تقارير

ميناء 'المخا' التاريخي.. جوهرة البلاد المعطّلة!!

08/03/2021, 13:00:41

قناة بلقيس - هشام سرحان

يحنّ مئات العاملين في ميناء 'المخا' التاريخي إلى العودة لوظائفهم وأعمالهم ومصادر أرزاقهم، لكنّ ذلك لم يعد ممكناً، إذ يصعب عليهم اليوم حتى الاقتراب من بوابته للعام الرابع على التوالي من عمر الميناء المدني والخدمي الشهير عالمياً، الذي حوّلته قوات العميد طارق صالح (المدعومة إماراتياً) إلى ثكنة عسكرية، منذ تحريره من مليشيا الحوثيين في العام 2018.

يتطلّع أكثر من 1900 موظف ومتعاقد وعامل للعودة إلى وظائفهم، بعد أن ضاقت بهم الحياة مع أسرهم، وتردّت أوضاعهم المعيشية والمادية والإنسانية، جراء توقّف مرتباتهم.
فالميناء، الذي كان يحتضنهم، أضحى ثكنة عسكرية، مكتظة بالجنود والآليات العسكرية، ومنطقة محظورة، صار الاقتراب منها مجرد حلماً بالنسبة لإدارة الميناء والعاملين فيه، وذلك منذ أن وطأته الوحدات   العسكرية الموالية للإمارات، وعطّلته، ودمّرته، ونهبت محتوياته ومعداته، وأجهزته وبياناته، وأرشيفه، وألحقت به أضرارا بليغة، حسب مصدر مسؤول ورفيع المستوى، لم يفصح عن اسمه.

إخراج الميناء الأقدم والأهم على مستوى البلاد والإقليم والمنطقة عن الخدمة من قبل التشكيلات العسكرية، التي يقودها نجل شقيق الرئيس المخلوع (علي عبدالله صالح)، لم يدفع بمئات الأسر نحو الفقر و الحرمان وشدة الحاجة والحال المأساوي فقط بل كبّد البلاد خسائر اقتصادية، وحرم الخزينة العامة من إيرادات سنوية تفوق 20 مليار ريال، طبقاً للمصدر الذي أرجع توقفه إلى استخدامه قاعدة عسكرية ومركز إمداد لجبهة 'الساحل الغربي'.

* خسائر وتبعات

وبلغ إجمالي الإيرادات العامة للميناء، خلال العام 2013، ثمانية عشر مليارا وخمسمائة وسبعين مليونا وثلاثمائة واثنين خمسين ألفا ومائتين وستة وسبعين ريالا، إذ سجلت إيرادات الإدارة العامة للميناء 280 مليون ريال تقريباً، ووصلت إيرادات جُمرك الميناء إلى مليارين وأربعمائة وستة عشر مليون ريال، فيما بلغت إيرادات شركة النفط اليمنية 15 مليارا و874 مليون ريال، كما بلغت إيرادات جوازات الميناء 2 مليون و326 ألفا، إلى جانب إيرادات مكتب الزراعة، التي لم تكشف عنها الوثيقة الرسمية، التي حصل عليها موقع قناة "بلقيس".

وأسفر توقف الميناء عن تضرر الوكالات الملاحية العاملة فيه، إلى جانب تعطّل النشاط التجاري، وتوقف حركة التصدير والاستيراد، حيث وصل في العام 2013 إجمالي صادرات الميناء من البضائع 25 ألف طن، فيما بلغ حجم الواردات 142 ألف طن، كما وصل إجمالي واردات النفط عبر الميناء 403 آلا طن، وفقاً للوثيقة.  
وذكر مدير الميناء، محمد أحمد عبد الرحمن صبر، أن تلك الإيرادات ستشكل رافدا  لا يستهان به لخزينة الدولة، وذلك في حال تمت إعادة تشغيله.

وأشار إلى العديد من المشاكل المتراكمة، والمحتاجة لمعالجة عاجلة، أبرزها حجم معانات عمّال وموظفي الميناء، البالغ عددهم قرابة 100 موظف ومتعاقد، وقرابة 1800 عامل شحن وتفريغ وكبابة، وغيرهم، جراء عجز إدارة الميناء عن الإيفاء بمستحقاتهم، بسبب إغلاق الميناء، وتبعيته لمؤسسة موانئ 'البحر الأحمر' اليمنية، التي يقع مركزها الرئيس في ميناء 'الحديدة'، الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثيين.

* مأساة العاملين

وفيما انقطعت رواتب  موظفي الميناء، منذ مطلع العام 2018،  نظرا لتوقّف نشاط الميناء، وانقطاع إيراداته، وإيقاف ميزانيّته من قِبل مؤسسة 'موانئ البحر الأحمر'، لفت صبر إلى أنه سبق المتابعة والعمل على معالجة استثنائية عبر وزارة المالية، التابعة للحكومة الشرعية،  وذلك بصرف راتب أساسي للموظفين الرسميين فقط، مستدركاً "للأسف، لم تفِ المالية بتعهداتها".
وتمت، في العام 2019، معالجة مرتبات الموظفين الرسميين فقط، من قِبل وزارة المالية، التي اعتمدت سُلفة مؤقتة على ذمّة الميناء، بقدر الراتب الأساسي لعدد 80 موظفاً، فيما لم تعالج وضع المتعاقدين وعمّال الأجر اليومي، وصرَفت، في العام 2020، رواتب 3 أشهر فقط، ثم تعثّر صرف مرتبات الأشهر الأخرى.

ولم يكشف صبر  عن الأضرار التي لحقت بالميناء ومحتوياته، إذ لا يمكن قياسها إلا من خلال نزول ميداني مباشر تشترك فيه لجان فنيّة متخصصة لتحديد وضعه الحالي، وتقييم الأضرار التي لحقت به، وهو ما تعيقه الوحدات العسكرية المتمركزة في الميناء.

إلى ذلك، ذكر مصدر رسمي مسؤول أن الميناء تعرّض من قِبل قوات طارق صالح لتدمير مُمنهج، وردم، وأعمال تخريب، ونهب طال كل شيء، بما في ذلك مكتبته، فضلاً عن تعطيل رافعاته، وتدمير مراسي السفن فيه.  
وفيما ترفض القوات التي يقودها طارق صالح إخلاء الميناء، تمهيداً لدراسة وضعه، وتحديد حجم الأضرار  وصيانته، ترتفع الأصوات المطالبة بتشغيله، وتطويره، واستعادة دوره التاريخي، مؤكدة  أن مصلحة تعز تكمن في تشغيل الميناء الذي أثّر توقفه سلباً عليها، وعطّل الأعمال والنشاط التجاري، كما قلّل من دخل الدولة وإيراداتها، وفتح الباب بمصراعيه للتهريب والعبث.
* تحرّكات
مؤخراً، قاد مسؤولون محليون في محافظة تعز تحرّكات، أسفرت عن لقائهم وزير النّقل الدكتور عبدالسلام حميد في العاصمة المؤقتة (عدن)، وتدارس موضوع تشغيل الميناء، وهو ما يستبعده البعض لتواجد قوات طارق صالح فيه، كما طالبوا بإخلائه، ورفع اليد التي أوقفت الميناء، ودمّرته، ونهبت محتوياته.
اجتمع وزير النقل حميد، منتصف فبراير الماضي، بمحافظ تعز، نبيل شمسان، ومدير مكتب النقل في المحافظة، محمد النقيب، ثم التقى مدير ميناء المخا، محمد أحمد عبد الرحمن صبر، الذي بدوره قدّم للوزير تصوراً مبدئياً عن الميناء، ومكوّناته المختلفة سابقاً، كما أطلعه على مستوى الطاقة التشغيلية، وحجم الأنشطة الملاحية، التي حققها الميناء، وإجمالي إيراداته خلال الأعوام السابقة .

تفاعل الوزير مع ضيوفه، وأبدى تجاوباً وجدّية ورغبة في تشغيل الميناء، لكنّها ردود فعل قد لا تسمن ولا تغني من جوع، حسب روايات رسمية نوّهت إلى أن الوزير وعد بتفعيل الميناء، في حين شدد على ضرورة التنسيق مع جميع الجهات المعنية بمن فيها قيادة التحالف العربي، والقيادة العسكرية للقوات المتواجدة فيه، إلى جانب دولة رئيس الوزراء، وذلك لخلق توجّه حقيقي وجاد لتفعيل الميناء وتطويره.

توجّهات وزير النقل، ومسؤولي السلطة المحلية في المحافظة، ربّما لن تنجح، حسب توقعات
متعددة لسياسيين وعسكريين ومسؤولين محليين ذكروا لموقع 'بلقيس' أن توقف الميناء يأتي ضمن مخطط إماراتي كبير، لم يقف عند تعطيله وإهدار موارد الدولة، بل تجاوز ذلك إلى تفكيك بنية تعز الجغرافية، وسلخ مديريات الساحل عنها، وإحداث تغيير ديمغرافي في التركيبة السكانية، تمهيداً لتشكيل إقليم مستقل، تديره أدوات الإمارات إلى جانب 'حزام أمني'، أسوة بما هو حاصل في محافظات أخرى.

* أبعاد المشروع الإماراتي

ويعد ميناء المخا أحد مظاهر الحياة المُعطلة في المديرية وغيرها من مديريات ساحل تعز، التي تشكّل رئة المحافظة، ومتنفسها، ومنفذها البحري الوحيد نحو العالم الخارجي، حسب روايات متطابقة أوضحت أن القوات العسكرية المتواجدة في 'الساحل الغربي' لم تعطّل هذا الميناء فقط، بل عطلت الحركة الاستثمارية والسياحية في جميع مديريات الساحل، وذلك على غرار ما قامت به الإمارات في عدد من مُدن البلاد.

المساعي الرسمية الرامية لإعادة تشغيل ميناء المخا متواصلة منذ  أربعة أعوام، لكنها بأت بالفشل، لاصطدامها بتعنّت الوحدات العسكرية (المدعومة إماراتياً) بقيادة العميد طارق صالح، التي تفرض سيطرتها على المنطقة، وترفض إخلاء الميناء، ما يضع سلطات تعز المحلية والحكومة الشرعية ووزارة النقل أمام اختبار حقيقي، يقول مراقبون إنها لن تتجاوزه بسهولة.  
وتنفذ قوات ما يُعرف ب'حراس الجمهورية'، التي أنشئِت بقرار ودعم وتمويل إماراتي، في أبريل من العام 2018، مخططاً لفرض الهيمنة الإماراتية على 'الساحل الغربي' والجزر المُطلة علي 'مضيق باب المندب' عبر إنشاء معسكرات وقواعد عسكرية واستخباراتية فيها، ما يكشف مطامع الإمارات في المنطقة ذات الموقع الاستراتيجي، والأهمية الاقتصادية والعسكرية، والممر الرئيس للتجارة الدولية والاقتصاد العالمي.
تقع مدينة المخا غرب تعز، وتتبعها إدارياً، وتبعد عن مضيق 'باب المندب' حوالي 75 كيلو مترا شمالاً، فيما تبعد عن مدينة تعز 100 كيلو متر غرباً، ويمتد تاريخها إلى ما قبل الإسلام، حيث ورد ذكرها في نقوش حِميرية ويمنية قديمة.

تقارير

معادلة السلام والحرب.. عودة للمسار السياسي وخفض التصعيد في البحر

يشير الواقع إلى أن مليشيا الحوثي، التي عطلت مسار جهود الحلول الأممية، خلال السنوات الماضية، وفق تصريحات الحكومة المتكررة، لا تمانع الآن من الدخول في تسوية محدودة مع السعودية، تسد حاجتها المالية والاقتصادية، وتخفف من أزمتها الداخلية.

تقارير

صفقة سعودية حوثية.. ترتيبات متقدمة وتحذيرات من النتائج

تتسارع الخطى نحو وضع اللمسات الأخيرة على خارطة الطريق الأممية، التي تحمل في مضمونها تفاهما وتقاربا حوثيا - سعوديا، لم يكن يتوقعه أحد، لا سيما إن استعدنا شريط الذكريات للعام الذي انطلقت فيه عاصفة الحزم، وتهديد الطرفين بالقضاء على الآخر، إذ تعهد الأول بإعادة الشرعية إلى صنعاء، فيما توعد الآخر بالحج ببندقيته في مكة.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.