تقارير

ثورة 11 فبراير.. أين أخفقت وماذا أنجزت؟

12/02/2025, 06:36:51
المصدر : خاص - عبد السلام قائد

مع حلول ذكرى ثورة 11 فبراير 2011 من كل عام، يتجدد الجدل بشأن تلك الثورة بين مؤيد ومعارض، وحول ماذا أنجزت الثورة أو اتهامها بالتسبب في انهيار الدولة وسيطرة المليشيات واليأس من إمكانية استعادة الأوضاع التي كانت عليها البلاد قبل الثورة، فضلا عن مدى إمكانية تحقيق الأهداف التي اندلعت من أجلها الثورة والانطلاق نحو مستقبل مشرق.

هذا الانقسام حول جدوى الثورة يعد ظاهرة طبيعية تلازم كل الثورات في العالم عبر التاريخ سواء كانت ثورات سلمية أو مسلحة، فالثورة الشعبية عندما تندلع لا تكون ضد شخص الحاكم فقط، وإنما ضد منظومة كاملة مستفيدة من ذلك الحاكم ونظامه الذي يعتاش على الفساد وتبديد ثروات البلاد في أوساط عصبته الحاكمة وعلاقاته وشبكات مصالحه وإهمال مصالح الشعب.

فكل نظام حكم فاسد وفاشل يحيط نفسه بعلاقات زبائنية وشبكات مصالح يحتمي بها، وإذا سقط ذلك الحاكم ونظامه ستسقط معه منظومة الفساد وشبكات المصالح التي كانت مستفيدة منه، ولا شك أن الخسارة المفاجئة للمكاسب والعوائد المالية الكبيرة من نظام الحكم قد تدفع بأصحابها إلى الجنون وليس فقط إلى شيطنة الثورة والوقوف ضدها وإشعال الحروب والأزمات وارتكاب كل الأوزار الممكنة، ثم تحميل الثورة المسؤولية عن ذلك، ومقاومة التغيير بكل الوسائل.

وبما أن التغيير في حياة الشعوب عملية شاقة وطويلة ومكلفة، فإن البعض لا يطيقون ثمن التغيير، ويريدون من يقدمه لهم على طبق من ذهب، غير مدركين أنه كلما كان التغيير كبيرا كان الثمن باهظا، وكلما ازدادت العراقيل والصعوبات أمام أي ثورة دل ذلك على أن الحاجة للتغيير كانت ضرورية وأن الثورة كانت في المسار الصحيح.

كما أن النظام الذي يقاوم التغيير، من خلال إشعال الحروب وسفك الدماء وإثارة النعرات الطائفية والمناطقية والقبلية والتحالف مع مليشيا ظلامية ويدمر بلادا بأكملها من أجل احتكار السلطة له ولعائلته، إنما هو نظام لا يستحق البقاء في السلطة، لأنه يشكل خطرا على مستقبل البلاد وعلى الأجيال القادمة، وكلما طال أمد بقائه في السلطة، ازدادت المخاطر التي تهدد مستقبل البلاد.

- غياب التقييم المنهجي

هل فعلا فشلت ثورة 11 فبراير كما يروج خصومها؟ يختلف معيار الفشل والنجاح لدى كل شخص أو تيار محدد وفقا لأولوياته أو مصالحه أو خسائره، وهذا يعني غياب التقييم المنهجي للثورة ومدى نجاحها أو فشلها، وعدم الوعي بأن الثورات تأتي في سياق المسار الطبيعي لتطور التاريخ والمجتمعات، وأنه من الطبيعي أن تتعثر الثورات وتواجه بعض العراقيل، لكن لا يعني ذلك أن حركة التاريخ ستعود إلى الخلف، بل ستظل تمضي إلى الأمام وتتجاوز كل العثرات والعراقيل التي تعترضها.

عندما اندلعت ثورة 11 فبراير 2011 كانت البلاد تمضي نحو الهاوية، فالهاشمية السياسية تتغلغل في مفاصل الدولة المدنية والعسكرية وتحرس جناحها العسكري (مليشيا الحوثيين في صعدة) من أي معركة حاسمة ضدها من خلال لوبي الضغط المؤثر على قرار رئيس البلاد وحاشيته، ومطالب انفصال جنوب اليمن تتزايد، والعناصر الإرهابية تنتشر في البلاد مستفيدة من تلاعب نظام علي صالح بورقة الإرهاب واتخاذه وسيلة لابتزاز الداخل والخارج، والتحول الديمقراطي الذي كان ثمرة نضال أحرار اليمن طوال عقود كاد أن ينتهي في مزبلة التوريث، وتحول الدستور إلى مسخرة من خلال التعديلات المتواصلة الهادفة إلى "تصفير عداد الرئاسة" لأجل ضمان مشروع التوريث والتأبيد.

وكانت التقارير الدولية تصنف اليمن بأنها من بين أسوأ البلدان في العالم من حيث تفشي الفقر والجوع والمرض والبطالة والانتحار والاضطرابات النفسية والعقلية وانعدام الأمن الغذائي والفساد وضعف الخدمات العامة وانسداد أفق التغيير، وفي المقابل كانت العلاقات الزبائنية وشبكات المصالح المستفيدة من النظام تتضخم وتتسع لتتقاسم مع النظام الحاكم نهب ثروات البلاد، ومن هنا ظهرت الحاجة الملحة لثورة شعبية تنقذ ما يمكن إنقاذه.

وعندما اندلعت ثورة 11 فبراير لم يفزع منها النظام الحاكم فقط، أو شبكات المصالح التي كانت مستفيدة منه، بل فقد فزعت منها حتى الأطراف التي كانت مستفيدة من ضعف النظام الحاكم وترهله وعجزه، مثل الهاشمية السياسية وجناحها العسكري (مليشيا الحوثيين) التي كانت تتربص وتنتظر لحظة الضعف التام للنظام للإجهاز عليه والاستيلاء على السلطة من داخلها تدريجيا لتجنب أي رد فعل شعبي عنيف وبطريقة تجعل الشعب يبدو عاجزا عن الاعتراض أو التصدي لذلك.

كما فزع من الثورة التيار المطالب بانفصال جنوب اليمن، لأن الثورة ستقضي على مسببات أو ذرائع مطالب الانفصال، وستنقل اليمن إلى آفاق جديدة لن يجد الانفصاليون مكانا لهم فيها. وفزعت من الثورة أيضا بعض دول الجوار التي خشي حكامها من عدوى الثورات ومطالب التغيير، ولذلك تكتلت جميع تلك الأطراف في الخندق المعادي للثورة وتحالفت ضدها في ثورة مضادة هي الأبشع، لتعدد أطرافها وتعدد مشاريعهم، واستخدامهم العنف المفرط ضد ثورة شعبية سلمية.

- أخطاء وإخفاقات

الثورة عمل بشري معرض للأخطاء والإخفاقات، وبقدر الأخطاء والإخفاقات تتشكل عراقيل في طريق الثورة تجعل المسافة الزمنية طويلة بين لحظة انطلاقها ولحظة تحقيق أهدافها، وكان أول خطأ وقعت فيه ثورة 11 فبراير هو عدم تقدير المخاطر التي ستهدد الثورة والاستعداد لها، وتُركت العديد من الثغرات مفتوحة مما أدى لتمكين أطراف الثورة المضادة من التخطيط ومحاولة إجهاض الثورة.

كما أن الثورة لم تحظَ بقيادة موحدة قادرة على تحقيق الأهداف بوضوح والاتفاق على إستراتيجية عمل واحدة، والتفاوض باسم الثورة بدلا من ترك المجال لقيادات أحزاب اللقاء المشترك للتفاوض باسم الثورة، مع أن تلك الأحزاب لم تلتحق بالثورة إلا بعد نصف شهر تقريبا على اندلاعها، وأظهر ذلك الثورة وكأنها امتداد للأزمة السياسية التي كانت قائمة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة قبل اندلاع الثورة، مما أضعف روح الثورة وحرفها عن أهدافها بعد أن انتهت المفاوضات إلى تقاسم السلطة مناصفة بين الطرفين خلال المرحلة الانتقالية، مع أن الثورة كانت شعبية وتهدف إلى تغيير جذري.

كان تقاسم السلطة مناصفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة من ثمار المبادرة الخليجية، وكان يفترض أن شباب الثورة في الساحات يرفضون تلك المبادرة، لأنها كانت بمنزلة فخ للثورة، وكان الهدف منها إنقاذ النظام الذي كان يتهاوى سريعا، خصوصا بعد مجزرة جمعة الكرامة، لكن المبادرة الخليجية سهلت بقاء نظام علي صالح في الحكم، وتم تضليل شباب الثورة بإصلاحات هامشية وحلول سطحية، بدلا من فرض تغييرات جذرية.

لقد كان كل خطأ يؤدي إلى خطأ آخر، فخطأ القبول بوصاية الأحزاب على الثورة جر إلى خطأ القبول بالمبادرة الخليجية، وخطأ القبول بالمبادرة الخليجية جر إلى خطأ منح الحصانة لعلي صالح وأعوانه ومنحهم نصف المقاعد الوزارية في حكومة الوفاق الوطني واستمرار هيمنتهم على بقية مؤسسات الدولة، مع أنه كان من المفترض أن يتم عزل علي صالح ومعاونيه بشكل كامل وعدم قبول أي نوع من المشاركة معه في أي هيكل سياسي جديد، لأن ذلك يعني انتحار الثورة بعد أن قطعت شوطا كبيرا نحو النصر.

ومن الأخطاء أيضا عدم ترتيب الأولويات لضمان سلامة الانتقال السياسي بعد الوقوع في فخ تحويل الثورة إلى أزمة سياسية، وطرح أهدافها على طاولة التفاوض، فمثلا كان يجب البدء بإجراء هيكلة حقيقية للجيش وفرض السيطرة على جميع المحافظات اليمنية وفي مقدمتها محافظة صعدة قبل البدء بالحوار الوطني.

وكان من المفترض نزع سلاح مليشيا الحوثيين، وعدم القبول بمشاركتها في الحوار الوطني في الوقت الذي كانت توسع فيه سيطرتها على الأرض وتشعل الحروب في بعض المحافظات، كما أنها لا تملك أي مشروعية سياسية لتكون طرفا مشاركا في الحوار الوطني، وإنما مليشيا كهنوتية متمردة لها هدف واضح وهو استعادة نظام الحكم الإمامي البائد القائم على العنصرية والطائفية ومزاعم الحق الإلهي في السلطة والثروة.

أيضا كان من الخطأ تحويل التمرد الحوثي إلى قضية وطنية أطلق عليها قضية صعدة، وأبناء صعدة لم يفوضوا الحوثيين لتمثيلهم في الحوار الوطني والتحدث بالنيابة عنهم، وكان يفترض أن يطلق على تلك القضية اسم "التمرد الحوثي" أو "محاولات إعادة الإمامة"، والتعامل مع مليشيا الحوثيين من هذا المنظور.

- ماذا حققت الثورة؟

عندما اندلعت ثورة 11 فبراير، كانت البلاد على حافة الهاوية، فمشروع التوريث يوشك أن يصبح أمرا واقعا، والدولة تتآكل من الداخل بفعل الفساد والإدارة بالأزمات، والهاشمية السياسية تتمدد في مفاصل الدولة وتستعد للانقضاض على السلطة مستغلة هشاشة النظام، لكن ثورة فبراير قلبت المعادلة فجأة، وفتحت الباب أمام تحول تاريخي، رغم كل العثرات والعراقيل التي واجهتها، وعبّر الميراث الذي اندلعت ضده الثورة عن نفسه بمستويات مختلفة من العنف والقتل والانتهاكات الوحشية لحقوق الإنسان وإقصاء الآخرين.

لقد نجحت الثورة في وأد مشروع التوريث، وبفضلها صار من المحرمات السياسية في اليمن، ولم يعد من الممكن تمريره مجددا، كما أن الثورة كشفت المشاريع الاستبدادية والمعادية للوطن، وخلقت وعيا شعبيا جعل من المستحيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وستظل التفاعلات الشعبية قائمة بشأن الوضع القائم اليوم حتى تحين لحظة الخلاص من مشاريع الاستبداد التي حاولت القفز على مطالب الثورة مستفيدة من الدعم الخارجي.

لقد كانت ثورة 11 فبراير لحظة فاصلة في تاريخ البلاد، إذ كسرت حاجز الخوف وزرعت في النفوس قناعة راسخة بأن السلطة ملك للشعب وليست امتيازا عائليا أو غنيمة تتقاسمها النخب الفاسدة، ولذا لم يكن النظام وحده هو الذي ارتعد منها، بل حتى القوى التي كانت تتغذى على ضعفه وترهله، مثل مليشيا الحوثي والتيار الانفصالي، كما ارتعد من الثورة الجيران الذين اعتادوا التعامل مع اليمن كدولة تابعة تدور في فلك مصالحهم، وكان حربهم أو مؤامراتهم عليها خشية من أن تهز عدوى الثورة سلطاتهم.

كما أن الثورة كشفت حقيقة الكثير من القوى المحلية التي كانت تتخفى وراء شعارات وطنية، لكنها سرعان ما أظهرت ولاءها لمشاريع خارجية، وتحولت إلى أدوات في صراع إقليمي يشترك في هدف تفتيت البلاد وإبقائها في حالة دائمة من الفوضى، وبالتالي فإن سقوط الأقنعة سيظل يؤثر على مسار اليمن السياسي لعقود مقبلة، إذ أصبح الوعي الشعبي أكثر نضجا وقدرة على التمييز بين المشاريع الوطنية وتلك التي تتخفى وراء قناع الوطنية لتحقيق أجندات تخدم أطرافا خارجية.

علاوة على ذلك، من الواضح أن الثورة أفرزت مشروعا وطنيا جامعا يلتقي حوله كل من يؤمن بالدولة المدنية والعدالة والمواطنة المتساوية، وكل الأهداف التي رفعتها الثورة لم تكن مطالب تعجيزية أو شعارات مثالية بعيدة عن الواقع، بل كانت استحقاقات دستورية وقانونية لا يمكن إنكار مشروعيتها، مثل الديمقراطية، ورفض التوريث، وبناء دولة قوية، وضمان الحقوق والحريات، وتحقيق التنمية. وهذه المطالب لم تكن موضع خلاف شعبي، ولم يعارضها إلا من كانت مصالحهم تتعارض مع وجود دولة قوية تحكمها المؤسسات لا العصبيات والمليشيات.

ختاما، لقد كانت ثورة 11 فبراير زلزالا وطنيا أعاد تشكيل وعي الأجيال، ورسخ قناعة بأن الدولة ليست ملكية خاصة، وأن الشعب قادر على تغيير واقعه مهما بدا ذلك مستحيلا. ورغم أن الطريق لا يزال طويلا لتحقق الثورة كل أهدافها، إلا أن ما أنجزته لا يمكن التراجع عنه، لأنه أصبح جزءا من وعي الشعب وضميره، وجزءا من مسار التاريخ الذي لا يمكن إيقافه.

تقارير

في ظل الأزمات والمعاناة.. إلى متى يستمر الصراع داخل مجلس القيادة الرئاسي؟

من بين كل الوعود والمهام المناطة بمجلس القيادة الرئاسي، سواء بموجب إعلان نقل السلطة أو بموجب برامج العمل المُعلَن عنها خلال الأيام التالية لإعلانه، لم يتمكن المجلس من حل أي مشكلة، ولا ساهم في الحد من آثارها.

تقارير

بسبب خلافات الداخل وضغوط الخارج.. اليمن في قلب تحولات المنطقة من دون مكسب

كثير من التحولات التي طرأت على المنطقة خلال الفترة الماضية، ورغم أن اليمن كانت على اتصال بها، إلا أنها لم تنعكس بالإيجاب عليها، للكثير من الأسباب، أهمها أن الأطراف المناوئة لميليشيا الحوثي لا تريد الحسم، لأنه ضد مصالحها الآنية والاستراتيجية.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.