عصابات بزي عسكري.. نهب واسع لأراضي المواطنين والدولة في المخا

يتواصل مسلسل نهب الأراضي التابعة للدولة والمواطنين في مديرية المخا غرب تعز، كما تمضي تلك الممارسات في هذه المنطقة الساحلية والخاضعة لسيطرة قوات طارق محمد عبد الله صالح بوتيرة مرتفعة ومثيرة للسخط الرسمي والمجتمعي معاً.

وتشهد المخا تفشياً ملحوظاً للعصابات المسلحة، التي تقوم بعملية نهب واسع للأراضي الخاصة والعامة، وذلك بتواطوء رسمي وضلوع موظفين في عدد من الدوائر والمكاتب الحكومية المعنية - بحسب روايات محلية وأخرى رسمية.
مواطنون شكوا، في أحاديث منفصلة لموقع "بلقيس"، عن تعرض أراضيهم الواقعة في أنحاء متفرقة من المخا للسطو والبناء عليها من قِبل مسلحين ونافذين لا يعرفون من يتبعون.

وتتخذ عملية النهب طابعا منظما وممنهجا طبقاً لمصادر محلية وأخرى صحفية، اتهمت شخصيات محسوبة على عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح بالاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي المواطنين، وتحويلها إلى ملك شخصي لطارق، أو مقرّبين منه.

وكشفت المصادر ذاتها عن تحركات قادتها، في وقت سابق، قيادات محلية وأمنية وقضائية للاستيلاء على أراضي المواطنين في المنطقة الواقعة بين مدينة المخا ويختل، وذلك بدعم من قيادات عسكرية كبيرة ومقربة من طارق صالح، وأذرع تابعة له، يتحفظ موقع "بلقيس" عن ذكر أسمائهم.
وتصاعدت، منذ مطلع العام الماضي، وتيرة نهب الأراضي الخاصة في المخا، خصوصاً مع انتعاش نشاط الاتجار بها، وارتفاع أسعارها، وتزايد الإقبال على شرائها من قِبل مواطنين وتجار أراضي، ما فتح شهية بعض هوامير النهب.

- نهب واسع

وحظيت باهتمام وتداول ملحوظ، إذ تداول ناشطون وإعلاميون ووسائل إعلام، في مارس من العام 2021، خبر قيام مسؤولين محليين في المخا بتأجير عدة كيلو مترات من أراضي تابعة لمواطنين على مستثمرين، تحت مسمى أراضي الدولة، وذريعة إقامة مشروع استراتيجي وتنموي.

وتمتد تلك الأراضي، التي يدّعي المواطنون ملكيتها وامتلاكهم صكوكا وأحكاما تثبت ذلك، من المحطة البخارية شمال مدينة المخا وحتى قرية يختل شمالاً، ومن شط البحر غرباً إلى الخط الاسفلتي شرقاً.
وتشهد مديريات ساحل تعز، منذ سيطرة قوات طارق صالح عليها، عمليات بسط ونهب لمساحات شاسعة من أراضي المواطنين، وذلك باستخدام قوة السلاح والترهيب والاعتقال، وغيرها من الأساليب الالتفافية، واستغلال الناهبين سلطاتهم ونفوذهم المحلي للسطو على الأراضي، واستخراج وثائق رسمية مزوّرة.

من جانب آخر، لم تكن أراضي وعقارات الدولة في المخا والشريط الساحلي بمنأى عما يحدث، إذ تعرضت، خلال السنوات الأخيرة، لهجمة شرسة ونهب واسع طال مئات آلاف المترات، ولم يستثنِ أراضي ميناء المخا التاريخي والمواقع الأثرية، وذلك وفقاً لتقارير ومصادر رسمية مسؤولة.

يقول مدير فرع الهيئة العامة للأراضي والمساحات والتخطيط العمراني في محافظة تعز، عبد الرحمن حاشد البريهي، لموقع "بلقيس": "تتعرض مساحات شاسعة من أراضي الدولة في المخا للسطو والنهب من قِبل نافذين، استغلوا الوضع الراهن، وغياب التعاون بين فرع الهيئة في المحافظة والسلطات المحلية في المخا".

وترجع مصادر رسمية ومهتمون، في أحاديث متفرقة لموقع "بلقيس"، انتعاش ظاهرة نهب الأراضي في المخا إلى ضعف أداء السلطات المحلية وفروع المكاتب الحكومية والأجهزة الأمنية فيها، وعدم قيامها بدورها اللازم، وعمل مخططات وضبط المعتدين وإحالتهم إلى الجهات القانونية.

- تواطؤ

ولفتت إلى أن الفساد الحاصل في فروع مكتب الأشغال العامة والسجل العقاري والهيئة العامة للأراضي ومكاتب السلطة المحلية الأخرى، فضلاً عن غياب التنسيق بين الجهات المختصة وضلوع موظفين حكوميين فيها بعمليات النهب الحاصلة، قد وفّر البيئة المناسبة لتفشيها.

مسؤول محلي رفيع في مديرية المخا اعترف ضمنياً، لموقع "بلقيس"، بتنامي ظاهرة نهب أراضي المواطنين والدولة بشكل كبير، وشدد -دون أن يدلي باسمه- على تفعيل فروع المكاتب التنفيذية ومحاسبة الفاسدين فيها، ورفع وتيرة التنسيق بين الجهات المعنية، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية الأراضي والممتلكات العامة.

أفزع ذلك السلطات المحلية في مركز المحافظة، التي قرعت، في أواخر ديسمبر الماضي، أجراس الخطر، وعقدت اجتماعا موسعا ترأسه محافظ تعز نبيل شمسان، وحضره عدد من المسؤولين المحليين، الذين ناقشوا أداء  فروع المكاتب التنفيذية والوضع الحاصل في المخا، وبحثوا عن آلية لتداركه، وإنقاذ الممتلكات العامة من النهب.

ووجّه شمسان بتثبيت الأمن، وإحالة المعتدين على أراضي وعقارات الدولة للقضاء، وشدد على إيقاف الاعتداءات والسطو عليها، ورفع قائمة بالمعتدين، وضرورة العمل بالإجراءات القانونية المتعلقة بالتراخيص والسجل العقاري، وعدم منح أي تراخيص مخالفة للبناء عليها، ما لم ستتحمل فروع المكاتب المختصة المسؤولية الكاملة.

كما وجّه بإنشاء إدارة موحّدة للسجل العقاري في المخا، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد الموظفين المتورّطين بمنح تراخيص مخالفة، وإحالة 10 منهم إلى نيابة الأموال العامة لثبوت تواطؤهم وتورطهم في جرائم النهب والسطو والتفريط بأراضي وعقارات الدولة.
في وقت لاحق، أقرّت قيادة السلطة المحلية في المحافظة بوجود نهب كبير لأراضي وعقارات الدولة في المخا، وغيرها من مديريات الساحل، وقدرت المساحات المنهوبة بملايين المترات، كما دعت العميد طارق صالح إلى التعاون معها لوقف ذلك.

- قيادات عسكرية وأمنية

بدوره، أكد فرع الهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني في تعز تعرض مساحات واسعة من أراضي وعقارات الدولة في المخا والشريط الساحلي للنهب والسطو والبسط، وذلك من قِبل 115 نافذا، بينهم شركات وقيادات مدنية وأمنية وعسكرية.

ووثقت الهيئة في تقرير لها، حصل موقع "بلقيس" على نسخة منه، 119 عملية نهب، توزّعت على قرابة 50 موقعاً، كما رصدت وبشكل مفصل المساحات المنهوبة، واسم الشخص أو الجهة التي قامت بنهبها.
وكشف التقرير عن ضلوع أفراد ومجاميع في عدد من الألوية والوحدات العسكرية التي يقودها طارق صالح في عمليات النهب، فضلاً عن كيانات تابعة له بينها شركتا الفيصل والقلزم المشغلتان لمحطة كهرباء المخا التابعة لطارق.