تقارير

تحت حصار الرِّمال.. مزارعون في مأرب يواجهون التصحّر بجهود فردية

19/04/2025, 10:51:33
المصدر : خاص - محمد حفيظ

بينما يحتفل العالم باليوم الدولي ل"أمّنا الأرض" في 22 أبريل من كل عام، تخوض الوديان والمزارع في محافظة مأرب معركة يومية صامتة ضد زحف الرِّمال الصحراوية، التي تلتهم الأراضي والمزارع الخصبة تدريجيًا.

رغم وفرة المياه بفضل سد مأرب، إلا أن الرِّمال الزاحفة من صحراء العرقين، المتصلة بصحراء الرُّبع الخالي، تُهدّد المساحات الزراعية الخصبة، كاشفةً عن تحدٍ بيئي متفاقم لا يحظى بالاهتمام الكافي من الجهات المعنية ومنظمات البيئة، وهو ما يشكو منه المزارعون في المحافظة باستمرار.

-"الرِّمال تزحف نحو منازلنا"

"تخيفنا الرِّمال الزاحفة على منازلنا ومزارعنا وتهددنا كل يوم"، بهذه العبارة بدأ المزارع سعيد العقيلي حديثه لموقع "بلقيس"، وهو يعيش على أطراف وادي مأرب المحاذي لصحراء العرقين، حيث تزحف الرِّمال إلى أرضه كوحش صحراوي يلتهم فريسته ببطء، مهددة مصدر رزقه الوحيد، في ظل غياب أي حلول فاعلة لوقف هذا التهديد البيئي المتفاقم.

أما المزارع حمد دخنان فقد أحاط أرضه المزروعة بالبطاطا بإطار دائري من الذرة الرفيعة كمصدٍّ للرِّياح، لحماية نباتاته الصغيرة من الرِّمال التي تحملها الرِّياح في وادي عبيدة، على أطراف صحراء الرّبع الخالي، التي تتوسع رقعتها عامًا بعد آخر على حساب الأراضي الزراعية والمناطق السكنية في شرق البلاد.

يقول دخنان لموقع "بلقيس" إن الزحف الصحراوي طمر جزءًا من مزارع والده في أسفل الوادي، والرِّمال تراكمت داخل المزارع، ما أدى إلى توقّف الزراعة في مساحات واسعة، ولم تكن مزارع والده وحدها، بل مزارع كثيرة أخرى.

ويضيف: "المزارع، التي لم تكن محاطة بحواجز ترابية أو أشجار، دفنتها الرِّمال، بينما المزارع التي كانت خلف عرم من الرّمال، شكّل هذا العرم مصدًا طبيعيًا أوقف زحف الرّمال عنده".

ويؤكد دخنان أن الرِّمال، التي تحملها الرِّياح في مواسم معيَّنة خاصة خلال الصيف وبداية الشتاء، تهدد الأراضي الزراعية، لا سيما تلك القريبة من بداية الوادي والملاصقة للصحراء. مشيرا إلى أن "المزارع الأخرى، تظل مهددة بجفاف الأشجار؛ بسبب كثافة الرِّمال، ما يضر بالتربة الزراعية، ويؤدي إلى تصحّرها، ويجعلها غير صالحة للزراعة لاحقًا".

وفي ظل غياب حلول من الجهات المعنية، بادر دخنان -بما يملكه من خبرة وإمكانات بسيطة- إلى إنشاء سياج نباتي من الذُّرة الرَّفيعة، والذَّرة الشامية حول مزرعته، ليكون -بحسب اعتقاده- حاجزًا يوقف الرِّمال الزاحفة عند حدود أرضه.

- عجز رسمي

في مأرب، طمرت الرِّمال مساحات زراعية واسعة، حيث تعرّض الوادي لزحف رملي غطى 80% من أراضيه الزراعية، البالغة 110 هكتارات، في ظل غياب آلية واضحة من الجهات الرسمية أو السلطات، أو حتى من المزارعين أنفسهم، حول كيفية حماية أراضيهم الزراعية من الزحف، بحسب أحمد العزعزي، مدير إدارة الرَّقابة الإنتاجية الزراعية في مكتب الزراعة بمأرب.

تعاني مديرية حريب -جنوب محافظة مأرب- من التصحّر، الذي أثّر على نحو 50% من الأراضي في الوادي، الذي يُعد سلة غذاء رئيسية لزراعة الحبوب بأنواعها والسمسم، وفقًا لإحصائيات زراعية.



يقول العزعزي لموقع "بلقيس": "مشاريع الهيئة العامة لتطوير المناطق الشرقية في مأرب فشلت في مكافحة التصحّر"، مشيرًا إلى أن الزحف الرملي، الذي وصفه بـ"الخطير"، قد اجتاح مناطق زراعية بأكملها، حيث غطّت الكثبان الرملية وديانًا عدة، منها: العواش، الطحيل، الساقط، مغيفر، المسيل، وأجزاء من خشعة حتى شبوان.

وأضاف: "هذا الزَّحف يشكل تهديدًا كبيرًا للرقعة الزراعية في مأرب، خاصة مع محدودية قدرات المزارعين في مجابهته".

- تهديد بيئي مختلف

رغم وفرة المياه القادمة من سد مأرب التاريخي، تواجه المحافظة تحديًا بيئيًا يتمثل في الزحف الرملي الذي يهدد الأراضي الزراعية الخصبة، على خلاف المهددات البيئية مثل الجفاف وشح المياه التي تواجهها مناطق يمنية كثيرة.

يقول أستاذ جيولوجيا المياه والبيئة في جامعة إقليم سبأ، فيصل العشاري، لموقع "بلقيس": "مكافحة التصحر في اليمن تواجه تحديات علمية كبيرة، مثل قلة الدراسات الهيدرولوجية والبيئية، ونقص في إجراء الأبحاث العلمية ذات الصلة، وعلى رأس تلك التحديات نقص التمويل والموارد اللازمة لتنفيذ البرامج والمشاريع البيئية".

وأضاف: "الحروب والنزاعات في اليمن تزيد من تعقيدات مكافحة التصحر، وتؤدي إلى تدهور البيئة وتدمير الموارد الطبيعية".

وتوقع العشاري أن تتفاقم مشكلة التصحر في اليمن في ظل استمرار تغيُّر المناخ، وتقلبات الأحوال الجوية.

- تصحر متسارع

وبحسب إفادة مدير عام الغابات الزراعية ومكافحة التصحّر في وزارة الزراعة التابعة للحكومة المعترف بها دوليًا، فاروق أبو طالب، لموقع "بلقيس"، فقد "بلغت نسبة التصحر في اليمن 15.5% حتى نهاية 2023، بمساحة تتجاوز 79 ألف كيلومتر مربع، وذلك خلال العقدين الأخيرين".

ويعد التصحر من أبرز ملامح تأثيرات التغيّر المناخي في اليمن، الذي يصنَّف ضمن الدِّول الأكثر عُرضة للمناخ القاسي، والأقل قُدرة على مواجهته فنيًا وماليًا، حيث تحتل البلاد المرتبة 171 من أصل 192 دولة في مؤشرات الاستجابة المناخية الأممية.

يعزو أبو طالب أسباب التصحّر إلى "العوامل البشرية والطبيعية، أبرزها الاحتطاب الجائر الذي يدمِّر سنويًا أكثر من 800 هكتار، والزّحف العمراني على الأراضي الزراعية، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة بمعدل 0.06 درجة سنويًا، ما فاقم موجات الجفاف.

وتشمل المناطق الأكثر تضررًا بالتصحر الهضبة الداخلية الممتدة من سيئون وعتق إلى مأرب ولحج وأبين.

في مواجهة هذا التحدِّي، تخطط وزارة الزراعة لتقليص مساحة التصحّر بنسبة 25% خلال الفترة 2023–2030، عبر مشاريع ري تشمل أكثر من 50 ألف فدان في محافظات يمنية عدة تحت سيطرة الحكومة.

لكن أبو طالب يشير إلى أن "ضعف الموارد المالية، ونقص الكوادر الشابة؛ بسبب الحرب، يمثلان أبرز التحدِّيات.

ومع ذلك، تستمر الجهود بالتنسيق مع وزارة المياه والبيئة لتنفيذ دراسات مشتركة لمكافحة التصحّر، واستزراع الأحزمة الخضراء، وأشجار السدر، خصوصًا في المناطق المعرضة للزحف الرملي، بحسب أبو طالب.

تقارير

بعد أن ضاقت الأرض عليهم.. لا مساكن تفتح أبوابها بوجه الحوثيين

على الرغم من المكابرة والإنكار حول تأثير الضربات الجوية الأمريكية، والخسائر التي يتكبدها الحوثيون في القيادات ومخزون السلاح، إلا أن المتتبع لأوضاعهم يدرك مقدار المعاناة التي لحقت بالمليشيا، وكيف انقلبت حياتهم رأسًا على عقب، وصاروا مطاردين، ويعيشون حالة من الخوف والارتياب حتى من المقربين منهم.

تقارير

انعكاس لفقدان الثقة.. كيف أصبحت تصريحات المسؤولين في الشرعية غير مقنعة لليمنيين؟

في كل مرة يخرج فيها مسؤول حكومي بتصريح جديد، سواء من داخل اليمن أو من إحدى العواصم الإقليمية، تتدفق مئات التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكأن الناس باتوا في سباق يومي لإفراغ ما تبقى من الغضب المكبوت، لا لمجادلة مضمون التصريحات، بل لتفريغ اليأس مما تبقى من صورة الدولة.

تقارير

الغارات الأمريكية وفرص الحكومة.. الحديدة أم معركة شاملة؟

تؤكد تصريحات المسؤولين الأمريكيين أن الغارات، التي تشنها واشنطن على مواقع مليشيا الحوثي، تهدف إلى تحجيم قدرتها على شن الهجمات ضد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، دون أن تتضمن خططًا مباشرة لإسقاط سلطتهم في صنعاء.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.