تقارير
يحيى العرشي يروي لبرنامج الشاهد مرحلة بناء الدولة في عهد الرئيس القاضي الإرياني - الحلقة 3
يستعرض الدبلوماسي والسياسي اليمني، يحيى حسين العرشي، في حلقته الثالثة من برنامج الشاهد، أحداث حركة 5 نوفمبر، وأحداث حصار السبعين يومًا، ومرحلة بناء الدولة اليمنية في عهد الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني، والصراعات التي شهدتها الدولة في شمال اليمن خلال هذه المرحلة.
حركة 5 نوفمبر
يقول حسين العرشي: “حركة 5 نوفمبر ظلمت، وأنا هنا لا أدافع عن أشخاص، إنما أدافع عنها كمحطة وطنية. فماذا نتوقع من حكومة كانت معتقلة في مصر بالكامل، والجيش المصري كان مغادرًا اليمن، وليس هناك قوات مسلحة إلا بشكل محدود، والمؤسسات والوزارات وغيرها، خبراؤها رحلوا، ولا توجد إمكانيات ذاتية مالية، والدعم توقف، ولم يبقَ إلا المصدر السوري بالسلاح الجوي، والجزائر تعاونت في ذلك الوقت.”
وأضاف: “حتى الصحف المصرية كانت تصدر وتقول إن صنعاء ستسقط خلال 24 ساعة، هكذا كان الوضع. فماذا نتوقع؟ لذا كان لا بد من أن تكون هناك دولة تقوم بدورها. وما قامت به حركة 5 نوفمبر أنها دافعت عن صنعاء لمدة سبعين يومًا. وهذه أهم مهمة قامت بها حركة 5 نوفمبر، وليس وحدها، حتى الذين كانوا يعارضونها، مثل العواضي وغيره، تركوا الخلافات جانبًا وكسروا حصار صنعاء.”
وتابع: “عبداللطيف ضيف الله، قاد الموكب من الحديدة، وفيه العواضي، وأيضًا من جاءوا من إب، بما فيهم بيت بهران، وبيت دماج، وغيرهم، وكذلك الذين جاءوا من تعز، توجهوا إلى الحديدة، ومن ثم توجهوا في موكب مهم لفتح الطريق وكسر حصار السبعين.”
وأردف: “وصلوا إلى صنعاء واستقبلهم الفريق العمري، واستقبلتهم كل القوى الموجودة في صنعاء، وفتحت الطريق التي كانت هي مصدر ضعف كبير. والطريق الأخرى نفس الشيء.”
وزاد: “أتذكر كان عمي محافظًا للواء ذمار، أحمد عبد الله العرشي، وكان معه الحجي وأحمد الرحومي، وكثير من القيادات، توجهوا إلى بيت القوسي والبخيتي. جميعهم كونوا قوة في ذمار لكي يفتحوا طريقًا بعد طريق الحديدة صنعاء.”
وقال: “حركة 5 نوفمبر اضطلعت بالدفاع عن الثورة في سبتمبر، وفك حصار السبعين، وليست منتمية إلى الرجعية، إنما تنتمي إلى القوى الوطنية، بغض النظر عن أن هناك تباينات سياسية.”
وأضاف: “ما حدث فيما بعد ليس من نتائج حركة 5 نوفمبر، إنما من نتائج المتغيرات السلبية على الساحة اليمنية.”
فك حصار السبعين
في 28 نوفمبر 1967، تمكنت القوات الإمامية من عزل صنعاء عن بقية محافظات الجمهورية وفرضت حصارًا خانقًا امتد لنحو 70 يومًا. وفي 6 فبراير 1968، تمكن الجيش والمقاومة الشعبية من فك الحصار ودحر قوى الإمامة وحلفائها.
يقول العرشي: “إن الإرادة الوطنية حينما تحضر، تقضي على كثير من الضعف، والفريق العمري بشخصيته وقدراته الشخصية، وبأسلوبه الشخصي، كما أفاد السلال بأسلوبه في السنوات السابقة، كانت شخصيته مسيطرة وتعبر عن قوة عظيمة. ولهذا التفت حوله كل القوى والمقاومة الشعبية.”
وأضاف: “المقاومة الشعبية كان لها دور كبير، هي التي مسكت ما تبقى من العاصمة صنعاء، بحيث تتفرغ القوات المسلحة وتذهب إلى ‘نقم’ و’ريمة حميد’.”
وتابع: “كان المجتمع الدولي في غالبيته مترقبًا ما ستبرز عنه الأحداث. إنما الذين كانوا مع الثورة والجمهورية، سوريا والجزائر، وحتى عبد الناصر في الأخير في نهاية السبعين، أعاد النظر في المسألة وأرسل بعض المساعدات عن طريق البحر، ما يتعلق بالذخيرة.”
وأردف: “كانوا يقولون إن الثورة اليمنية، هي ثورة مصرية، أو أنها مبنية على قوة مصرية، وهي في الأساس ثورة يمنية متأثرة بكل ما هو قومي ووطني، ومن ضمنها مصر والبلدان التي كانت مع اليمن في هذا المشوار، وهي الجزائر من بلدان المغرب العربي، وسوريا من بلدان المشرق العربي. أما دول الخليج فلم يكن لها تأثير. أما السعودية، فهي التي كانت متبنية الحصار في الأساس.”
وزاد: “روسيا كانت مع الثورة والجمهورية، فيما المرتزقة الذين كانوا مع الملكيين في غالبيتهم كانوا من بريطانيا، أما أمريكا فربما كانت تنظر إلى قضية التغيير بمنظور معتدل إلى حد ما، لكن الخبراء الذين كانوا عملاءهم وكان معظمهم من البريطانيين، كانوا ضد الثورة، وكذلك الأردنيين والإيرانيين كانوا مع القضاء على الثورة.”
أحداث أغسطس 1968
في 23 و24 أغسطس، شهدت صنعاء معركة شرسة انقسم خلالها الجيش والمشايخ وكبار رجالات الدولة بين فريق البعثيين الذي يقوده الفريق حسن العمري، وتيار القوميين بقيادة قائد قوات الصاعقة عبد الرقيب عبد الوهاب، وانتهت بهزيمة القوميين.
يقول العرشي: “إن أحداث أغسطس وصل إليها اليمنيون نتيجة تباين في الآراء كان يمثلها تيار حركة القوميين العرب، وكانت متمكنة أكثر شيء في فصيل الصاعقة والمظلات، بقيادة عبد الرقيب عبد الوهاب، وفصيل المدرعات كان في الطرف الآخر بقيادة الفريق العمري.”
وأضاف: “أحداث أغسطس كانت خطأ كبير في جسم التغيير في اليمن، ولم نكن نتوقعها. كانت في أضعف الأحوال وأقلها ثمنا خلال الثلاثة الأيام، وانتهى الأمر.”
وتابع: “كانت هناك تضحيات من الجانبين، وكذلك التصرفات التي كانت غير مسؤولة فيما يتعلق باعتقال المفاوضين أو الوسطاء، كان فيها شيء من المجازفة، لكن الأمور تم تداركها في ظروف صعبة وانتهى الأمر.”
وأردف: “عبد الرقيب عبد الوهاب، كان شابًا وطنيًا، والفريق العمري كان يوده إلى حد كبير، لكن تدخلت أيادي مغرضة، متقنة للوشاية. وكان خروج الفئتين من الضباط إلى الجزائر هو الحل المناسب، وكان قرارًا حكيمًا بأن يُستبعد الكل إلى الجزائر حتى تستقر الأمور. وعندما عادوا إلى صنعاء، منهم من عاد إلى الجيش، ومنهم من عاد إلى القوى المدنية.”
وزاد: “ما حدث هو خطأ كبير، حيث لم تحدث مراجعات، واستحضار الدرس مهم حتى لا يتكرر، خاصة في ظروف اليمن التي لم تستقر أحوالها حتى الآن.”
بناء مؤسسات الدولة
يقول العرشي: “بعد أحداث أغسطس 68، تم تكليفي بمهمة الشؤون الاجتماعية والعمل، واستدعيت من الحديدة إلى صنعاء. وكُلفت بمهمة تاسيسية، بمعنى الكلمة، لأنه لم يكن يوجد مفهوم لماهية العمل الذي سنقوم به. والناس كانوا يقولون: ما هي الشؤون الاجتماعية والعمل؟”
وأضاف: “كانت البداية بأن نضع اللوائح والنظم، ونكون لها إمكانيات، بما فيها المكتب والإدارة، والتحق بها عدد من المتخصصين في مجال الشؤون الاجتماعية والعمل، حوالي أربعة أشخاص من الخريجين المؤهلين في هذا المجال.”
وتابع: “كل شخص منا مسك إدارة، وكانت المهمة الرئيسية أنه لا بد أن يكون للمصلحة القوانين التي تنفذ أهداف إنشاء المصلحة. قانون العمل، أبرز القوانين في الشؤون الاجتماعية، كانت مسؤولة عن العمال. وكانت هناك مزايدة أن العمال في عدن لهم نقابات ولهم اتحاد، بينما في صنعاء لا يوجد لهم، ومضطهدين. وأصحاب الأعمال يتعاملون بدون ضوابط مع العاملين لديهم. فكانت المهمة الرئيسية أن كل واحد منا يعد فصلًا من فصول القانون، حتى أعددنا مسودة قانون العمل، وهذا القانون يعتبر إنجازًا كبيرًا، استمر لعام 2000 تقريبًا.”
وأردف: “أنشأنا اتحادًا للنساء، والنوادي الرياضية، ومن ثم عقدنا مؤتمرًا لاتحاد طلاب اليمن في الخارج، الطلبة اليمنيين في أي بلد أرسلوا وفودهم إلى صنعاء، وتم انعقاد المؤتمر.”
وزاد: “أنشأنا أول تعاونية في وحدة الشؤون الاجتماعية في عمران، وكان من نتائجها شركة الكهرباء، وأول جمعية خيرية في الحجرية بتعز، وجمعية الهلال الأحمر.”
وقال: “في يناير 1970، أصدروا قرارًا بإنشاء مصلحة الضرائب، مثل مصلحة الشؤون الاجتماعية، لم تكن هناك مصلحة للضرائب. كان هناك ما يسمى بالواجبات الزكوية، التي هي وزارة المالية، وكان هناك ما يسمى بالمركبات على السيارات، تتبع وزارة الأشغال. ما كان يوجد شيء اسمه ضرائب.”
وأضاف: “صندوق النقد الدولي قال لهم: نحن نريد أن نعينكم في بناء مؤسسات الدولة المالية والاقتصادية. ليس لديكم بنك مركزي، ولا مصلحة ضرائب. وجلبوا خبراء.”
وتابع: “كانت مهمتنا في البداية صعبة، مع الأسف، وهذا ما واجهته في الشؤون الاجتماعية، أنه لا يوجد لدينا توصيف للوظائف وتحديد للمهام. أي معنا المدير العام، هذا ما عمله؟ ورئيس القسم ما عمله؟ وهذا هو الذي يجعل الأجهزة خاوية. الموظف لا يدري ما هو عمله!”
وأردف: “كانت هناك أصوات ممتازة داخل مجلس الشورى، كان يرأسه عبد الله الأحمر، وكان الأمين العام عبد السلام كرمان. كان ينتمي إلى تيار سياسي معين، لكنه كان إيجابيًا كالشيخ الأحمر، ووكيله الرباعي. وفي الأخير، صوتوا بما فيهم الأحمر، على قانون الأرباح التجارية وقانون التحصيل.”
وزاد: “في عام 1974، أنشأنا الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، أسوة بالبلدان العربية، كمصر وسوريا.”