تقارير
بسبب الوقود المغشوش.. العجز والحيرة يحاصران المواطنين في مناطق سيطرة الحوثيين
تتواصل في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي أزمة الوقود الخانقة، والتي تفاقمت في الآونة الأخيرة بسبب انتشار الوقود المغشوش وتداعيات العقوبات الأمريكية.
هذه الأزمة ألقت بظلالها على حياة المواطنين، مسببة أعطالًا في المركبات ومخاوف من تفاقم الوضع. المشهد اليوم في شوارع صنعاء يزداد صعوبة، حيث يواجه المواطنون تحديات يومية في تأمين الوقود بجودة مقبولة وبأسعار معقولة، وهو ما يزيد من معاناتهم في وقت تعاني فيه البلاد من الحرب المستمرة.
منذ أكثر من أسبوعين، بدأت الشكاوى تتوالى من المواطنين في صنعاء والمناطق المحيطة بها، الذين أفادوا بتعطل مركباتهم بعد استخدام وقود تم شراؤه من محطات رسمية.
المواطن يوسف الهمداني، أحد المتضررين، قال: “كنت أعتمد على سيارتي في تنقلاتي اليومية، لكن بعد تعبئتها بالوقود من محطة الزراعة والنفط في صنعاء، بدأت أعاني من مشاكل في المحرك.”
وأضاف: “اضطررت إلى دفع ما يقارب 430 ألف ريال قديم لإصلاح الأضرار، ورغم ذلك، لا تزال السيارة لا تعمل بكفاءتها السابقة.”
المواطن أنور الحيمي أشار إلى أن القلق من جودة الوقود أصبح هاجسًا يوميًا: “أصبحنا نخاف من تعبئة الوقود أكثر من خشيتنا من نفاده.” وأضاف أنه بعد تعبئة سيارته بالوقود من محطة رسمية، بدأ المحرك يهتز ويتقطع، ثم توقفت السيارة تمامًا.
هذا التدهور في جودة الوقود أدى إلى استياء واسع بين المواطنين، الذين عبروا عن مخاوفهم من تزايد الأعطال على نطاق أوسع، مما يضاعف من أعبائهم المالية.
تعود أسباب انتشار الوقود المغشوش إلى عدة عوامل، أبرزها قيام جماعة الحوثي بخلط البنزين السليم ببقايا البنزين المتضرر من حرائق ميناء الحديدة.
وتسبب هذا الخلط بما يُعرف بالفصل الطبقي، حيث ترسب البنزين التالف في الأسفل، وظل السليم في الأعلى. الخبير أيمن هازع أوضح أن هذا التلاعب جعل البنزين أقل جودة، مما تسبب في أعطال للمركبات وأدى إلى مشاكل في الأداء المحرك. “لا يمكن لوقود بهذا النوع أن يعمل بكفاءة في السيارات الحديثة أو حتى القديمة، وهذا ما يعرض المركبات لمشاكل كبيرة”، يقول هازع.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت الولايات المتحدة في مارس 2025 حظرًا على وصول الوقود إلى ميناء الحديدة، في إطار مساعيها لتضييق الخناق على موارد جماعة الحوثي المالية بعد تصنيفها كمنظمة إرهابية.
وزاد هذا الحظر من تعقيد الوضع، حيث سارعت الجماعة إلى تخزين كميات كبيرة من المشتقات النفطية تحسبًا لأي نقص محتمل. ومع هذا الوضع، يعاني المواطنون من نقص مستمر في الوقود بجانب جودته السيئة، مما يهدد استمرار حياتهم اليومية بشكل طبيعي.
شركة النفط اليمنية في صنعاء أصدرت تحذيرًا للمواطنين بشأن جودة الوقود، مؤكدة أن استخدام مشتقات نفطية غير مطابقة للمواصفات قد يؤدي إلى أضرار جسيمة على المركبات والمعدات، بالإضافة إلى مخاطر على سلامة المستخدمين.
ودعت الشركة المواطنين إلى عدم شراء المشتقات النفطية من منافذ غير مرخصة أو مجهولة المصدر.
وعلى الرغم من هذه التحذيرات، فإن التلاعب بالوقود بات منتشراً، حيث يجد المواطنون أنفسهم مضطرين للشراء من محطات غير معروفة بسبب نقص الإمدادات في المحطات الرسمية.
الأزمة لم تقتصر على تعطل المركبات فقط، بل امتدت لتشمل قطاعات النقل والتجارة والزراعة. عارف القدمي، سائق حافلة في صنعاء، أشار إلى أن سعر صفيحة البنزين في السوق السوداء وصل إلى 30 ألف ريال، ما أثر بشكل كبير على تكاليف النقل وأسعار السلع.
كما أن ارتفاع أسعار الوقود أدى إلى زيادة أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية، مما زاد من معاناة المواطنين وارتفعت أسعار الخضروات والمنتجات الأساسية بشكل غير مسبوق، مما جعل الحياة أكثر صعوبة للجميع”، يقول القدمي.
وفي ظل هذه التحديات، تعهدت الحكومة الشرعية للأمم المتحدة بتوفير المشتقات النفطية وغاز الطهي لمناطق سيطرة الحوثيين عند سريان العقوبات الأمريكية.
وأكد وزير النفط اليمني، سعيد الشماسي، أن وزارته، بدعم من القيادة السياسية، مستعدة لتأمين احتياجات جميع المحافظات، سواء المحررة أو الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وقال:“نحن نعمل على تأمين إمدادات الوقود لجميع المناطق، لكننا نواجه تحديات كبيرة نتيجة الحصار والقيود الاقتصادية.”
وبالرغم من هذه التعهدات، لا تزال معاناة المواطنين مستمرة. غياب الرقابة على محطات الوقود، وانتشار الوقود المغشوش، وارتفاع الأسعار، كلها عوامل تزيد من تعقيد الأزمة.
ويناشد المواطنون الجهات المعنية التدخل العاجل لحل المشكلة، وضمان توفير وقود مطابق للمواصفات، بأسعار مناسبة، لتخفيف العبء عن كاهلهم.
أسباب إضافية
ومن بين الأسباب التي أدت الى توسع هذه المشكلة الأبعاد التي تتعلق بعمليات تهريب النفط الإيراني إلى مناطق نفوذ الحوثيين مؤخراً
حيث تسعى إيران، رغم العقوبات الدولية المفروضة عليها، إلى دعم حلفائها في المنطقة، بما في ذلك الحوثيون، عبر شبكات معقدة لتهريب النفط.
وفي مارس 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على شبكة تهريب نفطية تدعم الحوثيين، شملت مصفاة صينية وسفنًا متورطة في نقل النفط الإيراني لصالح الجماعة ووزارة الدفاع الإيرانية.
كما أدرجت السفن MEHLE وKOHANA في قائمة العقوبات لدورهما في نقل النفط الإيراني لصالح الحوثيين ووزارة الدفاع الإيرانية.
وتستخدم إيران ما يُعرف بـ”الأسطول الظلي” من الناقلات التي تخفي هويتها لتفادي العقوبات، حيث تُنقل شحنات النفط من سفن إيرانية إلى أخرى غير إيرانية في المياه الدولية، مما يصعب تتبعها. تستهدف هذه الشبكات تمويل الأنشطة العسكرية للحوثيين في اليمن، مما يساهم في prolonging الصراع وتأجيج الأزمة الإنسانية في البلاد.
وتزيد هذه العمليات من تعقيد أزمة الوقود في اليمن، حيث يؤدي تهريب النفط الإيراني إلى زيادة العرض في السوق السوداء، مما يفاقم من معاناة المواطنين ويزيد من صعوبة الحصول على الوقود بأسعار مناسبة.
كما أن استمرار هذه الشبكات في العمل يعكس تحديات المجتمع الدولي في تطبيق العقوبات ومكافحة تهريب النفط في المنطقة.
ووسط هذه الأوضاع، يبقى المواطنون في مناطق سيطرة الحوثي في حالة ترقب وحذر، يأملون في تدخلات فعّالة توقف تدفق النفط الإيراني وتخفف من وطأة الأزمة التي تثقل كاهلهم جراء عمليات الخلط الحاصلة.