تقارير
المواطن اليمني .. إحباط وفقدان ثقة وغلاء أسعار
تسيطر -حتى اليوم- أخبار الانسحابات التي نفّذتها "القوات المشتركة" في الحديدة، قبل أيام، على اهتمامات الشارع اليمني، خاصة في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة.
تلقّى اليمنيون ذلك الخبر بصدمة، رغم التحولات التي حدثت لاحقاً في الساحل الغربي، وتقدّم "القوات المشتركة"، فقد عاشوا قرابة 7 سنوات من الحرب ضد جماعة الحوثي، قُتل خلالها أكثر من 233 ألف شخص.
إلى جانب ما يجري على الصعيد العسكري، فإن أكثر ما يؤرّق المواطن اليوم هو غلاء الأسعار، الذي وقفت أمامه الحكومة عاجزة عن وضع حلول جذرية لانهيار الاقتصاد، وإنقاذ أكثر 5 ملايين يمني مهددين بالمجاعة.
ومن المعروف أن "القوات المشتركة" تضم تشكيلات عسكرية رئيسية هي: ألوية العمالقة، والمقاومة الوطنية، والألوية التهامية (يقودها العميد طارق صالح)، التي تتلقّى دعمها من السعودية، والإمارات التي شكّلت قوات قامت بمواجهات عسكرية عديدة ضد الحكومة.
- لا قيمة لتضحياتنا
تبدو نجاة عبدالمغني في حالة إحباط، وهي تتابع ما يجري اليوم في مختلف المحافظات، وتقول إنها قدّمت زوجها من أجل هذا البلد عام 2015، وكانا يأملان أن تكون للحرب نهاية قريبة.
تضيف لـ"بلقيس": "فقدت زوجي، وأصبحت مسؤولة عن أسرتي المكوّنة من 6 أطفال، أكبرهم بلغ عمر الثامنة عشرة عقب استشهاد والده بأربعة أعوام في جبهات القتال بتعز، لكن يبدو أنه لا قيمة لتضحياتنا".
وتتابع نجاة: "لنا أكثر من شهرين نحاول تعبئة إسطوانة الغاز، ولم نستطع حتى اليوم، فأنا أحتاجها حتى أستطيع تدبّر متطلباتنا، ففي ظل هذا الغلاء لا يمكنني الاعتماد على الطعام الجاهز من المطاعم، أو شراء المعلّبات".
"ذهبت أحلامي أنا وزوجي هباءً، فلم نكن نتوقّع أن يصل بنا إلى هذا الحال، ونصبح فقراء، نفكّر بالذي سنأكله اليوم التالي حتى لا نموت جوعا، فما أحصل عليه من عملي في بيع البخور وبعض العطورات غير كافٍ لتوفير ما يحتاجه أطفالي الذين يدرسون حاليا في مدارس حكومية"، تضيف نجاة.
ووصل سعر صرف الدولار الواحد في 22 نوفمبر الجاري إلى 1532 ريالا للبيع، ارتفعت معه أسعار المواد الغذائية بشكل كبير وغير مسبوق، يفوق طاقة المواطن العادي وحتى الموظف الذي ما زال راتبه كما هو منذ بدء الحرب.
- مخاوف من التسليم
إطالة أمد الحرب حتى اليوم، ووجود تشكيلات عسكرية كالأحزمة الأمنية والنّخب، التي لا تأتمر بأمر الحكومة، إضافة إلى بعض إيقاف جبهات قتالية عديدة، كل ذلك وغيره جعل أخبار الانسحابات من الحديدة تثير كثيراً من التساؤلات لدى المواطنين.
محمد عبدالرحمن، مواطن من محافظة تعز، شارك مراراً وبشكل طوعي في القتال ضد جماعة الحوثي خلال عامي 2015 و2016، كان أحد الذين أدت أخبار الانسحاب في الحديدة إلى شعوره بالخوف من تكرار مثل ذلك السيناريو في أماكن أخرى.
يروي لـ"بلقيس" اللحظات التي شاهد على شاشات التلفزيون (مواطنين من بعض مناطق الحديدة التي انسحبت منها "القوات المشتركة" وهم ينزحون وبسرعة، خوفاً من وقوعهم في يد جماعة الحوثي، التي ستنتقم منهم)، قائلا: "تخيّلت نفسي وأنا أحد الذين وجدوا أنفسهم فجأة تحت سيطرة الجماعة، بعد حدوث صفقة ما نجهلها".
وتساءل عبدالرحمن: "هل يمكن أن يتكرر ذلك بالفعل مجددا في مناطق أخرى باليمن؟"، منتقداً الدور السلبي للشرعية، فهو يرى أنها تسمح بتعرّض المواطن لصدمات كثيرة آخرها الانسحاب، وكل ذلك يجعل المواطن يفقد الثقة بها، ويشعر بأنه دون أي قيادة في حرب طال أمدها، ما يعني مزيداً من سنوات الاقتتال والجوع.
يُذكر أن بعض الألوية في "القوات المشتركة" ك'التهامية'، رفضت الانسحاب.
وما زال ما حدث يثير كثيراً من الجدل، خاصة مع التخبّط بالتصريحات، الذي رافق ما حدث طوال الأيام الماضية، سواء من قِبل تلك القوات أو الحكومة وحتى الأمم المتحدة.
- عجز وتقويض الشرعية
كثير من الظروف الصعبة عاشها المواطن اليمني طوال سنوات الحرب. في إطار ذلك، يرى المحلل السياسي محمد الغابري أن كل ذلك مثّل "صدمات للشعب"، لم تنقطع منذ انقلاب 2014.
فالتدهور الاقتصادي المستمر -كما ذكر الغابري لـ"بلقيس"- يشير إلى عجز الحكومة بشكل كلي عن القيام بالحد الأدنى من واجباتها، فضلاً عن انعدام الشعور بالمسؤولية.
ومن وجهة نظر الغابري، فانسحابات الحديدة تبدو مكافأة للحوثيين، على عدم التزامهم باتفاق استوكهولم، مؤكداً أن وراءها، وفي الغرف المغلقة، تنسيق وتفاهمات، إضافة إلى أن ذلك دليل على أن ولاء قائد "القوات المشتركة" (طارق صالح) لا يزال لتلك الجماعة والإمارات.
وكل ما يجري يبدو للمحلل السياسي اليمني أنه محاولات لتقويض ما تبقّى من الشرعية، ويكشف مدى الضبابية لدى الرياض خاصة.
وبخصوص ما يُقال عن التوجّه نحو إعادة التشطير، وجعل الشمال للحوثي، والجنوب للانتقالي، فإن الغابري يعتقد بأن الأرضية لم تتوفّر لذلك سياسيا وقانونيا واجتماعيا، إضافة إلى أن الحالة بكل مآسيها تعود إلى انعدام وضوح الرؤية لدى المملكة، وربّما عند واشنطن ولندن، حد قوله.
الأحداث الأخيرة في الحديدة أفصحت عن وجود قوى لم تقبلْ بالانسحاب كالقوات التهامية، التي تقوم بعمليات لا تعطي للحوثيين فرصة للتمكّن، حسب الغابري، الذي اعتبر انتقال المواجهات إلى 'حيس'، بأنه يشير إلى أن تلك الجماعة استفزت "القوات المشتركة".
وأشار إلى أن المعارك الأخيرة أثبتت مدى ضعف جبهة الحوثيين، وأنهم وضعوا ثقلهم على مأرب، وأن مَن قرر وقف الجبهات إنّما أراد إطالة أمد الحرب، ولا يريد إنهاءها، فحملة متزامنة في جميع الجبهات كفيلة بتصدّع الحوثيين وإنهاء الحرب.
وأمام استمرار الحرب، وزيادة حِدة الانهيار الاقتصادي، يجد أغلب اليمنيين أنفسهم يواجهون الأزمات المختلفة، دون أن يمد لهم أحدٌ يد العون، فالجميع يتسابقون على حكم البلاد، لا على مساعدتهم وإنقاذهم من شبح المجاعة.