تقارير
مأرب.. صقيع الصحراء يزيد معاناة النازحين
مع الشمس صباحا، وعلى رحى الصحراء وتربتها الباردة، يرتص الأطفال النازحون وآباؤهم لتلقّي دفئ الشمس بعد ليلة شديدة البرودة، تحت خيام ركيكة، ودفاء ضحل لا يوائم برد الشتاء القارس في مخيمات صحراء شرق محافظة مأرب في عام عاشر من الشتات والتهجير والنزوح لأكثر من أربعة ملايين مواطن في شتات محافظات اليمن، منذ اندلاع الحرب بين جماعة الحوثي والحكومة المعترف بها دوليا، التي لا تزال نهايتها غامضة.
على تلة رملية صغيرة حفرت أقدامه الشاحبة مكانا يستقبل فيها الشمس عند شروقها كل صباح منذ أن حل الشتاء القارس على المنطقة الصحراوية، التي انتقلت إليها أسرته؛ هربا من رصاص الحرب؛ وبحثا عن الأمان، ونصبت خيمتهم الركيكة على أطراف مخيم واسع يضم آلاف النازحين شرق محافظة مأرب، التي تضم أكثر من 60% من إجمالي النازحين في اليمن.
يتحسس الستيني عامر السالمي تشققات أصابع يديه من البرد الشديد، الذي حل على مرقده، ودون دفء كافٍ من بطانيات أو فراش، يتناسب وسنه الكبير، حيث بات يتأثر بالبرد كما يتأثر الأطفال، وأصيب -خلال الليلتين الماضيتين- بنزلة برد شديدة.
- لا جهود لتخفيف العناء
معركة البقاء يعيشها النازحون اليمنيون مع دخول شتاء جديد، بمعاناة إضافية، وحراك منعدم الصدى لتوفير دفاء يقي الأجساد النحيلة صقيع الشتاء العاشر، وهم في شتات النزوح، وفي خيام لا تقي من البرد الشديد، ودفاء بسيط لا يكفي الأسر وأطفالها، في ظل تدخلات إنسانية ضعيفة، أو منعدمة حتى اليوم، في وقت لا تحتمل فيه أجساد الصغار تبعات النزوح، وزمهرير الشتاء المميت.
الحرب -كما هي طبيعتها- لا تفرّق بين صغير أو كبير؛ هكذا حال السالمي، الذي عمل طوال حياة شبابه جنديا في صفوف الجمهورية، متنقلا بين مدنها وسهولها، ليحل واقعه اليوم نازحا من منزله في مديرية جبل مراد جنوب مأرب، التي وقعت قبل ثلاث سنوات تحت سيطرة جماعة الحوثي، حيث نزح أهلها نحو صحراء شرق المحافظة؛ بحثا عن الأمان تاركين ذكرياتهم في زوايا منازلهم المنتشرة على قمم الجبال الشاهقة.
يقول السالمي، لموقع "بلقيس": "البرد شديد، ولا توجد بطانيات للدفاء"؛ موضحا -بلهجة بدوية وصوت خافت- أنه أصيب بنزلة برد طرحته على فراش المرض، إضافة إلى إصابته بالربو منذ عامين.
وأشار إلى أن "الشمس في المكان الذي يقعد فيه ليست حارة حتى في ساعات الظهيرة"، مبيّنا أنه يصحو باكرا لاستقبال أشعة الشمس؛ كي يخفف من البرد، الذي وصفه بأنه يصل إلى العظام من شدته، ويظل باردا طوال اليوم: "البرد كل يوم أشد من اليوم الذي سبقه".
ينتظر السالمي بفارغ الصبر انتهاء الحرب ليعود إلى منزله ومزرعته، ودفئ ذكرياته، يقول إنه لا يمكنه العودة إلى منطقته في ظل استمرار الحرب.
وأكد أن جماعة الحوثي أهانت كل إنسان، وجعلت من الناس المتبقين في مديريته عبيدا لها وجنودا تقودهم إلى حيث تريد دون هدف ولا سبب؛ حسب وصفه.
- غياب الاستعداد
"موسم الشتاء جاء محملا بالبرد الشديد، خاصة خلال ساعات منتصف الليل حتى الفجر"، تقول النازحة علياء سومان.
وأضافت: "الشتاء يُقبِل بالأمراض والمعاناة على النازحين في ظل غياب كامل لدور المنظمات والجهات المعنية بالنازحين، ودون أي استعدادات لتوفير احتياجات النازحين لمواجهة فصل الشتاء؛ من دفاء وملابس شتوية وأدوية للأمراض المصاحبة للموسم".
وأوضحت: "الفرد الواحد لا تكفيه بطانية واحدة، كما هو حاصل اليوم لدى معظم الأسر، وأن اثنتين إلى ثلاث بطانيات لكل فرد في الخيمة قد تكفي لحمايته من البرد، ولكن هذه الكميات من البطانيات ليست متوفرة لدى الأسر، ولا تستطيع الأسر النازحة توفيرها عن طريق شرائها من السوق، خاصة في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها الأسر النازحة"، حسب قولها.
تقول سومان، لموقع "بلقيس": "نسكن في خيمة رديئة، مقطعة ركيكة، يخترقها البرد والمطر والشمس، نفتقر للدفاء الجيد، نفتقر للأغذية الجيدة، نعيش في صحراء البرد فيها شديد، والحر فيها شديد، ولا تنبت فيها الأشجار لاستخدامها كحطب للدفء، ونستخدم الفحم للتدفئة في الخيام؛ رغم خطورة استخدامه داخل الخيمة القابلة للاشتعال".
- انتظار الشمس
وأشارت إلى أن النازحين "باتوا ينتظرون شروق الشمس عند كل صباح بفارغ الصبر، وباتت هي السبيل الوحيدة التي يستنجد بها النازحين؛ رغم إن تراب الصحراء يظل باردا حتى ساعات الظهر".
وأوضحت أن "الصحراء، التي يقع فيها المخيم، لا يتوفر فيها حتى الحطب، ويضطر الكثير لحرق الكراتين، وغيرها، أثناء الليل كوسيلة للتدفئة، رغم التحذيرات من أن النيران قد تتطاير على الخيام، وتحرقها".
وتحدثت سومان أن أطفالها الصغار يكونون عرضة لأمراض البرد، وكذلك المسنون الذين يتأثرون بالبرد من أول أيام فصل الشتاء: "الأطفال أصيبوا بالإسهالات، وإلى جوارنا في الخيمة يعيش مسنون يحملون أمراضا مزمنة؛ مثل الربو، كل يوم نقوم بإسعافهم إلى المستشفى".
وأكدت أن احتياجاتها -كنازحة- مثلها مثل بقية النازحين في المخيم، قائلة: "نحتاج إلى أغطية بلاستيكية للخيام، تقوّي من دورها في منع دخول البرد إلى الساكنين، وأدوات تدفئة، وملابس شتوية، وبطانيات بجودة عالية لتدفئ أجساد الأطفال، وكبار السن، والمرضى بشكل جيّد، كي يتمكنوا من اجتياز مرحلة موسم البرد، الذي يستمر لستة أشهر".
- "الناس للناس"
تقول سومان -وهي أم لستة أطفال في مخيم "السميا" للنازحين في صحراء شرق مأرب-: "لم نلمس أي تدخل حتى الآن من قِبل أي منظمة، أو جهة أخرى لمساعدة النازحين في توفير احتياجات الشتاء البارد".
وأضافت: "الظروف حكمت علينا بهذا الوضع، ما علينا إلا التعايش معه، رغم قساوته".
وبيّنت- بلهجتها البدوية البسيطة- ما وصل إليه حال النازحين-: "إذا شاف أحد الجيران عند جاره نقص في الدفاء، ومعه أطفال كثير، يعطي جاره بطانيات سُلفة قدر ما يستطيع، وبما لديه من فائض، حتى نهاية الشتاء ويعيدها لجارة"، قائلة: "الناس للناس".
تتعدد المعاناة، وتتعالى الأصوات لمساعدة النازحين، لكنها لا تلقى صدى من قِبل المنظمات الدولية المعنية بتوفير احتياجات النازحين، والالتزام بإيصال حقوقهم.
تبرر المنظمات غيابها بالنقص الحاد في التمويل الدولي لليمن، ونتيجة لذلك يُترك النازحون لمواجهة مصيرهم تحت ضربات الشمس ولسعات البرد لعام تاسع، وربما أعوام قادمة أشد وأقسى.