تقارير
جدول الطوارئ.. مسمار الحوثيين الأخير في نعش التعليم
ما بين حصتين إلى ثلاث حصص يتلقاها "قيس" -طالب في الصف السادس من التعليم الأساسي- في اليوم، فيما يقضي وأقرانه بقية وقت الدوام على كراسيهم المزدحمة صامتين؛ خوفا من العقاب الذي سيحلق بهم من المعلمين إذا سجلهم رئيس الفصل من المشاغبين.
"قيس" والطلاب في المدارس الحكومية الواقعة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثي ليسوا إلا ضحايا لعملية تعليمية لم يبقَ منها إلا شكليات الحضور والانصراف، أما مضمونها وجوهرها الهادف إلى تحصيل واكتساب العلم والمعارف فقد اُفرغ من محتواه.
- تحذيرات
عملية تقليص الجداول الدراسية مارستها المليشيا منذ أكثر من سبع سنوات، بهدف تغطية العجز في أعداد المعلمين، الذين يتسرَّبون من الوظيفة؛ بحثا عن مصادر دخل جديدة، تعيلهم بعد انقطاع المرتَّبات، وهو ما مثَّل ضربة قاصمة للتعليم، وتسبب في تدهوره بشكل أكبر.
ومع بدء المواجهة بين الموظفين المنقطعة مرتباتهم، وفي مقدمتهم المعلمون، وبين مليشيا الحوثي، اضطرت إلى التوسع في استخدام جدول الطوارئ الذي يهدف إلى تقليص نصاب كل المواد، وتخيير المعلم بين الحضور يوما أو يومين في الأسبوع بدلا من الدوام كل الأسبوع.
وهذا ما جعل نادي المعلمين -كيان جديد يطالب بدفع مرتَّبات المدرِّسين- يحذِّر من خطورة العمل وفق جدول الطوارئ الذي أعلنت عنه المليشيا، لما يترتَّب عليه من تدمير للعملية التعليمية، واستمرار تسرُّب الطلبة والطالبات من المدارس.
وقد أكد النادي في بيان صحفي أن وزارة التربية والتعليم، التابعة لمليشيا الحوثي، لجأت -من خلال جدول الطوارئ- إلى كسر إضراب المعلمين المفتوح، والتنصل من حل مشكلة رواتب التربويين والتربويات.
- تدمير ممنهج
اللجوء إلى جدول الطوارئ ليس خطوة واحدة ضمن مجموعة من الإجراءات، التي استخدمها الحوثيون لتدمير التعليم في اليمن، فالتقارير الدولية أكدت تورُّط الأذرع العسكرية التابعة لهم بقصف المدارس، واستخدام بعضها ثكنات عسكرية منذ انقلاب المليشيا على السلطة.
ومع سيطرتها على صنعاء ومؤسسات الدولة، استمرت المليشيا بنهجها التدميري، وأوقفت رواتب المعلمين، وفرضت رسوما شهرية على الطلاب، علاوة على بيع الكتاب المدرسي، وتغيير المناهج وفقا لمعتقداتها وأفكارها الطائفية، مما ساهم في توسع ظاهرة التسرُّب من التعليم لأكثر من مليوني طالب في مرحلة الدراسة.
يقول التربوي مجلي غالب لـ"موقع بلقيس": "بدأت الحلول الترقيعية بصرف اليونيسيف حافزا للمعلمين في مناطق الحوثي، تحكمت فيه المليشيا، حيث قامت بإحلال أشخاص تابعين لها لا يمتلكون أي خبرة، بدلا عن المعلمين الأساسيين".
وبحسب غالب، فإن المليشيا لا تبالي باستمرار العملية التعليمية، أو بمدى جودة مخرجاتها، بقدر ما تهتم بالمراكز الصيفية، التي تنفق عليها أموالا طائلة من خزينة الدولة.
- حلول أم جبايات
صندوق المعلِّم، الذي اقترحه وزير التربية والتعليم لدى المليشيا، يحيى الحوثي، وصادق عليه برلمان صنعاء قبل خمسة أعوام، أحد الحلول التي ابتكرتها للتهرُّب من دفع المرتَّبات، بعد أن فرضت المساهمة المجتمعية الشهرية، ولم يصل منها إلى المعلِّمين إلا القليل.
تتضمّن اللائحة المالية للصندوق رسوما إضافية، تتراوح ما بين 1% إلى 2% على كثير من الخدمات والسلع، منها المشتقات النفطية المحلية والمستوردة، والرسوم الجمركية للسلع والبضائع في المنافذ الرئيسية، وضريبة مبيعات القات والسجائر، والاتصالات الهاتفية والإنترنت والمياه المعدنية والمشروبات الغازية، وتذاكر السفر البرية والجوية والبحرية الداخلية والخارجية، وفواتير الكهرباء، وجزء من إيرادات المجالس المحلية.
وعلى الرغم من تعدد ووفرة مصادر الدخل لصندوق المعلِّم، إلا أن المليشيا لم تسلِّم الحافز الذي يقدر بـ"30 ألف ريال" سوى مرة واحدة بعد إنشائه، ولم يعلم أحد مصير الإيرادات التي تستقطع إليه، حتى مجلس النواب، الذي طلب من يحيى الحوثي الحضور للمسألة عدة مرات؛ لكنه يمتنع عن الحضور، كما يقول التربوي صلاح الوجيه لـ"موقع بلقيس".
الضغط الذي يمارسه نادي المعلمين، الذين استطاع أن يستقطب العديد من المعلِّمين، دفع المليشيا إلى الإعلان بأنها ستصرف ثلاثة حوافز خلال النصف الأولى، وعلى الرغم من أنها صرفت الحافز الأول، إلا أن الوجيه يرى أن الحافز لن يحل المشكلة، ولن يغطِّي نفقات المعيشة للمعلِّم في ظل الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، وانهيار العملة.
ولم يغيِّر الحافز، أو بدل التنقُّل، شيئا في جدول الطوارئ، الذي تسبب في هجرة جماعية من المدارس الحكومية، ودفع أولياء أمور الطلاب الميسورين إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الأهلية، مما جعل رسوم المدارس الخاصة ترتفع خلال السنوات الأخيرة إلى أضعاف.
وبحسب معلمين، يركِّز جدول الطوارئ -بدرجة أساسية- على المواد الدراسية، التي تحتوي على تغييرات في المنهج، والتي تدعم أفكار المليشيا، وتعزز الولاء لها، وتعظِّم قياداتها، ورموزها الحاليين والقدامى.