تقارير
نتيجة الإجهاض وعدم الرعاية الصحية.. آثار نفسية واجتماعية تواجهها النازحات في اليمن
بعد سبع سنوات من النزوح في مأرب، وجدت عايدة محمد نفسها عالقة في دوامة من الحزن والقلق في المخيم، حيث فقدت جنينها الثالث بسبب نقص الرعاية الصحية.
وتعيش عائدة يوميًا مخاوف من تكرار التجربة في ظل بيئة تفتقر إلى الدعم النفسي، تصبح فيها معاناة النساء النازحات جزءًا لا يتجزأ من حياتهن.
تجلس عايدة (27 عاما) داخل خيمتها المتهالكة في مخيم الجفينة بمحافظة مأرب، محاولة إخفاء دموعها، بينما تتحدث عن فقدانها جنينها الثالث قبل أشهر.
تقول عائدة لموقع "بلقيس": "كل حمل أصبح كابوسا يطارده شبح الموت، أشعر بالذنب، كما تحمّلني نظرات الآخرين ذات الذنب".
لم تكن عايدة تعلم أن رحلة النزوح، التي بدأت قبل سبع سنوات، ستتحول إلى حكاية متكررة من الفقد والألم النفسي الذي يختبئ خلف صمت خيام الشتات الإجباري.
عانت عايدة من إجهاضَين متتاليين خلال وجودها في المخيم، الأول بسبب سوء التغذية، والثاني بعد ستة أشهر من الحمل؛ نتيجة مضاعفات لم تستطع علاجها لأسباب متعددة؛ أهمها عدم قدرتها على توفير ثمن المواصلات، وعدم قدرتها على التنقل مشيا على الأقدام.
تصف عائدة تلك اللحظات بالقول: "كنت أصرخ من الألم، وأعلم أن طفلي يموت بداخلي. الآن، حتى أحلامي مليئة بصمت الأطفال الذين لم أعرفهم".
وبات الخوف من تكرار التجربة سيّد المشاعر بالنسبة للنساء في المخيمات، حيث تقول عايدة إنها باتت تخشى حتى النظر إلى الأطفال حديثي الولادة، وأنها تتجنّب الأسر التي لديها أطفال؛ كي لا تتذكر ما فقدته من أجنّتها.
- قلق وندوب لا تُرى
عايدة ليست وحدها من تعيش هذا الكابوس، تقول طبيبة النساء والولادة في مستشفى الأمومة والطفولة بمأرب، سمر أحمد، لموقع "بلقيس": "العيادات تستقبل يوميا نحو 20 امرأة نازحة يعانين مضاعفات الحمل، كثير منهن يفقدن أجنّتهن، ويحملن معهن جراحا جسدية ونفسية لا تُرى".
وتضيف: "الألم الجسدي ينتهي بعد الإجهاض، لكن الصدمة تبقى، نساء يبكين في العيادة وهن يسألن هل أنا السبب؟ هل سأفقد طفلي القادم أيضا؟ وأسئلة كثيرة أغلبها ذات طابع نفسي مقلق".
وأوضحت: "القلق المستمر يتفاقم في بيئة تفتقر إلى أبسط مقوِّمات العيش بالنسبة للنساء في مخيمات النازحين، حيث المياه ملوثة والصرف الصحي مكشوف، والازدحام يجعل من الخيمة مكانا غير آمن حتى للبكاء".
تتحدّث الطبيبة سمر عن أن الإجهاد اليومي، الذي تواجهه النازحات، مثل السير لساعات لجلب الماء، تحت خطر الأمراض، والتعرض للبرد والحر الشديدين، يزيد من احتمالات الإجهاض، لكن الأقسى هو تأثيره على الصحة العقلية، حسب كلامها.
وقالت: "نشاهد أعراضا مثل الأرق، ونوبات الهلع، والاكتئاب بشكل يومي على الكثير من زوّار العيادة".
- تجارب سابقة ومخاوف
من جهتها، تقول الأخصائية النفسية نظرة محمد: "بالنسبة للكثير من النساء النازحات لم يعد الحمل حدثا مفرحا، بل معركة وجودية، حيث باتت الكثير منهن -ذات التجارب- تخفي أي علامة للحمل؛ خوفا من لعنة الإجهاض التي تؤمن بها بعض النسوة في المخيم".
وأضافت لموقع "بلقيس" أنها التقت امرأة قالت إنها باتت تخشى أن تفرح بحملها ثم تفقده، وأنها تفضّل ألا يعرف أحد حتى لا تجرحهم بدموع الحزن لاحقًا.
وأوضحت: "وسط هذا المشهد، باتت الحاجة ملحة لتدخلات إنسانية تتجاوز تقديم الغذاء والدواء".
وتابعت: "دعم الصحة النفسية يجب أن يكون جزءا من أي مساعدة إنسانية"، داعية إلى "إنشاء عيادات متنقلة تقدّم جلسات دعم نفسي جماعية، وهو ما تفتقده محافظة مأرب حاليا، وغالبية المحافظات اليمنية التي تشهد نزوحا واسعا".
- أرقام مخيفة
وبحسب تقرير الاحتياجات الإنسانية للنازحين، التابع للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين (حكومي)، 70% من النساء النازحات الحوامل لا يحصلن على رعاية صحية بشكل نهائي، مشيرا إلى أن 69% من مخيمات النازحين لا تتوفر فيها عيادات صحية (لا متنقلة ولا ثابتة).
فيما تقول إدارة الصحة الإنجابية في مأرب إنه "تم رصد أكثر من 41 ألفا و95 حالة مضاعفات أثناء الحمل وبعده، خلال العام الفائت، حيث إنه تم رصد 600 حالة إجهاض في المستشفيات الحكومية فقط.
وبحسب تقرير صندوق الأمم المتحدة للسكان، الذي نُشر في أكتوبر من العام الماضي، أكثر من تسع سنوات من النزاع والحرمان تسببت بتداعيات كبيرة على صحة اليمنيين النفسية، وخاصة النساء والفتيات.
وأشار إلى أنه، في ظل ندرة خدمات الصحة النفسية وشيوع الوصمة الاجتماعية -بشدة- ضد الأمراض النفسية، يوجد نحو 7 ملايين شخص بحاجة إلى الدعم والعلاج النفسيين، لكن 120 ألف شخص فقط يحصلون على هذه الخدمات بشكل مستمر.
وأوضح أنه "يوجد 46 طبيبا نفسيا فقط في جميع أنحاء البلاد؛ أي بمعدل طبيب نفسي واحد لكل 700 ألف شخص بحاجة إلى خدمات الصحة النفسية".