تقارير

المقاهي الشعبية في تعز.. واجهة المدينة وملاذ البسطاء

08/11/2020, 12:20:13

قناة بلقيس - هشام سرحان 

ارتياد الكثيرين المقاهي الشعبية في تعز ليس مجرد مرور عابر لارتشاف الشاي، بل حياة مفعمة بالبساطة، وقصة عشق ولدت بين الإنسان والمكان، وذلك من رحم التفاصيل الدقيقة والإيقاعات، التي تصنعها "مقارعة" أكواب الشاي المعدة بعناية فائقة في حوانيت قديمة، لها روحانيتها المعتقة، وعبق التاريخ الأصيل، التي تفصح بها مظاهرها المنهكة وأدواتها البدائية.

وتعد تلك المقاهي واجهة المدينة وأحد معالمها الشهيرة، والتي يلوذ بها البسطاء والهاربون من ضوضاء المدينة وضجيج الحداثة إلى متنفسات تقليدية تستأثر باهتمامهم.

وتتجذر في عمق الذاكرة اليمنية، كما تحتل مكانة كبيرة في نفوس الناس، لروحانيتها الخاصة، والتي تعيدهم إلى أجواء القرى وجلساتها وذكرياتها، فضلاً عن كونها أبرز مفردات الموروث الشعبي، والتي تربطها صلة قرابة بتاريخهم وماضيهم وثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم.

ولهذه الأماكن العتيقة سحرها وأسرارها، فمذاق الشاي ونكهته الفريدة وسعره المتواضع ليس السر الوحيد الجاذب للزبائن، والحاضر في أحاديث من التقيناهم، ثمة أسرار أخرى تتوارى خلف هذا التداعي والإقبال. 

وتدب فيها الحياة والأحاديث الودية والنقاشات المطولة، والتي تمتزج جيداً برائحة البهارات العابقة في أرجاء المكان، لتأسر مزيداً من القلوب بين كل رشفة وأخرى، وتوقع في شراكها عشاقاً جدداً.

عشق لا متناهٍ

فالعشق أبسط ما قد يورّطك به كوب "شاي" في مقاهٍ شعبية، لها شهرتها الواسعة في عموم البلاد، والتي ما إن ذكرت فيها "الحالمة" إلا وذكر معها مقاهيها، ما يجعلها ذاكرة مدينة عُرفت ب"عاصمة الثقافة". 

وتبدو تلك الأماكن أشبه بملتقى اجتماعي وثقافي وسياسي يقدم نموذجاً للتعايش وقبول الآخر، عبر احتضان مواطنين من مختلف الشرائح والفئات العُمرية، في مشهد عامر بالتنوع واختلاف الآراء ووجهات النظر . 

وتتعدد المقاهي الشعبية في البلاد، كما تتفاوت في حضورها وصيتها، والذي لم ينل منه طوفان المحلات الحديثة والمنتشرة بشكل كبير، الأمر الذي يثير استغراب المهتمين ويدفعهم إلى التساؤل حول العوامل، التي تمنحها البقاء والخلود.

وتصمد في وجه الحداثة ومغريات العصر الحالي، كما تحافظ على حضورها بأقل جهد وكلفة وإمكانيات، إذ تواصل المُضي مجردةً من الديكورات والأثاث والتعقيدات المعمارية، وتستقبل زبائنها، الذين يتوزعون جوارها، فوق مقاعد متهالكة، أو على الأرض، غير مكترثين لمظهر المقهى المُجهد ومحتوياته المتواضعة.

وينزوي عدد منها على استحياء وسط المدينة القديمة، كمقهى "الشعبي"، أحد أشهر المقاهي وأقدمها، والذي أسسه "الشعبي الأب" في غُرف ضيّقة ب"حي السمسرة"، وتم تحويلها في سبعينيات القرن الماضي من اسطبل للخيول في عهد الإمام أحمد حميد الدين إلى مقهى. 

ويتوارث الأبناء عن آبائهم الاحتراف والخبرة والعمل في المقاهي الشعبية، كما هي الحال بالنسبة ل"معيد الشعبي"، الذي تعلّم أبجديات العمل من والده، واكتسب مهارة كبيرة في إعداد الشاي، ما جعله ينال ثقة الزبائن، ويحافظ على شهرة الشاي الذي يقدّمه. 

 إيقاع الحياة

ويستأثر "شاي الشعبي" بإعجاب وثناء مرتشفيه، من مرتادي المقهى والمتوافدين عليه، من جبل "صبر"، وغيره من المناطق البعيدة والموزعة في وسط المدينة وأطرافها.

ومن بين هؤلاء، الموظف الحكومي مصطفى علي (42عاماً)، الذي قاطعنا حديثه مع صديقه، وهما يرتشفان الشاي في أحد المقاهي الشعبية، وذلك على مقعد متهالك، يفصح قبل الجالس عليه عن كثرة المرتادين وعلاقتهم الحميمة بالمقهى. 

ونوه إلى الأوضاع الراهنة للبلاد، قبل الحديث عن وضعه الشخصي، وكيف يعيش يومه بشكل غير طبيعي، لشدة معاناته وقسوة ظروفه المعيشية، في ظل عدم انتظام صرف الراتب، وغلاء الأسعار وغياب الخدمات وندرة المساعدات.

ويقول لموقع "بلقيس": "في الصباح، أذهب للدوام في إحدى الدوائر الحكومية، وفي المساء نلتقي كل يوم بهذا المقهى، والذي نجد فيه أنفسنا، ونستمتع بروحانيته، ونكهة الماضي، التي تفوح منه، لتعيدنا إلى ذكريات الطفولة وحياة القرى". 

وبدا محاطاً بكم هائل من الهموم العامة وغيرها، ويذكر: "الوطن يمر بمصائب تجمع المصابين بها والمتضررين منها"، مردفاً "نحن المصابون، تجمعنا المقاهي الشعبية، والتي نتبادل فيها الأحاديث الودية، كما نناقش القضايا السياسية والاقتصادية في البلاد". 

ويتم طرح هموم الموظفين اليومية، بما فيها الراتب، والذي يدور حوله الكثير من الجدل والتوقعات، لما سيكون عليه في قادم الأيام.

 فسحة للبوح

ويرتاد المقاهي الشعبية لقِدمها ومناهزة عُمرها عشرات السنين، كما أنه يجد فيها متسعاً للحديث عن كل ما يجول في خاطره من: هموم، ومشاكل، ومشاركتها مع الآخرين، للتخفيف عن نفسه، وعدم تركها حبيسة الروح والقلب، فتزيد من عذاباته وأنينه. 

ويشير إلى جودة الشاي ومذاقه الممتاز، والذي يشكل عامل جذب للمرتادين من مختلف أنحاء المدينة.

ورغم اختلاف الآراء حول الكثير من الأمور السياسية والفكرية، تجمعهم المعاناة، التي تحضر في أحاديثهم وتلتقي عند الواقع المعاش والمأساة، التي تشهدها مدينة تعز وغيرها من المدن.

ويذكر الشاب محمد الزكري: "الحياة مريرة وكئيبة، وتخلو من الرفاهية ومقومات العيش الكريم، في مشهد تشتد فيه الصعوبات يوماً بعد آخر.وتعد المقاهي الشعبية استراحة مكافح، وفسحة تقليدية، تتسم بالبساطة وقلة التكلفة، وتتسع لكل "الحزانى" والمعذبين والمقهورين"، حد تعبيره.

وتشكل هوية المدينة والوجهة، التي تشبع حنين الناس وعشقهم للنمط المعيشي التقليدي والخالي من التكلف ومظاهر الترف، في حين تعكس الوضع المعيشي والإنساني السائد. 

ملاذ البسطاء

ويهرب الزكري من قسوة الظروف ومشاكله إلى هذه الأماكن، التي يجد فيها نفسه ليتصالح معها، ويزيح عنها الكثير من التعقيدات والمشاكل، كما يتنفس الصعداء بعيداً عن الضجيج، وزحمة الحياة، والمظاهر الزائفة والخدّاعة. 

ويوضح: "نعيش في ضيق وكربة، ونعاني من الفراغ في المساء، كما أننا فقراء ومنسيون، ولا شيء يستوعبنا سوى هذه المقاهي، التي تعد محطة استراحة نفرغ فيها العناء والشقاء، لنستعد ليوم آخر".

ويعرج على المقاهي التراثية وشهرتها الكبيرة، وكثرة الإقبال عليها، والتنوع الذي يكتنفها، واحتضانها مختلف شرائح المواطنين، ويلفت إلى علاقة المرتادين بهذه الأماكن، والألفة والمودة التي تجمعهم بها.

ويشدد الزكري على أهمية المقاهي التاريخية، وتعزيزها لقيم التعايش والقبول بالآخر، وإزالتها للفوارق الاجتماعية، وسط مناخ ديمقراطي يدفع الحاضرين إلى قول كل ما يريدونه.

ويؤكد على شهرة هذه المقاهي بحلاوة مذاق الشاي فيها وأسعاره المتواضعة، وذلك خلافاً للمقاهي الحديثة، الأمر الذي يضاعف أعداد المقبلين عليها.

تقارير

بين الواقعية واحتمالات التصعيد.. تصريحات حوثية وهجمات إسرائيلية

جاء إعلان الحوثيين 'فرض حصار جوي شامل على جميع المطارات الإسرائيلية' إشارة إلى رفع مستوى التصعيد الإقليمي في المنطقة، فإسرائيل قالت بوضوح إنها لن تصمت وسترد بقوة على الحوثيين وداعميهم الإيرانيين في الزمان والمكان المناسبين.

تقارير

عدن بلا كهرباء والانتقالي ينفق نصف مليون دولار لتلميع صورته في واشنطن!

في وقت تتساقط فيه العملة الوطنية كأوراق الخريف، ويعيش المواطن في عدن والمحافظات الأخرى بين الظلام والخدمات المتدهورة، يظهر عيدروس الزبيدي -رئيس المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات- ليطلق بعثات للانتقالي في واشنطن، ويَعد بفتح أخريات في عواصم العالم.

تقارير

هل تتحول اليمن رسميا إلى ساحة حرب دولية بين إيران والغرب؟

تبنّت مليشيا الحوثي، عملية عسكرية بصاروخ باليستي 'فرط صوتي'، استهدف مطار 'بن غوريون'، في تل أبيب، بفلسطين المحتلة، فشلت منظومات الدفاع الإسرائيلية في التصدي له، مؤكدة استمرارها بالهجمات مهما كانت التداعيات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.