تقارير

دور سلطنة عُمان في الأزمة اليمنية.. حياد أم تدخل؟

17/03/2022, 18:11:27

قناة بلقيس - خاص - عبد السلام قائد

ما تزال قضية تهريب الأسلحة للحوثيين عبر سلطنة عمان تتفاعل وتثير علامات الاستفهام حول "حياد" السلطنة في الأزمة اليمنية، فقبل أيام بدأ فريق لجنة العقوبات في مجلس الأمن مهمة تقصٍّ جديدة انطلاقا من محافظة المهرة شرقي اليمن، وذلك بعد أيام من الإعلان عن ضبط شحنة صواريخ مهربة عبر منفذ شحن الحدودي مع سلطنة عمان كانت في طريقها إلى مليشيا الحوثيين، وسبق ذلك الإعلان مرات عدة عن ضبط شحنات أسلحة كانت في طريقها للحوثيين تم تهريبها عبر سلطنة عمان.

بدأت الاتهامات لسلطنة عمان بالسماح بتهريب الأسلحة للحوثيين منذ العام 2016، ورغم أن السلطنة نفت حينها تلك الاتهامات، لكنها لم تنفِ ما ورد في تقرير خبراء الأمم المتحدة المقدم إلى مجلس الأمن مطلع العام الجاري، والذي أكد أنه "لا يزال تزويد الحوثيين بقطع لأنظمة الأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى مستمرا عن طريق البر من قبل أفراد وكيانات مقرها سلطنة عُمان".

- لا حياد في الأزمة اليمنية

يتنافى سماح سلطنة عمان بتهريب الأسلحة عبر أراضيها إلى مليشيا الحوثيين مع سياستها الخارجية القائمة على الحياد والنأي بنفسها عن الصراعات التي تشهدها المنطقة، ومن بينها الأزمة اليمنية، حيث كانت السلطنة الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية ضد مليشيا الحوثيين في بداية عملية "عاصفة الحزم"، في مارس 2015.

لكن الأمر لم يقف عند ذلك الحد، فالسلطنة التي لديها علاقات جيدة مع إيران، وفي المقابل علاقات تتسم بالفتور مع السعودية والإمارات، انعكست على أداء وسياسات الدول الثلاث مجتمعة في اليمن، وحولت شرقي اليمن إلى ساحة للاستقطاب السياسي والتواجد العسكري وتكديس الأسلحة وتهريبها وتواجد خبراء عسكريين بريطانيين، رغم بعد مناطق شرقي اليمن عن مسرح العمليات العسكرية ضد مليشيا الحوثيين.

مبدئيا، تبدو سلطنة عمان وكأنها تغرد خارج السرب الخليجي فيما يتعلق بعلاقتها مع إيران ومليشيا الحوثيين، لكن بالعودة قليلا إلى الوراء تتضح خلفية علاقتها مع طهران، بصرف النظر عن المتغيرات التي شهدتها إيران فيما بعد، خصوصا ما يتعلق بنظام الحكم والسياسية الخارجية "العدوانية" ضد دول الجوار بعد الثورة الخمينية عام 1979.



لقد شهدت سلطنة عمان، خلال حقبة الحرب الباردة، وتحديدا بين عامي 1963 و1975، نزاعا داخليا مسلحا بعد اندلاع ما أُطلق عليها "ثورة ظفار" التي قادتها جبهة ظفار اليسارية ضد حكم السلطان سعيد بن تيمور، لكن تلك الجبهة لم تستطع تحقيق نتائج تذكر إلا بعد تلقيها دعما من الحكم الماركسي في الشطر الجنوبي من اليمن، والذي كان من خلاله يأتي الدعم من الاتحاد السوفييتي وكوبا والصين لجبهة ظفار، وبفضل ذلك استطاعت الجبهة أن تحقق تقدما كبيرا وكادت أن تسيطر على إقليم ظفار كاملا، وغيرت اسمها من "الجبهة الشعبية لتحرير ظفار" إلى "الجبهة الشعبية لتحرير الخليج المحتل".

وأمام تنامي تلك المخاطر، أطاح السلطان قابوس بن سعيد بوالده سعيد بن تيمور عام 1970، وأجرى إصلاحات واسعة في البلاد، غير أنه لم يتمكن من القضاء على جبهة ظفار.

وأمام تنامي التحدي الذي تشكله جبهة ظفار، تغير الوضع رأسا على عقب بدءا من فبراير 1973، عندما قدّم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، دعما عسكريا واسعا لسلطنة عمان ضد جبهة ظفار، لخشيته من انتشار الأفكار الشيوعية في الخليج، حيث أرسل إلى السلطنة نحو ثلاثة آلاف جندي إيراني و16 مقاتلة، كما قطع الأسطول الحربي الإيراني خطوط إمدادات جبهة ظفار بالأسلحة.

وبفضل الدعم العسكري الإيراني حسمت السلطنة معركتها ضد جبهة ظفار اليسارية، بينما اكتفت السعودية حينها بتوفير الدعم السياسي للسلطنة لنيل عضوية الجامعة العربية ثم الأمم المتحدة.

تبدو الأحداث اليوم مقطوعة الصلة بالماضي، فاليمن أصبح موحدا وحسم مسألة ترسيم الحدود مع سلطنة عمان، والتهديد الماركسي للسلطنة أصبح شيئا من الماضي، كما أن نظام الحكم القائم في إيران جاء من رحم ثورة أطاحت بنظام الشاه الذي دعم السلطنة في سبعينيات القرن الماضي وجاء بنهج جديد على صعيد العلاقات الخارجية يختلف تماما عن نهج الشاه.

ومهما يكن، تظل الذاكرة التاريخية للدول حاضرة دوما في رسم سياستها الخارجية وتعاطيها مع الأزمات المحيطة بها، وبما أن اليمن أصبح ساحة للنفوذ والتدخل العسكري الأجنبي، فإن سلطنة عمان لا يمكن أن تبقى على الحياد أو تقف موقف المتفرج، ولا بد أن يكون لها دور ولو من وراء ستار، لكن ما طبيعة ذلك الدور؟ ولصالح من؟ وما هي دوافعه وخلفياته؟

- عمان وفشل دور الوسيط

عندما اندلعت عملية "عاصفة الحزم"، في 26 مارس 2015، فضلت سلطنة عمان ممارسة دور الوسيط لإنهاء الحرب في اليمن، فبعد خمسة أيام فقط من اندلاع "عاصفة الحزم"، ذكرت مصادر إعلامية أن السلطان قابوس بن سعيد أرسل رسالة إلى الملك سلمان بن عبد العزيز طالبه فيها بإيقاف التدخل العسكري في اليمن، وقد رد الرئيس السابق علي صالح (حليف الحوثيين حينها) على تلك الأنباء برسالة شكر -نشرها بصفحته على فيسبوك- للسلطان قابوس على ما وصفها بـ"جهوده ومساعيه لدى السعودية لوقف العملية العسكرية في اليمن".



وفي حين كانت وسائل إعلام إيرانية تشيد بسلطنة عمان لعدم انخراطها في الحرب ضد مليشيا الحوثيين، وصف السلطان قابوس، في عام 2016، قرار السعودية بالتدخل في اليمن بأنه كان قرارا متهورا. وبنفس العام، سمحت سلطنة عمان لمليشيا الحوثيين بإنشاء مكتب سياسي في العاصمة مسقط، وشكل ذلك المكتب صلة وصل بين مليشيا الحوثي والمجتمع الدولي، وظل مركزا للمشاورات التي تدور وراء الكواليس من حين لآخر بين مليشيا الحوثيين والسعودية والحكومة اليمنية الشرعية والفاعلين الأجانب في اليمن، وبنفس الوقت ظلت سلطنة عمان تعترف بالسلطة الشرعية وتؤكد على موقفها المؤيد لاستمرار الوحدة اليمنية، وتستضيف أعضاء في الحكومة الشرعية من المناهضين للدور السعودي والإماراتي التخريبي في اليمن، وبعضهم سبق الإطاحة بهم من مناصبهم.

إن مجرد سماح سلطنة عمان لقيادات في مليشيا الحوثي بالتعبير عن مواقفهم السياسية ومهاجمة خصومهم من عاصمتها مسقط، ينفي عنها سياسة الحياد التي عرفت بها في وقت سابق بخصوص اليمن، فمثلا، عندما استقبلت السلطنة بعض القيادات الانفصالية في أعقاب حرب صيف 1994 الأهلية، لم تسمح لهم بالانخراط في السياسة، وطلبت من نائب الرئيس السابق، علي سالم البيض، مغادرة أراضيها، بعد عودته للنشاط السياسي إثر ظهور الحراك الجنوبي السلمي في عام 2007.

صحيح أن تواجد بعض قادة مليشيا الحوثيين في سلطنة عمان باستمرار، منذ العام 2016، كان بهدف توظيف نفوذها السياسي على الحوثيين وعلاقتها بالأطراف الأخرى لتمارس دور الوسيط من داخل أراضيها، غير أن السماح لوفد المليشيا بمهاجمة خصومهم وإدارة مصالح المليشيا التجارية والنشاط الدبلوماسي المريب، كل ذلك يجعل دور السلطنة في دائرة الشك ويخرجها من مربع الحياد ويجعلها وسيطا غير موثوق به، بصرف النظر عن ملابسات ذلك وتوظيف العلاقة مع مليشيا الحوثيين لأجل تصفية حسابات وصراع نفوذ بين أكبر أعمدة البيت الخليجي داخل الأراضي اليمنية.

- تهريب السلاح والخلاف مع السعودية

ظلت قضية تهريب السلاح للحوثيين عبر الأراضي العمانية تلقي بظلالها على علاقة السلطنة بكل من اليمن والسعودية والإمارات، حيث تعلن أجهزة الأمن اليمنية من حين لآخر ضبطها شحنات أسلحة مهربة عبر الأراضي العمانية في طريقها إلى الحوثيين، وكانت في البدء تدور شكوك حول صحة تلك الاتهامات، خصوصا أن المسافة التي تفصل بين سلطنة عمان ومناطق سيطرة الحوثيين كبيرة جدا وتقع تحت سيطرة الحكومة الشرعية، وبالتالي فإن التهريب عبرها مهمة شاقة وعسيرة، لكن اتضح فيما بعد أن المهربين دائما يبتكرون أساليب جديدة لتهريب قطع السلاح داخل شحنات تجارية، وفق إفادات مصادر أمنية.

اتخذت السعودية من قضية تهريب السلاح للحوثيين عبر سلطنة عمان مبررا للسيطرة على محافظة المهرة بذريعة مكافحة التهريب، ورغم حجم التواجد العسكري المعزز بأسلحة حديثة وخبراء عسكريين بريطانيين، إلا أن تهريب السلاح ما زال مستمرا، ومعظم شحنات الأسلحة المهربة تكتشفها أجهزة الأمن اليمنية، ما يعني فشل السعودية في ضبط الحدود ومنافذ التهريب، وأن تواجدها العسكري له أهداف أخرى.

كانت لعبة السعودية في محافظة المهرة مكشوفة من بدايتها، ولذلك فقد تسببت بتأجج الوضع داخل المحافظة المسالمة والبعيدة عن مسرح الحرب والعمليات العسكرية ضد الحوثيين، وتزايد الاحتقان الاجتماعي والغضب الشعبي ضد السعودية، كما ازدادت العلاقة توترا بين عمان والسعودية، وبين عمان والإمارات، حيث ترى السلطنة أن تواجد الدولتين في محافظتي المهرة وسقطرى يعكس سلوكا عدائيا موجها ضدها ويهدد أمنها القومي، ودفعها ذلك للمضي في توطيد علاقتها مع الحوثيين وإيران، وتعزيز نفوذها من خلال دعم الاحتجاجات الشعبية الرافضة لتواجد السعودية والإمارات في المهرة وسقطرى، واستضافة قادة فصائل وشخصيات مناهضة للمجلس الانتقالي وللتحالف للإقامة في مسقط والسماح لهم بالانخراط في السياسة وإجراء المقابلات مع وسائل الإعلام.

وفي المحصلة، لقد اصطدمت كل من السعودية والإمارات وسلطنة عمان داخل الأراضي اليمنية، وتحرص كل منها على الإمساك بعدة أوراق والتحالف مع أكثر من طرف لتتعدد وسائل الصراع وأدوات ضغط كل طرف على الأطراف الأخرى، وكان لفتور العلاقات فيما بينها واختلاف وجهات نظرها بشأن ملفات إقليمية أخرى انعكاسه على الأزمة اليمنية، فتحولت اليمن إلى ساحة سباق نفوذ وصراع مصالح، لا يراعي حقوق الجوار، ولا الأعراف الدبلوماسية، ولا يولي مصلحة الشعب اليمني أي اهتمام، وتحولت اليمن إلى ساحة للاشتباك الخليجي-الخليجي، بدلا من توحيد الجهود ضد مليشيا الحوثيين وإيران كمصدر خطر يهدد الجميع.

تقارير

بين الواقعية واحتمالات التصعيد.. تصريحات حوثية وهجمات إسرائيلية

جاء إعلان الحوثيين 'فرض حصار جوي شامل على جميع المطارات الإسرائيلية' إشارة إلى رفع مستوى التصعيد الإقليمي في المنطقة، فإسرائيل قالت بوضوح إنها لن تصمت وسترد بقوة على الحوثيين وداعميهم الإيرانيين في الزمان والمكان المناسبين.

تقارير

عدن بلا كهرباء والانتقالي ينفق نصف مليون دولار لتلميع صورته في واشنطن!

في وقت تتساقط فيه العملة الوطنية كأوراق الخريف، ويعيش المواطن في عدن والمحافظات الأخرى بين الظلام والخدمات المتدهورة، يظهر عيدروس الزبيدي -رئيس المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات- ليطلق بعثات للانتقالي في واشنطن، ويَعد بفتح أخريات في عواصم العالم.

تقارير

هل تتحول اليمن رسميا إلى ساحة حرب دولية بين إيران والغرب؟

تبنّت مليشيا الحوثي، عملية عسكرية بصاروخ باليستي 'فرط صوتي'، استهدف مطار 'بن غوريون'، في تل أبيب، بفلسطين المحتلة، فشلت منظومات الدفاع الإسرائيلية في التصدي له، مؤكدة استمرارها بالهجمات مهما كانت التداعيات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.