تقارير

في ظل غياب الأدوية وارتفاع أسعارها.. مخاطر جمّة تهدد أصحاب الأمراض المُزمنة في اليمن

11/08/2024, 11:54:16
المصدر : قناة بلقيس - خاص

في قلب اليمن الجريح، تتلاشى أحلام أصحاب الأمراض المزمنة بين أوجاع الحرب وظلال الفقر. بعد عقد من النزاع المرير، يعاني الآلاف من أجل الحصول على الأدوية المنقذة للحياة، حيث تحوّلت أسعارها إلى كابوس لا يُطاق. 

في محافظة مأرب، يغرق النازحون في دوّامة من المُعاناة، بينما يتهاوى القطاع الصِّحي المُنهار أمام أعينهم.

يتنقّل علي محسن مانع (40 عاما) داخل مكتب وزارة الصِّحة في محافظة مأرب (شرق اليمن)؛ بحثا عن أدوية لمَرضَاه، بعد أن تردد على المكتب، الذي اعتاد المرضى المزمنين على تلقي أدويتهم من خلاله.

يقول مانع إنه نقل مرضاه المصابين بأمراض مُزمنة قبل ثماني سنوات، ونزح من محافظة إب (جنوب غرب اليمن) إلى محافظة مأرب (شرق اليمن)؛ بحثا عن لقمة عيش وحياة مستقرة؛ بعيدا عن تعريض حياته وأسرته للمخاطر؛ لتستقر به الحال في مخيم "الحدباء" للنازحين المترامي الأطراف (شرق مأرب).

وأضاف مانع والحزن والانهزام يملآن كلماته وصوته: "زوجتي تعاني من الصرع، منذ حوالي 12 عاما، وزوجة ابني مصابة بجلطة مزمنة، منذ حوالي تسع سنوات، وهما يحتاجان للأدوية بشكل دائم ومدى الحياة، وأنا نازح ليس لي القدرة على دفع تكاليف الأدوية من الأسواق؛ كونها مرتفعة، خاصة أدوية الصرع".

- العودة دون دواء

يبحث مانع عن الأدوية، كل شهر، في المراكز الحكومية، ولم يجدها غالبا، وإن توفرت بعض الأدوية، في بعض الأشهر، فإنها تتطلب جهدا كبيرا، حيث إن مختص الأدوية في مكتب وزارة الصحة يطلب حضور المريض بنفسه لاستلام الأدوية المتوفرة، كما أنه يطلب توفير وصفة طبية؛ في كل مرّة يطالب فيه "مانع" بالأدوية.

وأشار مانع إلى أن الطبيب لا يكتب الوصفة الطبية إلا بمقابل من المال، وهو ما يؤرِّق ذوي الأمراض المزمنة.

ويشكو مانع من أن الحرب زادت معاناة المرضى، وعملت على غياب الأدوية الخاصة من المقار الحكومية، فيما رفعت أسعارها في الأسواق، كما أنها مؤخرا (أي الحرب) عملت على اختفاء الأدوية من الأسواق، ومن المراكز الحكومية في أغلب الأحيان، وإذا توفرت فهي أدوية مهرَّبة وغير آمنة وليست مضمونة، حسب وصفه.

ولفت إلى أن الأدوية الخاصة بمرض الصرع أكثر تكلفة من أدوية مرض التجلُّط، وهي أكثر ندرة في الأسواق والمراكز الحكومية.

وبيّن أن أدوية الصرع قد تصل أسعارها إلى مائة ألف ريال للجرعة، التي تستمر شهرين،  وهي لازمة واستمرار تناولها مدى الحياة ضروريا.

- بالحبَّة وبأسعار مرتفعة

دفع غياب الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة التجار والصيادلة إلى بيع الأدوية -المتوفِّرة بكميات قليلة- بالحبَّة فقط؛ لندرتها، فيما ترتفع أسعارها إلى مستويات كبيرة لا يمكن لأي أحد شراؤها؛ غير الميسورين من الناس فقط، فيما الفقراء يكتفون بما لديهم من أدوية أخرى، أو البقاء دون أدوية، مما يسبب لهم "الدوخة" والصرع مع مضاعفاته، يقول مانع.

وفي مناشدته، قال مانع -وهو أب لثمانية أبناء-: "نرجو من الجهات المختصة والمنظمات الدولية أن تنظر بعين الرحمة إلى النازحين ذوي الأمراض المزمنة، نحن دون أعمال، ولا دخل، ولا رواتب، وبالكاد نوفِّر الغذاء لأسرنا، ولكننا ابتلينا بأمراض مُزمنة أيضا، ونواجه تحدِّيات كبيرة في مساعدة مرضانا في مواجهة أمراضهم المُزمنة إن توفَّرت لنا الأدوية  بقدر الإمكان".

-غير متوفّرة

يقول بسام الجبلي -مدير التموين والصيدلة في مكتب وزارة الصحة اليمنية الخاص بشبوة وحضرموت ومأرب- إن هذه المحافظات تعاني من نقص في أدوية الأمراض المزمنة بشكل عام، وخاصة أدوية الأمراض النفسية والعصبية والصرع، وكذا أدوية زارعي الكلى، وأدوية السكر والضغط والقلب.

وأوضح المسؤول الحكومي أن معظم الأدوية، التي يتسلمها مكتبه في المحافظات الثلاث، الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، التي توفِّرها بعض المنظّمات أو وزارة الصحة في العاصمة المؤقتة (عدن)، تتوفّر بكميات قليلة لا تتناسب مع عدد المرضى وطالبي الأدوية المسجّلين في كشوفات المكاتب الصحية الحكومية.

وتابع: "في محافظة مأرب وحدها، سجلت في كشوفات طالبي أدوية مرض السكر المزمن أكثر من 2300 مريض ومحتاج لحُقن الإنسولين والأدوية الأخرى، التي يصل عددها إلى 14 صنفا".

وأوضح أن "ما تتسلّمه مأرب حقنة واحدة -مثلا- لكل مريض فقط في الشهر؛ بسبب عدم قدرة المكتب الحكومي على توفير الدواء طوال الشهر، وقد يحتاج المريض إلى ثلاث حقن في الشهر الواحد".

- من الأسواق

يقول الجبلي إنهم يواجهون مشاكل كثيرة مع المرضى؛ بسبب عدم صرف وتوفير ما يحتاجونه من أدوية، مما قد يضطر المرضى إلى البحث عن الأنسولين في الأسواق التجارية، حيث إن حقن الأنسولين.

وأوضح: "معظم الأوقات لا تتوفّر حُقن الإنسولين في الأسواق؛ لأن توفيرها -في الأصل- من جانب الحكومة فقط".

وفيما يخص أدوية الصرع، التي يصل عددها إلى 17 صنفا، يقول الجبلي إن آخر مرة استطاعت المكاتب الحكومية توفيرها قبل عامين، حيث تسلمت المكاتب، في مأرب وشبوة وحضرموت، من جهة مانحة (لم يسمها) 17 صنفا من أدوية الصَّرع.

وأوضح أن "الصَّرف للمرضى استمر حتى منتصف العام الماضي (2023م)، ومن حينها حتى اليوم لم يتوفّر أي صنف من أدوية الصرّع في المكاتب الحكومية".

- أعداد متزايدة

ورغم عدم توفّر أدوية الصَّرع والأمراض النّفسية، يقول الجبلي إن "عدد المسجلين في كشوفات مكتب الصحة بمحافظة مأرب حوالي 600 مريض"، مشيرا إلى أن "هناك الكثير من المرضى غير مسجلين في كشوفات المكتب"، حسب وصفه.

وأضاف: "المكاتب الحكومية تعتذر عن توفّر أدوية الصَّرع، فيما يتحول ذوو المرضى إلى شرائها من الأسواق بأسعار باهظة، والملاحظ أن أغلب الأدوية المعروفة والرسمية غير متوفِّرة في الأسواق، فيما يتوفّر بعض الأدوية المشابهة والمهرّبة وغير الرّسمية فيها".

 وأوضح أن "أسعار تلك الأدوية المهرّبة مرتفعة جدا، ولا يقدر على شرائها إلا النادر من ذوي مرضى الصَّرع".

- غياب الدور الإغاثي

يقول الجبلي إن "سبب غياب الأدوية هو عدم توفّرها لدى وزارة الصحة، فيما تخلّت المنظمات الدولية الصحية عن واجبها ودورها الإنساني في هذا الجانب".

وأضاف: "في العام الماضي، لم نتسلَّم أي دعم دوائي من قِبل أي منظّمة دولية صحية بما فيها منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر، عدا ما وفّرته وزارة الصحة لمرَّة واحدة عن طريق مركز الملك سلمان للإغاثة".

وأوضح أن الوزارة "وفَّرت 29 صنفا من أدوية أمراض الضغط وبعض أدوية أمراض السكر، يتم الصّرف منها حتى الآن  وهي على وشك النّفاد، دون وجود بديل".

وتابع: "ما باليد حيلة، سنضطر نعتذر للمرضى بعد نفادها مع الأسف الشديد".

أما أدوية الأمراض المزمنة الأخرى -مثل زارعي الكلى والألبومين- إذا انعدمت في المكاتب الحكومية فإن المريض لا يستطيع إيجادها في الأسواق، وإذا وجدت بأصناف مهربّة (وهي نادرة جداً) فإنها بأسعار خيالية قد تصل الجرعة الواحدة منها إلى 200 ألف ريال.

- معاناة 

يعاني الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة، خلال الحرب، من أجل البقاء في المستشفيات العامة في اليمن مع نقص الأدوية، ولا يستطيع معظمهم تحمّل تكاليف السفر إلى الخارج للحصول على العلاج المطلوب، وهذا بحسب تقرير لمنظمة "أطباء بلا حدود"، نُشر خلال أغسطس 2023م، ممّا يعرض ذلك الأشخاص الضعفاء بالفعل، مثل النازحين داخليًا والمهاجرين، لخطر أكبر.

وبحسب المنظّمة الدولية، غالبًا ما تمنع الطّرق المحاصرة والصعوبات المالية الناس من الوصول إلى الرعاية الصحية في الوقت المناسب. كما أن أزمة الوقود والتضخّم وارتفاع تكلفة النّقل، وسُوء الظروف المعيشية، تجعل من الصَّعب الحصول على الرّعاية، وخاصة للأسر الضعيفة. 

وقالت المنظمة إن الغالبية العظمى من اليمنيين ليس لديهم دخل منتظم، ويكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية. 

- انهيار النظام الصحي

انهار النظام الصحي في اليمن تقريبا وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، وبحسب التقرير، فإن 51% فقط من المرافق الصحية تعتبر عاملة بكامل طاقتها. 

وتفتقر معظم المرافق الصحية العاملة إلى الموظفين (قوة عاملة لا تتقاضى أجورها على الإطلاق، أو بشكل غير منتظم في كثير من الأحيان)، وتفتقر أيضا إلى المعدات، والإمدادات الطبية الأساسية، وخاصة في المناطق الريفية النائية ومخيمات النازحين.

تقارير

انتهاكات واختطافات في صنعاء وعدن.. نماذج ممنهجة لغياب الدولة

تواصل قبائل أبين اعتصامها في مدينة زنجبار - مركز المحافظة؛ للمطالبة بالكشف عن مصير المخفي قسرا المقدم علي عشال الجعدني، منذ منتصف يونيو الماضي، عقب اختطافه في عدن من قِبل قيادات وجنود في المجلس الانتقالي.

تقارير

إلى متى سيظل المجتمع صامتا ومستلبا أمام انتهاكات مليشيا الحوثي؟

في المحاكم التابعة لمليشيا الحوثي قانون غير معلن ولا مكتوب، لكنه أكثر تأثيرا من كل القوانين والشرائع المكتوبة، هذا القانون هو أداة مليشيا الحوثي للسيطرة على المجتمع والتنكيل به، وأن الولاء للمليشيا هو مفتاح البراءة ومعيارها الوحيد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.