تقارير
مأساة زراعة الألغام في اليمن.. كارثة إنسانية تهدد حياة ومستقبل الملايين
يشهد اليمن منذ سنوات مأساة إنسانية تتفاقم مع استمرار الصراع، حيث أصبحت زراعة الألغام واحدة من أخطر التهديدات التي تواجه السكان المدنيين. تعد الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار قنابل موقوتة تهدد حياة الأبرياء، وتعوق عودة النازحين، وتحرم المجتمعات من الاستقرار والتنمية.
تشير تقارير حقوقية إلى أن اليمن أصبح واحدًا من أكثر الدول تلوثًا بالألغام في العالم. وفقًا لتقرير “المرصد اليمني لحقوق الإنسان”، تم زرع أكثر من 2 مليون لغم أرضي منذ بداية الصراع عام 2015، بما في ذلك ألغام مضادة للأفراد وأخرى مضادة للمركبات. وقد سجل المركز اليمني للتعامل مع الألغام وفاة وإصابة أكثر من 11,000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال، خلال الأعوام الأخيرة.
ماسي متداخلة
يروي علي، أحد سكان مديرية حيس بمحافظة الحديدة، كيف فقد ابنه البالغ من العمر 12 عامًا ساقه أثناء لعبه بالقرب من منزلهم. يقول علي: “لم نكن نعلم أن المنطقة مزروعة بالألغام. لقد قلب الحادث حياتنا رأسًا على عقب، ولم نعد نشعر بالأمان حتى داخل منازلنا.”
أما أم عبد الله، وهي أرملة من محافظة تعز، فتقول: “فقدت زوجي قبل عامين بسبب انفجار لغم أثناء عودته من المزرعة. ومنذ ذلك الحين، أعاني في إعالة أطفالي بمفردي.”
وفي نهاية يونيو الماضي، كان شكري وزوجته عائشة عائدان إلى منزلهما في مزرعة بقرية الزعفران بمديرية الدريهمي جنوب مدينة الحديدة، فانفجر لغم أرضي في الدراجة النارية التي يستقلانها، فلقيا حتفهما على الفور.
أما عبد الله فقد نجا من موت محقق وفي 17 مارس 2021، لكنه فقد ساقيه إثر انفجار لغم أرضي زرعته جماعة الحوثيين في قرية نجد المرقب بمنطقة الشقب في جبل صبر جنوب شرقي مدينة تعز.
يقول: "ذهبت إلى منزلي في نجد المرقب لأتفقده، وقصدت المزرعة كي أحصد حشائش للأغنام، فانفجر لغم تسبب في بتر ساقيّ من الورك، كما أصبت بشظايا عدة في أجزاء متفرقة من جسدي.
ويضيف :"تم إسعافي إلى مستشفى الثورة العام بمدينة تعز، وظللت في العناية المركزة لمدة شهر، وحالياً أنا مقعد وعاطل عن العمل، ولا أملك أي مصدر دخل لإعالة أطفالي الخمسة وأمي وإخوتي".
ولا تقتصر آثار الألغام على الخسائر البشرية فحسب، بل تمتد لتعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية. تعاني مناطق زراعية واسعة من عدم إمكانية استغلالها بسبب انتشار الألغام، مما يؤدي إلى انخفاض الإنتاج الزراعي وزيادة معدلات الفقر والجوع. بالإضافة إلى ذلك، تمنع الألغام عودة النازحين إلى منازلهم، مما يزيد من أعداد المشردين داخليًا ويعمق الأزمة الإنسانية.
جهود إزالة الألغام
تبذل المنظمات المحلية والدولية جهودًا مضنية لتطهير المناطق الملوثة، إلا أن التحديات هائلة. وفقًا لبيان صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، تم إزالة أكثر من 400,000 لغم بين عامي 2018 و2024. ومع ذلك، تظل ملايين الألغام مزروعة في الأراضي، مما يجعل اليمن بحاجة إلى عقود من العمل لتطهير جميع المناطق.
وتتطلب أزمة الألغام في اليمن استجابة أوسع بكثير حيث يجب على المجتمع الدولي الضغط على مليشيا الحوثي وقف زراعة الألغام والامتثال للقانون الدولي الإنساني. كما أن توسيع نطاق برامج التوعية بمخاطر الألغام وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا يعد أمرًا بالغ الأهمية.
ويجمع خبراء وحقوقيون بأن زراعة الألغام في اليمن تمثل جريمة حرب مستمرة تؤثر بشكل مباشر على حياة ملايين اليمنيين. إن التصدي لهذه الكارثة يتطلب تكاتف الجهود الدولية والمحلية، والعمل على تقديم الدعم للضحايا، وضمان مستقبل آمن وخالٍ من الألغام للأجيال القادمة.
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فقد زاد عدد الأشخاص المتضررين من الألغام الأرضية ومخلفات الحرب غير المنفجرة بنسبة 160%.
وعلّق بيان تحالف ميثاق العدالة بأن "هذه الأرقام المرعبة تدعو إلى زيادة الضغط الفعّال على الحوثيين الذين تحمّلهم معظم التقارير مسؤولية هذه الجرائم، من أجل وقف هذه الأنشطة، وتسليم خرائط الألغام الأرضية المزروعة من أجل احترام الإنسانية، والحق في حصول جميع المواطنين اليمنيين من دون استثناء على حياة آمنة".
يعمل الطبيب منصور الوازعي، مديراً لمركز الأطراف الصناعية في تعز، والذي تدعمه منظمات مثل الصليب الأحمر الدولي، ويقدم المركز أطرافاً صناعية وخدمات تدريب وتأهيل ودعم نفسي، ومشاريع تمكين اقتصادية.
ويقول : "يزيد عدد من ترددوا على المركز عن 1200، أصيب 65% منهم بانفجار ألغام أرضية زرعها الحوثيون، والتي تنوعت بين أرضية ضد أفراد، وأخرى على شكل ألعاب كرات وأقلام وغيرها. تتنوع الإصابات من بتر أطراف سفلية، طرفين أو طرف واحد، أو طرف سفلي وآخر علوي، وطرفين سفليين مع طرف علوي، وإصابات فقط للأطراف العلوية".
وفيما تحصد الألغام أرواح مدنيين غالباً، تبذل جهود لنزعها، أحدها من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، الذي أنشأ المشروع السعودي لنزع الألغام "مسام" في منتصف عام 2018. وتنفِّذ المشروع كوادر سعودية وخبرات عالمية مع 32 فريق عمل يمنياً تم تدريبها لإزالة كل أنواع الألغام، وتضم هذه الفرق 550 موظفاً، ويعمل المشروع في عدة محافظات.
وأعلن مدير مشروع مسام، أسامة القصيبي، أن الفرق الميدانية نزعت منذ انطلاق المشروع وحتى 6 سبتمبر/أيلول 2024، أكثر من 458 ألف لغم ومخلفات حرب غير منفجرة وعبوة ناسفة.
وقال تقرير أصدره مشروع مسام، في منتصف أغسطس الماضي، إن المشروع قدم 30 شهيداً و48 مصاباً بإعاقات دائمة، مشيراً إلى أن 80% من الألغام التي أزالتها فرق المشروع في اليمن، سواء ألغام مضادة للآليات أو ألغام أفراد أو عبوات ناسفة، زرعها الحوثيون.
ويواجه المشروع عدداً من التحديات، أبرزها زرع الألغام عشوائياً، وباستخدام أشكال تمويه مختلفة في أماكن تستهدف المدنيين، وأيضاً رفض الحوثيين تسليم الخرائط الخاصة بالألغام التي تسهل عمليات نزعها.
ويشار إلى أن المادة 83 من القانون الدولي الإنساني تنص على أنه يجب إزالة الألغام من طرفي أي نزاع عند انتهاء الأعمال العدائية الفعلية.
وفي فبراير 2024، بدأت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام (أونماس) التعاون مع المركز التنفيذي اليمني للتعامل مع الألغام (ييماك) من أجل التدريب على إزالة الألغام، وعرّفت الدائرة الأممية المركز الذي يتّخذ من عدن مقراً، بأنه جهة متخصصة في إزالة الألغام وتنفيذ عمليات توعية بمخاطر المتفجرات، وعمليات مسح غير تقني وكذلك مسح تقني، مشددة على أن "كل لغم يُزال هو استعادة لحياة".