفل الذي يجرم كافة أشكال العنف ضد الأطفال.
إلا أنه، بحسب الصراري، "لا يزال هناك تحديات قانونية تعيق تطبيق هذه القوانين بفعالية، حيث تخفف العقوبات في بعض الحالات بسبب الثغرات القانونية المتعلقة بالحقوق الأسرية، ما يؤدي إلى تقليل فعالية تطبيق العدالة".
وأوضحت الصراري أنه "من الضروري تعزيز التعاون بين السلطات المختصة لضمان تحقيق العدالة للأطفال من خلال التحقيق السريع في قضايا العنف، وإصدار أوامر حماية فورية، ومتابعة الحالات لضمان عدم تكرار الإساءة".
واختتمت الصراري بالقول: "لا بُد من تكثيف الجهود لضمان تطبيق القوانين بشكل فعال، والعمل على سد الثغرات القانونية، ليعيش الأطفال في بيئة آمنة خالية من أي نوع من أنواع الإساءة والعنف".
- حلول ومقترحات
من جهة أخرى، دعت العبسي إلى اتخاذ خطوات ملموسة للتصدي لهذه الظاهرة، بدءا من التوعية المجتمعية بأهمية التربية الإيجابية، مرورا بتقوية التشريعات القانونية، وصولا إلى دعم الأطفال المتضررين من العنف نفسيا واجتماعيا.
وقالت إن "هناك حاجة ملحة لتدريب المعالجين النفسيين، وتعزيز الدور الاستشاري للأسرة في معالجة الآثار النفسية الناتجة عن العنف الأسري".
وفيما يخص الحلول الممكنة لمواجهة هذه الظاهرة، قال الحسني: "نحن بحاجة إلى معالجة الوضع المعيشي لأسر الأطفال المتضررين وتوفير الاحتياجات الأساسية لهم يعتبر أمرا ضروريا".
كما أكد على أهمية "تنفيذ حملات توعية مكثفة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجهات الحكومية، مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وذلك لزيادة الوعي حول كيفية التعامل مع الأطفال، وحمايتهم من العنف، وضرورة إنشاء مراكز متخصصة للتأهيل النفسي للأطفال الذين تعرضوا للعنف.
وأضاف: "هذه المراكز يجب أن تقدم الدعم النفسي اللازم للأطفال وأسرهم لمساعدتهم على التكيف مع الآثار النفسية الناتجة عن العنف".