تقارير
أطفال تعز ذوو الإعاقة.. بين الواقع المُر وآمال التعليم المفقود
يعيش الأطفال ذوو الإعاقة في تعز معاناة يومية؛ بسبب غياب الدعم اللازم الذي يضمن لهم حقهم في التعليم والمشاركة الفعالة في الحياة المجتمعية؛ نتيجة انعدام المدارس والمرافق المتخصصة، التي تستوعب احتياجاتهم الخاصة، حيث يجد هؤلاء الأطفال أنفسهم محاصرين في دوّامة من العوائق التي تحُد من تطوِّرهم الشخصي والاجتماعي.
"مرام أصبحت نكتة المدرسة، وهذا يؤثّر عليها نفسياً وعاطفياً"، بهذه الكلمات بدأت أم مُرام حديثها عن ابنتها التي تعاني من إعاقة ذهنية.
وأضافت لموقع "بلقيس": "بعد أن فشلتُ في العثور على مدرّسة خاصة لذوي الإعاقات تقدم برامج تعليمية مناسبة لحالة ابنتي، وجدت نفسي مضطرة لمرافقتها يومياً إلى المدرسة؛ لأكون بجانبها، وأدعمها في مواجهة هذه الصعوبات".
وتابعت: "رغم أنني أضطر للتضحية بوقت كبير من يومي، إلا أنني لن أتخلى عن ابنتي، وأتمنَّى أن يجد المعنيون حلا لهذه المشكلة، وأن يتمكّن كل طفل يعاني من الإعاقة من الحصول على التعليم المناسب، والرعاية التي يستحقها".
بدورها تقول هناء (أم لطفل يعاني من إعاقة): "أشعر باليأس عندما أرى أطفالاً في عُمر ابني يذهبون إلى المدرسة، بينما ابني حبيس المنزل؛ بسبب غياب المدارس المتخصصة والمراكز التأهيلية".
تضيف بمرارة: "بحثت -بكل ما أوتيت من قوة- عن مكان مناسب لابني، لكن جهودي باءت بالفشل".
وتابعت: "البعض ينصحني بعدم دمجه في هذه المراكز؛ خوفا من أن تزداد حالته سوءا، ولكن هذا الكلام يزيد من معاناتي، فأنا أؤمن بأن التعليم والتأهيل هما السبيل الوحيد لتطوير قدراته".
وتؤكد هناء لموقع "بلقيس": "غياب هذه المرافق يجعلني أشعر بالعجز التام عن مساعدة ابني على التطور والتعلم".
وتقول: "أشعر أنني أقصر بحق ابني، فكل أم تحلم برؤية ابنها يتعلم ويتطوّر، وأنا عاجزة عن تحقيق هذا الحلم".
- غياب المرافق المتخصصة
مدير صندوق المعاقين في تعز، صبري المعمري: "هناك تحدِّيات جسيمة تواجه الصندوق في تقديم خدماته لذوي الإعاقة في المحافظة؛ تتمثل بشكل أساسي في نقص التمويل، وتعرّض المباني التابعة للصندوق للتخريب؛ نتيجة للأحداث التي مرت بها المحافظة".
وأوضح المعمري، في تصريح خاص لـموقع "بلقيس": "عدد المدارس الخاصة لذوي الإعاقة في تعز يقتصر على سبع مدارس فقط، وهو عدد لا يغطِّي الحاجة المتزايدة لهذه الفئة".
وأشار إلى أن "الصندوق قام بمبادرة لدعم اندماج ذوي الإعاقة في المدارس الحكومية من خلال صرف مبالغ تحفيزية لهم، وللمدارس التي تستقبلهم".
وأكد المعمري "وجود تنسيق مع مكتب التربية والتعليم في المحافظة لتكامل الجهود في دعم ذوي الإعاقة، حيث يقوم الصندوق بصرف جزء من نفقاته التشغيلية للمراكز العاملة مع ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى صرف مبالغ تحفيزية للكادر الذي يعمل معهم".
ولفت المعمري إلى أن "الصندوق يولي اهتماماً كبيراً بالجانب التعليمي لذوي الإعاقة، حيث يسعى لتوفير الأجهزة التعويضية من خلال المنظمات والفاعلين الخيرين".
ودعا "صندوق المعاقين المركزي في عدن إلى صرف النفقات التشغيلية والموازنة العامة للصندوق في المحافظة؛ لتمكينه من تقديم الخدمات الأساسية لذوي الإعاقة بالشكل المطلوب".
- مشاكل بنيوية ومالية
تفتقر المدارس في تعز إلى البنية التحتية المناسبة لاستقبال الأطفال ذوي الإعاقة؛ نتيجة للدمار الذي لحقها؛ جراء الحرب، كما يواجه أولياء الأمور تحدّيات كبيرة في إيجاد مؤسسات تعليمية قادرة على تقديم التعليم المناسب لأطفالهم.
مدير مكتب الشؤون الاجتماعية والعمل، عبده علي، يؤكد - لموقع "بلقيس"- تفاقم الأزمة، التي تواجهها مراكز ومدارس ذوي الإعاقات في ظل الحرب الدائرة، قائلا: "الدمار الذي لحق بالعديد من هذه المرافق، بالإضافة إلى النقص الحاد في التمويل، أدى إلى تدهور حقيقي في جودة الخدمات المقدمة لهذه الفئة المهمة".
وأوضح علي أن "بعض الفئات؛ مثل المعاقين سمعياً وذهنياً، تعاني بشكل خاص من نقص في فرص التعليم والتأهيل، رغم وجود بعض المبادرات المحلية لتقديم هذه الخدمات".
وأضاف علي: "من أبرز التحديات، التي تواجه هذه المراكز والمدارس، شح الدعم المالي، مما يؤثر بشكل كبير على قدرتها على توفير الأجهزة والمعدات اللازمة، وتغطية رواتب الموظفين، وتوفير المواصلات للطلاب".
وتابع: "غياب المراكز الحكومية المتخصصة في تعليم وتأهيل ذوي الإعاقات يضطر الكثير من الأسر إلى اللجوء إلى المراكز الأهلية، التي غالباً ما تكون مكلفة"، كما أكد "على صعوبة دمج ذوي الإعاقات في المدارس العامة".
- نقص في الكوادر
توفير بيئات تعليمية شاملة لا تقتصر على تقديم التعليم الأكاديمي فحسب، بل تشمل أيضا دعماً نفسيا واجتماعيا، وتنمية مهارات الحياة اليومية، إذ أن تمكين الأطفال ذوي الإعاقة من المشاركة في الأنشطة المدرسية والحياة المجتمعية يعزز من ثقتهم بأنفسهم، ويسهم في تطوير إمكانياتهم
نائب مدير إدارة "التربية الشاملة" في محافظة تعز، عبدالرحمن يحيى مشرافة، يقول لموقع "بلقيس": "قطاع تعليم ذوي الإعاقة في المحافظة يواجه تحدِّيات كبيرة تعوقه عن تقديم خدمات تعليمية متكاملة ومتساوية لهذه الفئة الهامة من المجتمع".
وأوضح مشرافة: "من أبرز هذه التحديات النقص الحاد في البنية التحتية المخصصة لذوي الإعاقة، حيث تعاني العديد من المدارس من عدم وجود مرافق مناسبة؛ مثل الفصول الدراسية المجهّزة، والمرافق الصحية المهيّأة، والمداخل المناسبة للكراسي المتحرِّكة".
وأضاف: "بعض الفئات من المعاقين لا تملك حتى مبانيَ مدرسية خاصة بها، مثل مدرسة الأمل للتوحد، ومدرسة الخير للإعاقة المزدوجة".
كما أشار إلى "نقص حاد في الكوادر التعليمية المؤهلة للتعامل مع الطلاب ذوي الإعاقة، مما يؤثر سلبا على جودة التعليم المقدم لهم، بالإضافة إلى ذلك يعاني قطاع تعليم ذوي الإعاقة من نقص في الدورات التدريبية المتخصصة للمعلمين، ونقص في المناهج الدراسية المناسبة، خاصة للمكفوفين".
- دعوات إلى تظافر الجهود
معاناة المعاقين تحتاج تضافر الجهود بين الجهات الحكومية والمجتمعية لتوفير بيئة تعليمية شاملة، تحترم حقوق الأطفال ذوي الإعاقة، وتتيح لهم الفرصة للاندماج في المجتمع، أسوةً بأقرانهم من الأطفال الآخرين، هذا ما أكده وكيل وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان لقطاع الشراكة والتعاون الدولي، نبيل عبدالحفيظ ماجد.
ويقول ماجد، لموقع "بلقيس": "هناك تراجع في عدد المعاهد المتخصصة في تعليم الصم والبكم وفاقدي البصر"، داعياً إلى ضرورة الاهتمام بهذه الفئة، وتوفير الموارد اللازمة لتطوير خدماتها.
وشدد على أهمية إدراج قضية الأطفال ذوي الإعاقة بشكل عام، بما في ذلك الأطفال المصابون بالتوحّد وأصحاب الإعاقات البدنية، ضمن إستراتيجيات وزارة التربية والتعليم والتعليم المهني.
- بيانات الأمم المتحدة
أشار مسح أجرته الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، العام الماضي، إلى أن 89% من الأشخاص ذوي الإعاقة يشعرون بعدم الاحترام من قِبل مجتمعاتهم، وأن الوصول إلى الخدمات الأساسية؛ مثل الرعاية الصحية والتعليم، لا يزال غير كافٍ.
ووفقاً للتقرير، فإن نقص البيانات الشاملة المتعلقة بالإعاقة، خاصة في شمال اليمن، يعوق فَهْم احتياجات هذه الفئة، والتحديات التي يواجهونها، خصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات ذوات الإعاقة.
وتشير تقديرات منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في اليمن يبلغ حوالي 4.9 مليون شخص.