تقارير
تشبيك المصالح.. مستشفيات حكومية بغرف عناية خاصة
"لا يوجد سرير فارغ"، عبارة تسقط كالصخرة على رؤوس كثير من ذوي المرضى في المستشفيات الحكومية، الذين يحتاج مرضاهم إلى عناية مركّزة، في ظل ظروف اقتصادية صعبة، وفقر طال أكثر من 80% من المواطنين في اليمن.
"المرض يفضحك، ويجعلك تقف عاجزا أمام المريض، ويجبرك تطرق كل الأبواب بحثا عن سُلف مالية دون جدوى، وتتنازل لأشخاص عمرك ما فكّرت تتنازل لهم"، هكذا كان يقول الستيني عبدالله الكدهي، وهو يفرك يديه بتوتّر، ويتحرّك ذهابا وإيابا أمام طوارئ هيئة مستشفى الجمهوري العام بمحافظة تعز، وسط اليمن.
- ضعف القدرة المالية
تعرّضت ابنة الكدهي الشابة لصدمة خوف، أو ما تُعرف محليا بـ"الفجيعة"، منذ سنوات، مما ترتب عليه اعتلال في الكبد، وتدهورت حالتها الصحية، ونقلها والدها مرات عدّة من قريته إلى عاصمة المحافظة للعلاج.
يقول الكدهي: "ابنتي بحاجة ماسة للعناية، لكن الكادر الطبّي بطوارئ المستشفى رفض تحويلها إلى قسم العناية المشددة بالمستشفى، وأخبرني الدكتور بأنه سيحولني إلى مستشفى خاص، وسط المدينة".
ويضيف: "لا أستطيع تحمّل نفقات العناية المركزة في المستشفى الحكومي، فكيف بالمستشفيات الخاصة، التي تزيد تكاليفها عن الضِّعف، وأنا لا أمتلك المال الكافي".
ويوضح الكدهي أنه طالب الكادر الطبي السماح له بالدخول إلى قسم العناية، للتأكد من وجود سرير شاغر، لكنه رفض، واعتبره منسقا مع مستشفى خاص، قد تم تحويله إليه في مرّة سابقة، مؤكدا أنه لو كان يمتلك القدرة سيذهب بنفسه، ولا يحتاج إلى ورقة تحويل.
- غياب الثّقة
يرى كثير من المرضى ارتباط بعض الأطباء والكوادر الصحية في مستشفيات خاصة تعمل على تحويل الحالات المرضية إليها، خاصة التي تحتاج إلى عناية مشددة بمقابل مالي، وهذا ما يجعلهم ينكرون وجود أسِرّة فارغة.
تواصلت "بلقيس" مع عدد من الكوادر الطبية العاملة في مستشفيات محافظة تعز، والعاصمة صنعاء، لكنهم نفوا وجود مثل هذه التصرّفات، معتبرين أنها -في حال وجدت- قد تكون تصرّفات فردية، وتعد مخالفة للقانون، وقد تعرّض من يقوم بها للمسألة والتحقيق.
وأرجعوا تحويل بعض الحالات إلى مستشفيات خاصة بعض الأحيان؛ وذلك لازدحام أقسام العناية المركزة في المستشفيات الحكومية، وقلة عدد الأسِرّة المخصصة، بالإضافة إلى أن كثيرا من الأجهزة والمعدات الطبية بوحدات الرِّعاية توقفت عن العمل، بسبب غياب الصيانة، وعدم القدرة على توفير قطع الغيار منذ بدء المواجهات العسكرية، أو بسبب الإهمال من قِبل إدارة المستشفيات.
يقول غالب عباس -مريض كُلى-: "هناك غياب ثقة في التعامل مع الأطباء في المستشفيات الحكومية، بشأن وجود أسِرة فارغة، خاصة عندما يحوّل المريض إلى مستشفى أهلي بعينه، أو يطلب منه الطبيب مراجعته في عيادته الخاصة".
ويؤكد أنه مر بهذه التجربة سابقا، وأحس أن الأطباء يكذبون عليه، ويريدون استثماره في مستشفيات يعملون بها، أو يرتبطون بها بطريقة أو بأخرى، بالإضافة إلى أنه لاحظ وجود الوساطة للحصول على سرير.
ويعتقد بأنه من الصعب تقديم شكوى بخصوص هذه الممارسات، حيث سيقف الجميع مع الطبيب، وسينكرون وجود المكان الشاغر، وسيضيع المريض وقته، ولن يحصل على الإنصاف.
- 700 سرير لـ30 مليون شخص
لا تختلف كثيرا تكاليف أقسام العناية المركّزة بين المحافظات التابعة للحكومة الشريعة، والمحافظات الخاضعة للحوثيين، لاسيما في المستشفيات الحكومية على الرّغم من الفارق الكبير في أسعار صرف العملة بين الجانبين، نظرا للإجراءات التي اتخذتها المليشيا، برفع أسعار تعرفة الخدمات إلى حد يقارب المستشفيات الخاصة.
ويتراوح متوسط التكاليف في تعز بين 20 ألف ريال للمستشفيات الحكومية و40 ألف ريال في الخاصة، كما يتراوح المتوسط بين 18 ألف ريال للمستشفيات الحكومية، و50 ألفا في الأهلية، إلا أن هذه المبالغ لا تشمل الأدوية، وخدمات الرعاية.
وفي ظل انقطاع مصادر الدَّخل لأغلب الأسر اليمنية يكون من الصعب على تلك العائلات تحمّل نفقات المرض بشكل عام، والعناية المركّزة خصوصا، لاسيما أن المستشفيات الخاصة تقدّم فواتير علاج مبالغ فيها، وترفض تقديم فواتير مفصّلة لأسعار كل خدمة.
ويعاني القطاع الصحّي في اليمن من ضعف وتهالك، حتى قبل سنوات الحرب، التي اندلعت أواخر العام 2014، والتي تسببت بإخراج ما يصل إلى 50% من المستشفيات عن الخدمة، بحسب منظمة الصحة العالمية.
وتؤكد منظمة أنقذوا الأطفال "save the children"، في تقرير لها في شهر مارس 2020، أنه لا يوجد في اليمن، الذي يقدر عدد سكانه بـ30 مليون نسمة، سوى 700 سرير في وحدات العناية المركّزة، منها 60 سريراً للأطفال، و500 جهاز تنفّس صناعي، كما أن نصف عدد المستشفيات الحكومية في اليمن فقط ما تزال تعمل بكل طاقتها.