تقارير
كيف حولت مليشيا الحوثي التعليم إلى أداة للتعبئة الفكرية والقتالية؟
في ظل الأزمة الإنسانية والسياسية المستمرة في اليمن جراء الحرب الدائرة منذ 11 عاما، يواجه الأطفال تهديدًا لا يقل خطورة عن قصف الطائرات أو نقص الغذاء.
فبشكل تدريجي، يجري تحويل المؤسسات التعليمية في المناطق الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي إلى ثكنات لنشر الأيديولوجية الطائفية وتجنيد الأطفال، مما يهدد بمحو مستقبل جيل كامل وتأجيج الصراع لسنوات قادمة.
غسيل دماغ منظم
تعتبر المناهج الدراسية أولى ضحايا هذا التحول، فوفقاً لتقارير متعددة من منظمات حقوق الإنسان وشهادات لمعلمين وأهالي، تم إدخال تعديلات جوهرية على المناهج الرسمية. لم يعد التاريخ يروي قصص الأمة اليمنية فحسب، بل صار يمجد "المسيرة القرآنية" ومؤسسها حسين الحوثي. والتربية الإسلامية، التي كانت تدعو إلى التسامح والاعتدال، باتت تركز على مفاهيم "الجهاد" و"الاستشهاد" وضرورة الولاء الأعمى لـ"قائد المسيرة".
ويتم التخلص من أي محتوى يتعارض مع أيديولوجية الجماعة. فكل ما يتعلق بالجمهورية، والديمقراطية، وحرية الرأي، يتم استبداله بمفاهيم "الولاية" و"الطاعة".
والنتيجة هي جيل يتعلم أن القوة هي السبيل الوحيد للحق، وأن المختلف هو العدو، ولا تهدف هذه التغييرات الممنهجة إلى تعليم الطلاب، بل إلى تشكيلهم فكريًا ليصبحوا مؤيدين مخلصين للمليشيا.
إضافة إلى التلاعب بالمناهج، تستخدم مليشيا الحوثي الإجازات الصيفية كفرصة لتعزيز نفوذها، حتى تحولت المراكز ، التي كانت في الماضي أماكن للترفيه والأنشطة الثقافية، إلى مراكز لتلقين الأطفال أفكارًا طائفية وعسكرية.
تشير التقارير إلى أن هذه المراكز تجذب آلاف الأطفال والشباب، حيث تُقدم لهم برامج تجمع بين المحاضرات الدينية والتدريبات العسكرية البسيطة، مثل حمل الأسلحة وتفكيكها وتركيبها، والتدرب على إطلاق النار.
يتم خلال هذه المراكز تأهيل الأطفال نفسيًا لتقبل فكرة القتال، ويُروّج لهم أنهم يدافعون عن الدين والأرض.
كما يتم استهداف الأطفال من الأسر الفقيرة بشكل خاص، حيث تُقدم لهم وعود بمكافآت مالية أو وجبات طعام، وهي حوافز لا يمكن لأسرهم رفضها في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.
تجنيد الأطفال
أكثر الجوانب خطورة في هذه الممارسات هي التجنيد المباشر للأطفال، فبينما يتم تكييف عقول الأطفال في المدارس والمراكز الصيفية، يجد بعضهم نفسه في النهاية في الصفوف الأمامية للجبهات.
وثّقت الأمم المتحدة ومنظمات دولية عديدة حالات تجنيد للأطفال في اليمن، وأكدت أن معظم هذه الحالات تحدث في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتعتبر الأمم المتحدة تجنيد الأطفال جريمة حرب، ورغم التحذيرات الدولية المتكررة، تستمر الجماعة في هذه الممارسة. فالمعلومات الواردة من الميدان تؤكد أن الأطفال يُستخدمون كحراس، أو مقاتلين، أو حتى دروع بشرية.
كما تُشير بعض التقارير إلى أن المليشيا تنظم زيارات لطلاب المدارس إلى جبهات القتال أو حتى المقابر لإشعارهم بالمسؤولية وربطهم بالصراع بشكل مباشر.
مستقبل مهدد
يشير مراقبون إلى ان تحويل المدارس إلى ساحات تعبئة فكرية وقتالية ليس مجرد انتهاك لحقوق الأطفال، بل هو جريمة بحق مستقبل اليمن. فالمجتمع الذي يفقد قدرته على تعليم أبنائه بشكل صحيح، مجتمع محكوم عليه بالجهل والتخلف.
ويفيدون بان هذا الجيل الذي يُلقّن أيديولوجيات الكراهية والعنف، هو جيل سيكبر معتقدًا أن الصراع هو الطريق الوحيد، مما يجعل عملية السلام والمصالحة في المستقبل أكثر صعوبة.
وفي حين يواجه اليمنيون أزمات متعددة، يظلّ تعليم أطفالهم وصون براءتهم هو التحدي الأهم. فدون تعليم حقيقي، لن يكون هناك مستقبل حقيقي لليمن.
ويحذِّر ناشطون حقوقيون من أن عسكرة التعليم واستغلال الطلاب في التعبئة الطائفية سيتركان آثاراً مدمرة على مستقبل اليمن؛ إذ يُخشى أن يتحول آلاف الأطفال إلى وقود للحرب بدلاً من أن يكونوا عماد التنمية والسلام.
كما نبهت منظمات محلية ودولية مراراً إلى أن استمرار هذه الممارسات سيؤدي إلى إطالة أمد النزاع اليمني، ويقوِّض أي جهود تبذلها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإرساء السلام.
ورغم الإدانات الحقوقية، لا تبدي المليشيا أي استعداد للتراجع؛ بل تمضي في تعزيز قبضتها على المدارس والجامعات، مستفيدة من غياب الضغوط الفعَّالة، وضعف الحضور الدولي في مناطق سيطرتها.
ويرى تربويون أن إنقاذ التعليم في اليمن يتطلب موقفاً دولياً حازماً، يربط أي دعم إنساني أو تمويلي بوقف استغلال المدارس لأغراض سياسية وعسكرية، حفاظاً على ما تبقى من جيل يمني مهدد بالضياع.