تقارير

طول أمد حرب اليمن.. هل يستنزف التحالف السعودي الإماراتي نفسه؟

07/10/2021, 11:15:00

قناة بلقيس - عبد السلام قائد

من خلال تتبع مسار الحرب في اليمن، منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015، وطريقة التحالف في إدارة المعركة ضد الحوثيين وإدارة الأزمة اليمنية عموما، بما في ذلك الانقسامات والخلافات بين الأطراف الأخرى المناهضة للحوثيين، تتضح كثير من الأمور، خصوصا ما يتعلق بتعمد التحالف السعودي الإماراتي إطالة أمد الحرب بهدف استنزاف الجميع باستثناء أطراف محددة، ولم يعد لتدخل التحالف أي علاقة بمسألة إعادة السلطة الشرعية القائمة إلى العاصمة صنعاء والقضاء على الانقلاب الحوثي، وإنما هناك سيناريو آخر يتم رسمه، وسيطول أمد الحرب حتى تتهيأ الظروف لتمريره، ما لم تحدث تطورات مفاجئة تُربك الجميع وتُفشل كل السيناريوهات التي يُراد إيصال البلاد إليها.

- لماذا توقفت المعارك في جبهات محددة؟

من المؤكد أن طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للمعركة في اليمن ليست عشوائية، وإنما تتم وفقا لما هو مخطط لها بما يضمن النتيجة التي تريدها الدولتان في البلاد أو تسعيان إلى تحقيقها، وأي تغيّرات تحصل في مسار المعركة فإنها تتم وفقا لتغيّر المعطيات وتغيّر موازين القوى على الأرض، وبالتالي، فإذا كانت الدولتان جادتين في إنهاء الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن وإعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، فإن ذلك سيكون قد حُسِم في الأشهر الأولى من الحرب.

لكن ما حدث هو أن تقاطع الحسابات والأجندة لم يؤثر على سير المعركة ضد الحوثيين فقط، وإنما جعلها تمضي لصالحهم، وبنفس الوقت عزز الانقسامات بين الأطراف الأخرى التي يفترض توحيد صفوفها لمواجهة الحوثيين كخطر وجودي يهدد الجميع ويلغي كل المكتسبات والمنجزات الوطنية التي تحققت منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 وحتى اليوم.

ونظرا لأنه في بداية الحرب كان ميزان القوة العسكرية في البلاد يميل كثيرا لصالح مليشيا الحوثي وحليفها آنذاك الرئيس السابق علي عبد الله صالح، إلا أن الأرضية لم تكن حينها مهيأة لتمرر السعودية والإمارات أجندتهما لتخريب وتمزيق اليمن بالطريقة التي صارت عليها البلاد اليوم، لذلك فقد كانت المعارك في البداية عنيفة، وتحققت خلالها مكاسب ميدانية كبيرة ومتسارعة لصالح السلطة الشرعية وحلفائها، خصوصا بعد أن بدأت قوات التحالف بعملية برية في العاصمة المؤقتة عدن، في 14 يوليو 2015، أطلق عليها اسم عملية "السهم الذهبي".

شارك في تلك العملية جنود يمنيون وسعوديون وإماراتيون، ودخلت تلك القوات عن طريق البحر مدعومة بمئات العربات المدرعة، وتمكنت من تحرير مدينة عدن، بدعم من الطيران الحربي للتحالف، ثم شنت هجوما مكثفا على أهم قاعدتين عسكريتين للحوثيين وعلي صالح في شبوة ولحج، واقتحمت قاعدة العند في لحج بعد حصارها، واستطاعت تلك القوات تحرير مدينة عدن وأجزاء واسعة من محافظات لحج والضالع وشبوة وأبين، لكن تلك المعارك توقفت  في حدود محافظتي تعز والبيضاء، أي بالقرب من الحدود الشطرية قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990.

وفي الأجزاء الشمالية من البلاد، ورغم التحشيد العسكري الواسع، وتعزيز قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في محافظة مأرب بآليات عسكرية ومدافع ومدرعات وأسلحة ثقيلة أدخلت عبر منفذ الوديعة، إلا أن التحالف لم يشارك في المعارك هناك كمشاركته في عملية "السهم الذهبي" في عدن والمحافظات المجاورة لها، بل فقد وُجهت اتهامات للتحالف بأنه منع قوات الجيش الوطني من التقدم نحو العاصمة صنعاء، بعد تقدمها في منطقة فرضة نهم وسيطرتها على اللواء 312 مدرع بالقرب من أمانة العاصمة في فبراير 2016.

أُعلِنت بعد ذلك هدنة في 10 أبريل 2016، تمهيدا لمفاوضات الكويت، لكن تلك المفاوضات فشلت، واستمرت المواجهات المتقطعة في فرضة نهم التابعة لمحافظة صنعاء. وفي أوائل أكتوبر 2016، دخلت محافظة صعدة على خط المواجهات البرية لأول مرة، عندما تقدمت قوات الجيش الوطني من منفذ البقع الحدودي مع السعودية، وسيطرت على مديرية كتاف في شمال المحافظة التي تعد المعقل الرئيسي للحوثيين.

وخلال العام 2017، كان أبرز ما تحقق فيه هو سيطرة القوات الحكومية على مدينة المخا، في فبراير من نفس العام، وبدأت التحضيرات لمعركة تحرير الحديدة، واندلعت تلك المعركة في 13 يونيو 2018، لكنها توقفت بعد نحو تسعة أيام، حققت خلالها القوات الحكومية تقدما كبيرا في جنوبي المدينة واقتربت من ميناء المدينة ومطارها، ثم اندلعت المرحلة الثانية من المعركة في سبتمبر 2018، واستمرت لمدة أسبوع فقط، واندلعت المرحلة الثالثة منها في 1 نوفمبر 2018 واستمرت لمدة 13 يوما، وتوقفت بعد ذلك تماما بناء على اتفاق ستوكهولم، وهو الاتفاق الوحيد الذي وقعت عليه مليشيا الحوثي بعد تعمدها إفشال جميع جولات التفاوض السابقة.

 

لكن اتفاق ستوكهولم ظل يتعرض للخروقات الحوثية منذ توقيعه وحتى اليوم، ودخلت منذ ذلك الحين الأزمة في البلاد مسلكا آخر، بدأت تتكشف معه أجندة التحالف السعودي الإماراتي في اليمن، وبدا أن معركة الحديدة كانت بهدف اختبار مدى قوة مليشيا الحوثي وقدرتها على المواجهة، وماذا كان الوضع يستلزم مواصلة الحرب ضدها أم أنه قد تم تسوية الملعب ليصل جميع الأطراف إلى حالة التوازن وعدم قدرة طرف الانتصار على الطرف الآخر، كون حرب الاستنزاف للجميع تقتضي جعلهم في حالة قوة متوازية لا تنهي حربا ولا تمنح نصرا لأي طرف من أطرافها.

- المسار الطويل والصعب إلى مأرب

توقفت المعارك الجادة التي أرادها التحالف السعودي الإماراتي ضد مليشيا الحوثي مع نهاية العام 2018، وذلك بعد أن سيطر التحالف على المجال الحيوي لليمن بدءا من الساحل الغربي للبلاد مرورا بمضيق باب المندب وميناء عدن وانتهاء بمحافظتي المهرة وأرخبيل سقطرى، وتشكيله مليشيات ذات انتماءات مناطقية وعائلية تدين له بالولاء وأغدق عليها بالمال والسلاح، وبقي تواجد السلطة الشرعية في المحافظات التي لم يتمكن التحالف من السيطرة عليها من خلال تشكيل مليشيا خارجة على سلطة الدولة، وباتت تلك المحافظات تمثل مركز الثقل للسلطة الشرعية، وفي مقدمتها محافظة مأرب، ثم محافظتي تعز وشبوة، وتعرض الجيش الوطني في هذه المحافظات لخذلان وإضعاف متعمد من قِبَل التحالف، من خلال إيقاف الرواتب والتغذية والتسليح ومنع السلطة الشرعية من استثمار موارد البلاد وشراء أسلحة تمكنها من التسريع في حسم المعركة.

وخلال العام التالي، 2019، توقفت غارات الطيران الحربي للتحالف على مواقع الحوثيين تماما، كما شهدت مختلف جبهات الحرب في الداخل وفي الحدود اليمنية السعودية جمودا لافتا، واستغل الحوثيون ذلك الجمود وتوقُّف غارات التحالف على مواقعهم في استقطاب عدد كبير من المقاتلين في صفوفهم وتدريبهم على بعض الأسلحة وتلقينهم دورات طائفية تشجع على القتل والعنف والإرهاب، وبدا أن ذلك كان بتخطيط من التحالف ذاته، للتحضير لجولة جديدة من حرب الاستنزاف للجميع، بعد إيصالهم إلى حالة من التوازن التي لا تمنح نصرا لأي طرف، ولا تضمن له تحقيق أي مكاسب.

 

بدأت مليشيا الحوثي في العام التالي، 2020، بمحاولة التوسع والتقدم نحو مأرب للسيطرة عليها وعلى منابع الثروات الطبيعية هناك، وكانت البداية من سيطرتها على بعض المواقع في الجبهات المهمشة والمحاصرة من قبل التحالف من خلال إيقاف الرواتب والتسليح والتغذية عن الوحدات العسكرية المرابطة فيها، مثل جبهة نهم بصنعاء وجبهة الجوف، وتزامنت أبرز محاولة للحوثيين للتقدم نحو مأرب مع شهر سبتمبر 2020، بغية صناعة حدث جديد تزامنا مع ذكرى انقلاب المليشيا ودخولها العاصمة صنعاء، وتشويشا على ذكرى ثورة 26 سبتمبر 1962 التي أطاحت بنظام الحكم الإمامي الفاسد والمستبد، وتعد أقوى مناسبة تدين الحوثيين تاريخيا وتؤرق مضاجعهم، كونها تسهم في إعادة توجيه مسار المزاج الشعبي في مناطق سيطرة المليشيا إلى وجهته الصحيحة، وتجديد تذكير الشعب بحكم الإمامة المستبد الذي تمثل مليشيا الحوثي امتدادا له.

لكن تلك المحاولة فشلت، وعاودت المليشيا محاولتها مرة أخرى للسيطرة على مأرب في فبراير الماضي وبحشود أكثر كثافة، لكنها فشلت في تحقيق أي تقدم يذكر نحو المدينة ومواقع الثروات فيها، رغم شراسة المعارك الدائرة هناك منذ ثمانية أشهر، تكبدت خلالها المليشيات عددا كبيرا من القتلى والخسائر في العتاد العسكري، وسط محاولات لتحقيق تقدم أو اختراق ميداني في جبهات أخرى ينعش معنويات مقاتليها في أسوار محافظة مأرب، ولكن دون فائدة، خصوصا مع كثافة مشاهد الجنازات العائدة يوميا من جبهات مأرب إلى مناطق سيطرة المليشيا.

- حرب استنزاف.. ماذا بعد؟

يتبين مما سبق حول سير المعارك في اليمن، منذ بدء عملية "السهم الذهبي" في العاصمة المؤقتة عدن وحتى معركة مأرب الأخيرة، أن طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للحرب ركزت في بدايتها على إضعاف الإمكانيات العسكرية للحوثيين وتدمير مخازن الأسلحة التي سلمها لهم حليفهم السابق علي عبد الله صالح، وبعد أن كشفت معركتا المخا والحديدة أن قدرة الحوثيين على المواجهات والصمود خفت كثيرا قياسا بصمودهم أثناء معارك تحرير عدن وتعز ولحج وشبوة والضالع وغيرها، اتخذت الحرب مسارا آخر يتمثل في جعلها حرب استنزاف للحوثيين والسلطة الشرعية وحلفائها على حد سواء.

وفي نفس الوقت، شكّل التحالف مليشيا خارجة على السلطة الشرعية ودعمها بالمال وأمدها بأسلحة حديثة ونوعية، مثل مليشيا طارق صالح في الساحل الغربي للبلاد، ومليشيا ما يسمى المجلس الانتقالي في جنوبي البلاد، وحرص على عدم جرها إلى الحرب لأجل مهام مؤجلة، أي أن تحسم هذه المليشيا المعركة في نهاية المطاف لصالحها، بعد إنهاك السلطة الشرعية وحلفائها ومليشيا الحوثي في حرب استنزاف لا يحقق فيها طرف النصر على الطرف الآخر، رغم أن مليشيا طارق صالح ومليشيا المجلس الانتقالي ليست مؤهلة لأداء مثل هكذا دور ولا تحظى بالقبول الشعبي الذي يمنحها شرعية الحكم، ولا يمكن أن تصل الحرب في البلاد إلى مرحلة يقتتل فيها آخر جندي في الجيش الوطني مع آخر مسلح حوثي، لترث السلطة مليشيا التحالف في غرب البلاد وجنوبها، مهما طالت حرب الاستنزاف التي يديرها التحالف.

 

تُعرّف حرب الاستنزاف (War of Attrition)، وفق كتاب "موسوعة أنواع الحروب"، بأنها حرب يتخذ فيها الصراع شكل اشتباكات جزئية ومستمرة، بحيث تؤدي إلى استنزاف موارد الخصم المادية والمعنوية، وإيقاع خسائر محدودة، تمهيدا لتوجيه ضربة حاسمة حين يتحول ميزان القوى لصالح الطرف الذي يتبع هذا الأسلوب، أو لدفع الخصم لعدم مواصلة الصراع لشعوره بجسامة الثمن المادي والمعنوي الذي يتحمله بالقياس لحجم المكسب السياسي الذي كان يستهدفه. 

وأهم شروط حرب الاستنزاف هي:

أ- أن تكون قوات الطرفين بموقف لا يساعد أيًّا منهما -أو كليهما- على القيام بمناورة.

ب- وجود ما يمنع الطرف المتفوق من الاستمرار بعملياته العسكرية وفرض إرادته، إما بسبب كبر مساحة العمليات، أو بسبب ازدياد قيود سياسية دولية.

ج- عندما يكون الطرف الأضعف متفوقا من الناحية المعنوية على الطرف الأقوى ماديا والأضعف معنويا.

ينطبق التعريف السابق لحرب الاستنزاف تماما على طريقة إدارة التحالف السعودي الإماراتي للحرب في اليمن، بهدف إضعاف كل من السلطة الشرعية وحلفائها من جنب ومليشيا الحوثي من جانب آخر، وتسوية مسرح الصراع وتهيئته بما يمكن مليشيا طارق صالح ومليشيا المجلس الانتقالي من توجيه الضربة الحاسمة وحكم البلاد بأي طريقة يريدها التحالف، سواء الانفصال أو الفيدرالية من إقليمين، فالأهم هو أن من سيحكم البلاد يجب أن يخضع لإملاءات الرياض وأبوظبي.

لكن هل بإمكان التحالف ومليشياته في الداخل تحقيق هذا الهدف؟ يدرك التحالف أن حرب الاستنزاف ستكلفه تبديد الكثير من القوة والمال من أجل الحصول على نتائج متواضعة وبعيدة جدا عن الهدف النهائي الذي يطمح لتحقيقه، وهو ما أكده قبل عقود الخبير العسكري البارز كلاوزفيتز بقوله: "إذا شئنا الاستمرار في الصراع مدة أطول من العدو، كان علينا الاكتفاء بنتائج متواضعة نسبيا، لأن طبيعة الأشياء تتطلب ممن يطلب هدفا كبيرا أن يبدد قوى تفوق ما يبدده طالب الهدف الصغير"، ويعني ذلك أن التحالف السعودي الإماراتي يستنزف نفسه في اليمن أكثر مما يستنزف الأطراف التي يسعى لإضعافها، دون أن ينجح في تحقيق الأهداف التي يسعى لها، كون الإرادة الشعبية هي من ستحسم الأمر في نهاية المطاف.

تقارير

بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار.. الأضاحي خارج متناول الفقراء في اليمن

وقف أحمد عبدالرحمن، رب أسرة مكونة من سبعة أفراد، أمام أحد أسواق المواشي في مدينة تعز، يحدق في قطيع الأغنام بحسرة. يقول: “بحثت في كل مكان عن أضحية تناسب وضعي، لكن أسعارها وصلت لأرقام لا أستطيع حتى تخيلها. معي 250 ألف ريال فقط، وأرخص خروف وجدته كان بـ400 ألف!”

تقارير

أزمة مالية عاصفة وغضب شعبي متصاعد.. هل يستقيل رئيس الحكومة الجديد قبل عودته إلى اليمن؟

يرفض رئيس الحكومة اليمنية الجديد، سالم بن بريك، العودة إلى البلاد منذ أن تمّ تعيينه في هذا الموقع مطلع شهر مايو/أيار، ويربط هذه العودة بالحصول على دعمٍ عاجلٍ من السعودية والإمارات لمواجهة العجز في صرف رواتب الموظفين وتوفير الوقود لمحطّات الكهرباء، ووقف انهيار العملة الوطنية، لكن ذلك لا يبدو أنه سيحدث قريبًا.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.