تقارير
جامع المظفر التاريخي.. مساعٍ عشوائية لإنقاذه دون حفظ طابعه الأثري
منذ العام الماضي، خضعت بعض مرافق مدرسة وجامع المظفر الأثري في مدينة تعز لتدخلات متواضعة وعشوائية، لم تراعِ الطابع الأثري لهذا المعلم العريق، الذي يعدُّ من أبرز وأشهر المعالم التي شيَّدتها الدولة الرسولية، وشكّلت على مدى قرون ذاكرة المدينة وواجهتها، والجانب المشرق لماضيها.
أنشأ الجامع الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول، ثاني الملوك الرسوليين، في العام 648ه، ومنذ ذلك الحين ظل الجامع محور اهتمام الحُكام، كونه يقوم بدور الجامع الكبير في المدينة، ويعدُّ من أقدم مدارسها.
في 9 يوليو من العام 2021، أُطلق مشروع ترميم الطابق الأرضي للمظفر، الذي عدَّه وكيل محافظة تعز، عارف جامل، حينها من المشاريع الهامة والهادفة إلى إحياء أبرز المعالم التاريخية، في حين ذكر مدير مكتب الأوقاف، خالد البركاني، أن المشروع يأتي لاستعادة الغرض الذي بُني من أجله هذا المرفق، الذي من المقرر أن يكون مركزا لتأهيل طلبة العلوم الشرعية.
هدفت عملية الترميم، التي موّلها ونفذها مكتب الأوقاف والإرشاد في المحافظة، إلى إنقاذ الدور الأرضي للجامع الذي ألغي دوره في الماضي واستخدم اسطبلاً للخيول ومقبرة، كما دفنت بوابته في عهد حكم أحد أئمة الدولة المتوكلية من آل حميد الدين.
ومرت بعدة مراحل، بينها إزالة الأتربة والردميات، التي دُفن بها مدخل الطابق الأرضي للجامع، وفتح بوابته، وإقامة دعامات حجرية لها، وإنشاء جدران ساندة على طول المدخل، ومن ثم إخضاع بقية الطابق للصيانة، كما يقول مصدر رسمي ومسؤول لموقع "بلقيس".
لم يتم إشراك فرع هيئة الآثار، أو التنسيق معها، أو الأخذ بتعليماتها في هذه الأعمال، التي بدت عشوائية وغير مدروسة ولم تراعِ الطابع الأثري والنمط المعماري الرسولي القديم، كما لم تأخذ بالدراسات الهندسية والأثرية التي سبق أن أعدتها الهيئة وقدمتها لمكتب الأوقاف.
- اعتراض هيئة الآثار
اعترضت هيئة الآثار، في منتصف يوليو وتحديداً بعد 7 أيام من انطلاق المشروع، على أعمال الترميم التي رفضتها وطالبت بإيقافها وإحالة منفذيها إلى التحقيق، ونشرت ذلك في تغريدة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، ورصدها موقع "بلقيس".
وذكرت أن فتح البوابة الشرقية لجامع المظفر، وبناء المدخل المؤدي إلى البدروم، أعمال ارتجالية ومخالفة لمعايير ومواصفات العمل الأثري، ينفذها مكتب الأوقاف بواسطة أشخاص غير مؤهلين ومدرِّبين، ودون الرجوع إلى هيئة الآثار، أو الأخذ بالدراسات التي قدّمتها للمكتب.
وخاطبت مكتب الأوقاف، مشددة على ضرورة تواجد مختصين وخبراء آثار من التابعين لها، ليشرفوا على عملية الترميم في المظفر، وذلك لضمان الحفاظ على هذا المعلم من أي تداخل أو تشويه.
وأوضح مسؤول رفيع في الهيئة، لموقع "بلقيس"، أن المدخل الذي تم إنجازه لا يرقى إلى أن يكون مدخلاً لرباط علمي، فعُرضه متر ونصف، كما أن الأحجار المستخدمة في البناء لا تتطابق مع مواصفات نظيرتها القديمة إلى جانب استخدام الأسمنت بدلاً عن القضاض، ووضع باب حديدي للمدخل، عوضاً عن بابه الخشبي.
الموظف في هيئة الآثار، المهندس بلال شائف، ذكر لموقع "بلقيس": "جرى هذا العمل خلال فترات متقطعة، حيث دشن من قِبل مكتب الأوقاف، وتوقف بعد أشهر بحُجة عدم توفّر ميزانية، ثم أستؤنف بعد أشهر أخرى دون الرجوع إلى هيئة الآثار، وتم فتح بوابة صغيرة غير التي عثر عليها، وتم توثيقها في رسومات الهيئة".
لم تُفسد تلك الترميمات هوية المكان، وملامح ماضيه، ونكهته، ورونقه، وبهاءه، وطابعه الأثري، بل أضحت عائقا أمام خطة هيئة الآثار الهادفة إلى إدراج المعالم الدينية في تعز ضمن قائمة التراث العالمي.
- تفاصيل
يقول نائب مدير فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف في محافظة تعز أحمد جسار، لموقع "بلقيس": "شهد جامع المظفر، خلال العام الماضي، أعمال حفريات، للكشف عن المداخل المؤدية للمدرسة المدفونة تحت الساحة الشرقية للجامع، وتم في هذه العملية المدروسة من قِبل الهيئة، وتحت إشرافها، شق نفق طويل والعثور على مدخل كبير للمدرسة".
ويضيف جسار: "بالنسبة لبناء النفق لم تشرف عليه الهيئة، وتم تنفيذه والإشراف عليه من قِبل مكتب الأوقاف، الذي خالف بعض المواصفات التي وردت في الدراسة الأثرية للهيئة، وبرر المكتب تلك المخالفات بعدم توفّر الميزانية اللازمة، وهو ما اضطره إلى بعض الحلول المؤقتة".
وتم دفن الطابق الأرضي لجامع المظفر أثناء حكم أئمة الدولة المتوكلية، كما تم ردم جميع مرافقها من غرف ودواوين وممرات ودهاليز، وذلك عقب استخدامها إسطبل للخيول ومكانا لدفن الموتى، وقد تم في وقت سابق إخراج عدد من الهياكل العظمية من بدروم الجامع، حسب جسار.
وكان الدور الأرضي للجامع مدرسة لتدريس وتحفيظ القرآن الكريم، وتدريس المذاهب الإسلامية الأربعة بما فيها المذهب الشافعي، فضلاً عن علوم الشريعة والفقه والحديث والأدب وعلوم اللغة العربية.
وحوى، في الماضي، مكتبة نفيسة ضمت مختلف الكتب والمخطوطات في شتى العلوم، وتضمّن أيضاً سكنا للطلاب والفقهاء ومأوى للزوّار والفقراء والجوعى ومطبخا يقدم الطعام لهم، في حين كانت المدرسة توفّر كافة الخدمات والاحتياجات للطلاب، وتنفق على العاملين فيها، معتمدة في ذلك على الأوقاف الكثيرة التي أوقفت لصالح الجامع.
ويحتاج جامع ومدرسة المظفر اليوم إلى الترميم من الداخل، وإصلاح بواطن القباب المزخرفة والمتصدّعة، وإصلاح بعض الأعمدة المهددة بالانهيار، إلى جانب ترميم مرافقه الأخرى، والتنقيب عن بقية مداخل المدرسة الكائنة في الطابق الأرضي وإظهارها.
- رؤية باحث
يقول الباحث في الآثار منير طلال، لموقع "بلقيس": "المدرسة المظفرية خضعت قديماً للعديد من التعديلات، حيث تم في عهد الدولة الطاهرية توسعتها، وإضافة ثلاث قباب كبيرة، وهي اليوم موجودة، في حين اختفت العديد من ملحقات المدرسة كسكن الطلاب والمدرسين والأراضي الوقفية".
ولفت طلال إلى أن ترميم جامع المظفر، الذي يتبع وزارة الأوقاف والإرشاد، لا يرقى إلى العمل الأثري الحقيقي، إذ نفذه موظفون تابعون لمكتب الأوقاف، وقد قاموا من تلقاء أنفسهم بدهن الواجهات والأماكن الداخلية بالنورة والرنج، وطمسوا الكثير من النقوش والزخارف.
ويعد هذا العبث امتداداً لعبث آخر، حسب الباحث طلال الذي أشار إلى أن الأبواب الأثرية القديمة للجامع تم التحايل عليها في الماضي، وأخذها، واستبدالها بأبواب خشبية جديدة، في حين بِيعت البوابة القديمة للمدرسة المظفرية في إيطاليا بمبلغ مالي كبير، وذلك في عملية غامضة، علم عنها طلال من مصادر موثوقة.
وخضع الجامع سابقاً لترميمات عشوائية، لا تستند لدراسات هندسية وأثرية، حيث أعيد بناء المنارة وفقاً للنمط المعماري الصنعاني، الذي يختلف عن نمط العمارة الرسولي، والملحوظ في المدرسة الأشرفية وغيرها من المعالم، حسب طلال.
وتوقع طلال اختفاء عدد من معالم جامع المظفر، بسبب التصدعات، والحرب، والترميم العبثي، الذي يقوم به البعض، ما يجعل هذا الجامع بحاجة إلى تحرّكات جادة وقوية لترميمه، والحفاظ عليه من التزييف والتشويه.
واعتبر مشاريع ترميم المعالم الأثرية في تعز عبثا كبيرا بالآثار والموروث التاريخي، كون من نفذوا تلك الترميمات لم يجروا دراسات أثرية كافية لتلك الأماكن.