تقارير
ما التداعيات المحتملة للضربات الأمريكية في اليمن؟
تشهد السياسة الأمريكية في التعامل مع اليمن تحولا مؤثرا، حيث انتقلت من استهداف البُنى التحتية إلى ضرب مسؤولين وقوى بشرية في مناطق مليشيا الحوثي، واستخدام قنابل في المدن مع عدم الاكتراث لخسائر المدنيين المادية والبشرية.
هذا التحوّل يعزز طلب البنتاغون تمويلا إضافيا من الكونغرس، ونقل قاذفات بعيدة المدى إلى قاعدة "ديوجو جاريسا"، في المحيط الهندي، واستخدام مدرج طائرات غير شرعي في جزيرة "ميون" اليمنية، التي تسيطر عليها الإمارات منذ سنوات.
هذا التصعيد العسكري يفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وبالرّغم من تأثيره المباشر في حياة اليمنيين، يؤكد المسؤولون الأمريكان أن عملياتهم العسكرية لا يمكن أن تكون جزءا من دعم مكوّن يمني لصالح آخر، ويقولون إن لا علاقة لها بما يصفونه بالحرب الأهلية في اليمن.
تأثير كبير
يقول الخبير العسكري العميد عبد الرحمن الربيعي: "الضربات الأمريكية على مليشيا الحوثي مؤثرة للغاية من حيث فاعليتها وكثافتها، ومن حيث اختيارها للأهداف".
وأوضح: "الطائرات المستخدمة في هذه الحملة الجوية الأمريكية قرابة أربعة أنواع من الطائرات، بدءا من F16 التي تستخدم بكثافة، والهورنت F18، والقاذفات الإستراتيجية B2، وطائرات الاستطلاع المسلح، التي تستخدم لاصطياد الأهداف، خصوصا التجمعات البشرية أو القيادات، إلى جانب استخدام الصواريخ والقنابل، لا سيما استخدام صواريخ دقيقة؛ مثل صواريخ كروز، وتوماهوك".
وأضاف: "بالنظر إلى حجم الضربات، خلال الثلاثة الأسابيع التي خلت أو مضت، بالتأكيد ألحقت بالحوثيين ضررا كبيرا؛ لأنها استهدفت مخازن تسليح وقيادات، ومراكز قيادة وسيطرة ومِنصات، وشملت مجمل الأراضي اليمنية التي تقع تحت سيطرة مليشيا الحوثي".
وتابع: "إذا ما نظرنا إلى قرابة 500 طلعة جوية، في الثلاثة الأسابيع، بالإضافة إلى صواريخ الكروز والتوماهوك، بالتأكيد الحقت ضررا كبيرا بمليشيا الحوثي".
وأردف: "كل ما هو مؤطر، أو بمعنى في إطار القوة، سواء كان العنصر البشري قياديا أم مقاتلا أم وسطيا، أيا كان شكله ونوعه، أو العتاد المادي في زمن الحرب، تعتبر أهدافا مشروعة، ولا يوجد فرق بين العتاد القتالي والقيادات أو العناصر البشرية المقاتلة، التي هي بصف مليشيا الحوثي، على اعتبارها بالنسبة للأمريكان عدوا".
وزاد: "في تحليلاتي السابقة، كنت أؤكد على أن العمليات ستمضي على شكل تصاعد تدريجي، ففي عهد الرئيس بايدن لم تكن العمليات بهذه الكثافة، وبهذا الزخم، وبهذا الحجم، وبهذه الفعالية، لكن في عهد ترامب حدث تغيّر كبير، وأكدنا في أكثر من مرة منذ حرب لبنان، وسقوط حزب الله، ومن ثم بشار الأسد، أن أذرع إيران ومخالبها في المنطقة حُكم عليها بالموت، بمعنى اجتثاثها كليا".
وقال: "عملية الاجتثاث بدأت بلبنان، وتبعتها سوريا، والآن العمل تصاعد في اليمن، وسوف يتصاعد بوتيرة أكبر حتى يتم القضاء على الحوثيين تماما، وهذا ما وهو مسلَّم به، وأمر حتمي لا مفر منه".
مواجهة غير متكافئة
تقول الصحفية أفراح ناصر: "فيما يتعلق بالفيديو، الذي نشره الرئيس ترامب، لم نتأكد تماما منه، وعدم وجود جهة مستقلة تؤكد مصدر وتفاصيل الفيديو، فأنا كصحفية وكباحثة عملت على تحليل صور عبر الستلايت مشابهة للتي نشرها الرئيس دونالد ترامب، وهناك عمل كبير لازم نقوم به من أجل نتأكد من أن هذا الفيديو فعلا لاستهداف مدنيين أو عسكريين".
وأضافت: "بغض النظر عن هذا، أنا أعتقد أن الفيديو يعيد لأذهاننا الفيديوهات لطلعات الطائرات الأمريكية العسكرية أثناء ضربها في العراق".
وتابعت: "نشر ترامب لهذا الفيديو يعتبر خطوة إضافية في خطة التصعيد العسكري الأمريكي في اليمن، وأول شيء تبادر لذهني، وأنا أرى الفيديو، أن كل هذه الخطط والتصعيد، وهذا النوع من الخطاب والفيديوهات والممارسات العسكرية، تتم على حساب حياة الملايين من اليمنيين الذين يجدون أنفسهم عالقين بين جماعة مسلحة تحوَّلت إلى سلطة أمر واقع مستبدة، وقوى دولية تستخدم الأرض اليمنية كساحة لتوجيه الرسائل السياسية والعسكرية".
وأردفت: "الفيديو مزعج بكل المقاييس، ولكن يحتاج منا التأكد من تفاصيله".
وزادت: "يبدو أن هناك اصطيادا للقيادات، واستهدافا لقيادات محددة، ويبدو أن هناك دقة عسكرية، لكن ما نخشاه أن يكون هناك انزلاق نحو حرب استنزاف طويلة تتكرر فيها أخطاء العقود الماضية من التدخلات العسكرية الأمريكية في العالم العربي".
وقالت: "شاهدنا التدخلات الأمريكية في أكثر من مكان، من أفغانستان إلى العراق، وعلى ما يبدو للأسف هذا هو التوجه الذي نحن نتجه فيه، فهذا النوع من الاستهداف والدقة العسكرية التي تحصل حاليا بالتأكيد سيعمّق دوامة العنف والانتقام، ولا يخدم السلام، ولا يقوِّي المسار السياسي في اليمن".
وأضافت: "نحن لا نستطيع أن نتحدث عن هذا الأمر، وكل هذه التطورات، دون تحميل جماعة الحوثي جزءا كبيرا من المسؤولية، فالحوثيون بجلبهم هذه الحرب غير المتكافئة إلى قلب اليمن، وتحويلهم الموانئ والممرات المائية إلى أدوات ضغط سياسي، جعلوا من اليمن مسرحا لتدخل عسكري خارجي".
وتابعت: "جماعة الحوثي تعلم جيدا أن واشنطن لن تتردد في استخدام القوة، ومع ذلك استدرجت البلاد نحو مواجهة غير متكافئة، فيما يدفع المواطن اليمني وحده الثمن الأكبر".