تقارير

يحصد الأرواح بصمت.. السرطان يتمدد في اليمن بلا دواء ولا دولة

12/06/2025, 11:53:28
المصدر : قناة بلقيس - خاص

اكتشف عبدالله راجح ( 42 عاماً)  إصابته بسرطان الكبد منذ عام، لم يكن يمتلك رفاهية الوقت ولا تكاليف الفحوصات، فالمستشفى الحكومي القريب عاجز عن تقديم أي رعاية متخصصة، والأدوية شحيحة أو غير موجودة.

انتقل من محافظة لأخرى بحثًا عن علاج ينقذ حياته، لكن الحرب والفقر سبقاه إلى كل مكان.

اليوم يحتضن طفلته الصغيرة في زاوية منزل طيني، يخشى أن يسبق موتهُ ابتسامتها القادمة، ويقول بصوتٍ متهدج: لو أجد جرعة واحدة فقط، قد أعيش لأراها تكبر.

قصة عبدالله ليست استثناءً، بل واحدة من آلاف القصص التي تختزل أزمة متصاعدة في اليمن، حيث تحوّل السرطان إلى وباء صامت يفترس الأرواح، بعيدًا عن صخب الحرب لكنه لا يقلّ فتكًا عنها.

أرقام مخيفة 

في ظل الحرب المستمرة  والأزمات المتداخلة منذ أكثر من عشر سنوات، انهارت البنية التحتية الصحية في اليمن، وأصبح مرضى السرطان في مواجهة مفتوحة مع الموت، بلا دواء ولا رعاية ولا حتى سرير في مركز طبي مؤهل.

تشير إحصائيات حديثة إلى تسجيل ما بين 25 ألفًا و30 ألف إصابة جديدة بالسرطان سنويًا في اليمن،  وبلغت الوفيات السنوية حوالي 12 ألف حالة، وهو رقم يوازي تقريبًا عدد ضحايا النزاع المسلح، وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية ومرصد GLOBOCAN لعام 2022.

وفي  صنعاء وحدها، يبلغ عدد المرضى المسجلين في المركز الوطني للأورام أكثر من 90 ألف حالة، 40 ألف منها تم تشخيصها حديثًا. لكن المركز يعاني من عجز حاد في الأدوية والمحاليل الأساسية، كما أن معظم الحالات تصل إليه في مراحل متأخرة بسبب صعوبة التشخيص المبكر.

اللافت أن غالبية مراكز علاج السرطان في البلاد تعتمد على دعم المانحين والمنظمات الدولية، والذي شهد تراجعًا خطيرًا منذ عام 2023، ما أدى إلى توقف بعض الخدمات وإغلاق مراكز في محافظات مثل الحديدة وحضرموت وعدن.

ولا يمكن تفشي السرطان في اليمن عن عوامل أكبر وأعمق، في مقدمتها الحرب التي مزّقت البلاد ومزّقت معها النظام الصحي. فقد تم تدمير أكثر من 50% من المنشآت الطبية، وفق تقارير الأمم المتحدة، في حين يواجه الأطباء صعوبات جمة في الاستمرار في العمل، وسط غياب المرتبات وضعف التجهيزات.

كما أن سوء التغذية يلعب دورًا خطيرًا في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، خاصة بين الأطفال والنساء. منظمة أطباء بلا حدود عبّرت مؤخرًا عن قلقها الشديد من ارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال المصابين بأمراض مزمنة، بينهم مصابون بأورام، نتيجة نقص الغذاء والدواء.

وتشير تقارير حديثة إلى أن 18.2 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، بينهم 3.5 مليون طفل يواجهون خطر المجاعة وسوء التغذية الحاد، ما يضاعف احتمالات تطور أمراض خطيرة مثل السرطان لديهم، ويضعف مناعتهم ويقلص من فرص نجاتهم.

من جهة أخرى، يعاني مرضى السرطان من صعوبات في التنقل لتلقي العلاج، في ظل القيود المفروضة على السفر من مناطق سيطرة الحوثيين إلى المدن الأخرى، إلى جانب استمرار إغلاق مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية المنتظمة، وهو ما يحرم آلاف المرضى من فرصة السفر للخارج لتلقي العلاج.

ومن بين أرقام الوفيات وتدهور البنية الصحية، تبرز دعوات من منظمات دولية ومحلية بضرورة التدخل العاجل لتوفير أدوية السرطان بشكل دائم في المراكز الرئيسية، وعدم ربط ذلك فقط بمساعدات مؤقتة.

وتتضمن المطالبات إعادة تأهيل مراكز العلاج الإشعاعي والتشخيص المبكر ورفع القيود على السفر الطبي، وفتح ممرات إنسانية آمنة للمرضى إلى جانب تعزيز برامج التغذية العلاجية للمرضى، خاصة الأطفال، وربطها ببرامج الوقاية من الأمراض المزمنة.

لكن حتى اللحظة، تبقى هذه المطالب حبيسة الملفات الأممية والتقارير الإعلامية، بينما المرضى يموتون ببطء في صمتٍ لا يسمعه إلا من عاش الألم.

تعز في الصدارة 

رغم مضي أشهر على تصريحات أُطلقت بمناسبة اليوم العالمي للسرطان في فبراير الماضي، إلا أن الأرقام التي كشفتها حينها الجهات الصحية بمحافظة تعز لا تزال تمثل مؤشرًا خطيرًا على مسار المرض في واحدة من أكثر المحافظات تضررًا من الحرب في اليمن.

وفي شهر يناير الماضي  كشف تيسير السامعي، مسؤول الإعلام في مكتب وزارة الصحة بمحافظة تعز، عن ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان في المحافظة بنسبة 34% خلال عام 2024 مقارنة بالعام الذي سبقه.

وأوضح السامعي أن العام الماضي شهد تسجيل 1626 إصابة جديدة بالسرطان في تعز، بزيادة كبيرة عن عام 2023 الذي سُجلت فيه 1211 حالة. هذا الارتفاع، بحسب السامعي، يعكس تدهور البيئة الصحية والإنسانية في المحافظة، التي تُعد الأكبر من حيث عدد السكان في اليمن.

وأرجع السامعي هذا التزايد المخيف في الإصابات إلى “تداعيات الحرب، والانهيار المستمر للقطاع الصحي، وتردي الوضع الإنساني”، مشيرًا إلى أن تعز تواجه ظروفًا مضاعفة تفاقم من انتشار الأمراض المزمنة، وفي مقدمتها السرطان.

ودعا في تصريحاته إلى “استنفار مجتمعي ودعم حقيقي من المانحين ورجال الأعمال”، في محاولة لإنقاذ القطاع الصحي المتهاوي، الذي بات غير قادر على تقديم الحد الأدنى من خدمات الكشف أو العلاج لمرضى السرطان.

تعز ليست وحدها في مواجهة هذا الخطر، لكنها تظل في صدارة المحافظات الأكثر تسجيلًا للإصابات، بحسب تقارير حكومية. بينما تفتقر البلاد إلى قاعدة بيانات وطنية موحدة بسبب الانقسام السياسي والجغرافي بين الحكومة المعترف بها دوليًا ومليشيا الحوثي التي تسيطر على جزء كبير من شمال البلاد.

وكان وزير الصحة في الحكومة، قاسم بحيبح، قد صرح نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي بأن “مرض السرطان بلغ مستويات كبيرة في البلاد”، مشددًا على أهمية “التنسيق بين المحافظات لإنشاء مراكز علاجية متخصصة وتعزيز الجوانب الوقائية لتقليل نسب الإصابة”.

لكن على أرض الواقع، لا تزال المراكز المتخصصة نادرة ومحدودة التجهيز، فيما تُرغم آلاف الحالات على الانتقال بين المدن في ظروف مأساوية، أو الاعتماد على مساعدات محدودة من منظمات صحية لا تكفي لتغطية حتى الأدوية الأساسية.

وفي غياب إحصائيات دقيقة على المستوى الوطني، وتحت وطأة الحرب والحصار وانهيار البنية التحتية، يبدو أن مرض السرطان في اليمن لا يُعامل كأزمة صحية طارئة بقدر ما يُنظر إليه كعبء إضافي على بلد ينهكه الفقر والدمار. ومع استمرار تجاهل هذه المؤشرات المتراكمة، فإن مخاطر انفجار الأزمة صحياً واجتماعياً تبدو أكبر من أي وقت مضى.

تقارير

لماذا تُضخم واشنطن من قدرات الحوثيين؟

يواصل مسؤولون أمريكيون التهويل غير المسبوق لمليشيا الحوثيين وتسويقها بشكل مثير للسخرية، لم يقتصر على وصف المواجهات معها في البحر الأحمر بأنها "أعقد وأشد اشتباك بحري منذ الحرب العالمية الثانية"، بل وصل الأمر إلى الزعم بأن تلك التجربة "تُدرَس بعناية" ضمن تحضيرات الجيش الأمريكي لاحتمالات المواجهة مع الصين، في ربط غير منطقي بين مليشيا جبلية فوضوية والصين بوصفها القوة النووية والعسكرية والاقتصادية الصاعدة التي تشكل التحدي الأكبر للهيمنة الأمريكية في العالم.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.