تقارير

من صنعاء إلى القاهرة.. معركة "نُهى" في مواجهة سرطان الثدي

01/11/2025, 18:27:40
المصدر : بلقيس: خاص

"ما كنت أتوقّع أن يأتي يوم وأسمع كلمة سرطان مرتبطة باسمي".. بهذه الكلمات بدأت نُهى العطاس حديثها، بصوت خافت يختلط فيه الألم بالأمل، مستعرضة معركتها مع سرطان الثدي. 

نُهى، امرأة يمنية في عقدها الثالث من العمر، درست اللغة الإنجليزية، ووصلت إلى مرحلة التمهيدي في الماجستير، ثم توقفت لتتفرغ لأمومتها وتربية أطفالها الثلاثة، لمواجهة ضغوط الحياة كأمٍّ منفصلة تتحمّل المسؤولية كاملة. 

تقول نُهى لقناة "بلقيس": "خمسة عشر عامًا قضيتها في منزلي بصنعاء، متفرغة لأربّي أبنائي، كنت أتناول القات والشيشة أحيانًا كعادة اليمنيات في محاولة لكسر صمت الأيام، وتبديد خوف الحرب الذي يطرق أبواب المدينة كل ليلة منذ عشر سنوات". 

تسكن نُهى بالقرب من معسكري "الفِرقة" و"الصيانة" في صنعاء، "وهي من المناطق التي كانت مسرحًا لانفجارات وصواريخ الحرب، حيث الرَّصاص وقصف الطائرات كان جزءًا من الهواء، وتعب الأمومة لا ينتهي"، تقول نُهى. 

تضيف: "أعتقد أن استنشاق الغازات الناتجة عن انفجارات الصواريخ سبب رئيسي في إصابتي، فأنا وجارتان في نفس الحارة أصبنا في الوقت نفسه، وربما أخريات أيضًا"، حسب قولها. 

-وخز بسيط غيّر كل شيء 

في عيد الأضحى الماضي، بدأ كل شيء بوخز بسيط في صدرها، بلا ألم ولا ملامح خوف، تجاهلته كما تتجاهل الأمهات وجعهن الدائم؛ لكن بعد أشهر، ظهر الانتفاخ الصغير الصلب الذي غيّر وجه حياتها. 

تقول نُهى: "ذهبت للفحص، وكانت الصدمة سرطان الفصيص الغازي، أحد أخطر الأنواع وأكثرها خفاءً  لأنه لا يُظهر كتلة خارجية، بل ينمو عشوائيًا داخل الثدي دون ألم أو شكل محدد". 

ذهبت نُهى إلى الكشف، وهناك، في غرفة صغيرة بمركز الأمل التابع للمؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان، سمعت الكلمة التي ما زالت تصدمها حتى اليوم: "ورم خبيث". 

تقول نُهى: "كنت أتمنى تكون الكلمة غلط، انتظرت أسبوعين بين الدعاء والدموع بعد إجراء فحص الخزعة في المستشفى الجمهوري، على أمل أن تكون النتيجة حميدة، لكنها لم تكن كذلك، حتى لما طلعت النتيجة، ما صدّقت، جلست أنظر في الورقة كأنها تخصّ امرأة أخرى". 

تضيف: "ما عندي أي عامل وراثي، ولا سبب واضح، كل شيء جاء فجأة، كأن الحياة قررت تختبرني دفعة واحدة". 

الطبيب الجراح لم يكن أرحم، ولم يكن ذا خلق إنساني يهدئ من روعها، بل قالها ببرود: "لازم استئصال كامل للثدي"، تقول نُهى: "ما حسّيت أن الطبيب إنسان، قالها كأنها عملية روتينية، وأنا داخلي كان كل شيء ينهار". 

بدأ الطبيب يكتب لها الخطة العلاجية بنفسه "بروتوكول العلاج الكيماوي"، مؤكدة أن "هذا أكبر خطأ، فالجراح ما يفترض يقرر العلاج؛ لكن في اليمن، كل شيء يمشي بالعكس"، حسب قولها. 

-السفر إلى القاهرة 

قررت نُهى السفر إلى القاهرة، حيث كانت الرحلة أشبه بالهرب من قدر ثقيل، هناك في الطائرة، كانت تبكي بصمت وهي تضع يدها على صدرها، تقول: "كنت أحسّ أن الورم كائن يعيش ويتنفس معي، لا ينام ولا يتركني أنام". 

توضح نُهى سبب السفر إلى القاهرة للعلاج: "عندنا الطبيب الجراح هو اللي يحدد العلاج، مش طبيب الأورام، وما في فحوصات دقيقة، ولا حتى فحص ذري يساعد على تحديد نوع السرطان، كثير من المريضات يُعالجن بطريقة عشوائية"، تقول نُهى. 

في القاهرة كان كل شيء مختلفا، هناك التقت طبيبًا إنسانًا، لم يعطِها الدواء فقط؛ بل أعطاها ما هو أهمّ "الإيمان". تقول نُهى: "كان يضحك مع المرضى، يُخفف الوجع والألم، يقول دايمًا: السرطان مش نهاية، النهاية لما نستسلم". 

تضيف: "هنا في طبيب أورام مختص يحدد نوع السرطان، وعلى أيش يتغذى، وبعد فحوصات كثيرة منها الفحص الذري، يقرروا بروتوكول العلاج المناسب، حسّيت هنا أني لأول مرة أمسك بطرف الأمل". 

-تكاليف باهظة 

توضح نُهى أن العلاج في مصر مكلف جدًا ويحتاج إلى دعم من الحكومة، مشيرة إلى أن التجربة مختلفة حسب الدولة؛ ففي اليمن -على سبيل المثال- تكون الجرعات مجانية، بينما في مصر قد تتحمل الدولة علاج بعض الجنسيات ولا تلتزم بتقديم الدعم للجميع. 

تؤكد نُهى أنها تتكفل بالعلاج على حسابها الشخصي، حيث تبلغ تكلفة كل شريط دواء خمسمائة دولار لمدة أسبوعين، إلى جانب بعض الأدوية الأخرى الأقل تكلفة، وقد يقرر الطبيب أن تستخدم الدواء صباحًا ومساءً، ما يعني الحاجة إلى شريط كل أسبوعين تقريبًا. 

رغم الصعوبات المالية، تشعر نُهى بالامتنان لله لقدرتها على تحمّل تكاليف العلاج، وتأمل أن يعطي النتائج المرجوّة وتتمكن بعد ذلك من إجراء العملية الجراحية للتخلص من المرض نهائيًا، مؤكدة أن تكلفة العملية ليست مرتفعة مقارنة ببقية العلاجات، حيث تكلف نحو ألف دولار. 

-الاهتمام بالغذاء الصحي 

نُهى تشارك نصيحتها لمن يواجهون مثل تجربتها، بالابتعاد قدر الإمكان عن التوتر والحزن، والاهتمام بالغذاء الصحي، خاصة زيادة الخضروات؛ لأنها تعتبر محفزًا مهمًا لصحة الجسم ومكافحة المرض. 

كما تشير إلى أهمية العسل وكل ما يقوّي المناعة، إلى جانب تمارين التنفّس؛ لأن نقص الأكسجين في الصدر يؤثر بشكل مباشر على الحالة الصحيّة، وتؤكد أيضًا أن التدخين ضار بالصحة ويزيد الوضع سوءًا. 

وهكذا، تبقى نُهى متفائلة، متوكلة على الله، مؤمنة بأن المثابرة والاهتمام بصحتها ونظامها الغذائي، إلى جانب العلاج الطبي، يمنحها فرصة للتغلب على المرض واستعادة حياتها الطبيعية. 

نُهى اليوم لا تشبه تلك المرأة التي كانت قبل المرض، تتحدّث بثقة، بوجه يضيئه الصبر: "ما عاد أخاف من شيء، السرطان لم يقتلني؛ بل علّمني كيف أعيش". 

وتضيف بإيمان قوي بالله: "المريضة ما تخاف، لازم تؤمن أن الله القوي القادر هو وحده اللي كتب هذا الابتلاء لحكمة، وأكيد فيها خير"، مؤكدة أن المرض علّمها أن "القوة ليس في الجسد؛ بل في القلب الذي يرفض الانهزام"، وفق تعبيرها.

 

تقارير

تحقيق يكشف وعود الإمام البدر بالاعتراف بإسرائيل مقابل دعمها للملكيين

تحقيق استقصائي جديد لبرنامج "المتحري" على قناة الجزيرة، يكشف للمرة الأولى تفاصيل مثيرة حول أول عملية نفذها الاحتلال الإسرائيلي في اليمن، والدعم العسكري السري الذي قدمته إسرائيل للإماميين "الملكيين" إبان حرب قيام الجمهورية اليمنية عام 1962، في سياق صراع إقليمي ودولي محموم على النفوذ في البحر الأحمر.

تقارير

عودة مليشيا الحوثي إلى لغة التصعيد.. محاولة لخلط الأوراق أم الواقع يفرض عليها معارك جانبية؟

بعد توقف الحرب في غزة، تُتهم مليشيا الحوثي بالبحث عن عدو جديد وصراع يعيدها إلى المشهد في إطار التهرّب من الالتزامات الداخلية ونهب الإيرادات لصالحها، في وقت تغرق فيه مناطق سيطرتها في الفقر والحرمان وغياب الرواتب والخدمات.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.