تقارير
إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية.. كيف ستؤثر عودة ترامب على الأزمة اليمنية؟
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ولايته الرئاسية الثانية، أعلنت إدارته تصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، في خطوة تعكس توجها متشددا تجاه إيران وأذرعها في المنطقة، كما يعد ذلك التصنيف نقطة تحول محورية في مسار الأزمة اليمنية، إذ يأتي بعد تصعيد حوثي ملحوظ في البحر الأحمر واستهداف السفن ومصالح دول كبرى، وهو ما يطرح تساؤلات حول الأثر المتوقع لهذا التصنيف على مسار الأزمة اليمنية.
كما تثير عودة ترامب إلى البيت الأبيض في ظل هذه البداية الحازمة العديد من الأسئلة حول تأثير سياساته على الأزمات المتشابكة في الشرق الأوسط، فخلال ولايته الرئاسية الأولى عُرِف بمواقفه المتشددة إزاء إيران ومليشيا الحوثيين، مع تقديم الدعم العسكري للتحالف بقيادة السعودية وممارسة أقصى درجات الضغط على إيران، وإعلان انسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وتصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية قبيل نهاية ولايته الأولى.
لكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض تأتي في ظل متغيرات كبيرة شهدتها منطقة الشرق الأوسط والعالم، ومن المفارقات المثيرة في هذا الصدد أن ترامب في ولايته الأولى كان أكثر حزما وعدوانية، بينما كان العالم أكثر هدوءا، أما الآن فالعالم يشهد صراعات مختلفة وصار أكثر توحشا، بينما ترامب يبشر بأنه سيعمل على إحلال السلام في العالم وإنهاء الحروب والصراعات، ويشير ذلك إلى إستراتيجية مزدوجة تجمع بين الضغط الحازم ومحاولات التهدئة.
وفي ظل المتغيرات التي شهدها العالم ومنطقة الشرق الأوسط، يبرز السؤال الجوهري: كيف ستؤثر عودة ترامب على مستقبل الأزمة اليمنية؟ وهل سيؤدي تصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية إلى زيادة عزلتها وتقييد نفوذها، أم أن الخطوات التصعيدية ستواجه بتحديات معقدة قد تعيد تشكيل مسارات الحرب والسلام في اليمن؟
- الأزمة اليمنية خلال ولاية ترامب الأولى
خلال فترة رئاسة دونالد ترامب الأولى، (2017- 2021)، تبنت إدارته العديد من الإجراءات تجاه الأزمة اليمنية، في سياق مواجهة نفوذ إيران في المنطقة ودعم التحالف السعودي الإماراتي، إذ قدمت إدارته دعما عسكريا مكثفا للتحالف منذ بداية ولايته، وشمل ذلك الدعم مبيعات الأسلحة، حيث وافقت إدارة ترامب على صفقات أسلحة بمليارات الدولارات مع الرياض وأبوظبي، تضمنت ذخائر موجهة بالليزر وقنابل خارقة للتحصينات.
وفي عام 2018، أبرمت إدارة ترامب صفقة أسلحة مع السعودية بلغت قيمتها 110 مليارات دولار، وكانت جزءا من خطة أوسع لتعزيز التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن.
كما ساهمت الولايات المتحدة بعمليات استخباراتية لتوجيه العمليات العسكرية وتحديد مواقع الأهداف التي يسيطر عليها الحوثيون، يضاف إلى ذلك الدعم اللوجستي المتمثل في إعادة تزويد واشنطن الطائرات الحربية للتحالف بالوقود جوا، لكن هذا الدعم توقف في نوفمبر 2018، تحت ضغط الكونغرس وانتقادات منظمات حقوق الإنسان بسبب تقارير عن سقوط ضحايا مدنيين جراء الهجمات الجوية التي نفذها التحالف باستخدام الأسلحة الأمريكية.
علاوة على ذلك، فقد اتخذت إدارة ترامب، خلال فترة رئاسته الأولى، موقفا متشددا من إيران، واعتبرت أن الحوثيين ذراعا إيرانية تهدد الاستقرار الإقليمي. وفي إطار تصعيد الضغوط على إيران، انسحب ترامب، في مايو 2018، من الاتفاق النووي الإيراني، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على طهران، بهدف تقليص قدرتها على دعم وكلائها في اليمن ولبنان والعراق.
وفي أبريل 2019، أصدر الكونغرس الأمريكي قرارا يطالب بإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف في اليمن بناء على قانون سلطات الحرب، وكان ذلك القرار قد جاء كرد فعل على الكارثة الإنسانية التي خلفها الصراع وتورط التحالف السعودي الإماراتي في استهداف المدنيين.
لكن دونالد ترامب رفض ذلك القرار باستخدام الفيتو الرئاسي، وبرر خطوته تلك بأن القرار يهدد مصالح الأمن القومي الأمريكي، وقال في رسالته للكونغرس إن دعم التحالف كان ضروريا لحماية حياة الأمريكيين في المنطقة.
وقد أثار فيتو ترامب انتقادات من أعضاء في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بالإضافة إلى منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش التي وصفت ذلك الفيتو بأنه "إشارة خطيرة لعدم الاكتراث بالأزمة الإنسانية".
وفي الأيام الأخيرة من ولايته الرئاسية الأولى، وتحديدا في يناير 2021، أعلنت إدارة ترامب تصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، واعتُبِر التصنيف بأنه محاولة لتعزيز عزلة الحوثيين دوليا والضغط عليهم للقبول بمفاوضات سياسية، وبررت إدارة ترامب تلك الخطوة بأنها ضرورية لمواجهة "السلوك العدواني" للحوثيين وتهديداتهم للسعودية، لكن توقيت التصنيف بدا وكأنه محاولة من ترامب لترحيل تركة معقدة لخلفه جو بايدن.
ومع بداية ولاية الرئيس جو بايدن، أُلغي ذلك التصنيف في فبراير 2021، بعد أن أثار قلقا واسعا لدى المنظمات الإنسانية، التي حذرت من أن التصنيف سيعيق وصول المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها مليشيا الحوثيين، حيث يعيش ملايين الأشخاص على حافة المجاعة.
وقد ووجهت سياسة ترامب إزاء الحوثيين وإيران ودعم التحالف السعودي الإماراتي بانتقادات واسعة بسبب الأزمة الإنسانية في اليمن الناجمة عن الحرب، مع تصاعد المجاعة والأمراض وإغلاق الموانئ والمطارات، فضلا عن الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان واستهداف المدارس والمستشفيات، كما واجه ترامب معارضة متزايدة من الكونغرس، خصوصا بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث دعا العديد من المشرعين إلى وقف الدعم العسكري للسعودية.
- بماذا تختلف سياسة ترامب عن أوباما وبايدن؟
تختلف سياسة ترامب في ولايته الأولى عن سياسة كل من سلفه باراك أوباما وخلفه (سلفه حاليا) جو بايدن، فخلال فترة رئاسة أوباما، اتخذت إدارته مواقف متعددة بشأن الأزمة في اليمن، ففي يناير 2015، صرح المتحدث باسم البيت الأبيض، جوش إيرنست، بأن إدارة أوباما لم تكن متأكدة من مدى سيطرة الحوثيين في اليمن.
وفي مارس 2015، أجاز أوباما تقديم دعم لوجستي ومخابراتي للسعودية في عمليتها العسكرية في اليمن، بما في ذلك تزويد الطائرات بالوقود وتبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي أبريل 2015، حذر الرئيس باراك أوباما إيران من إرسال أسلحة إلى اليمن. وفي الشهر ذاته، أجرى أوباما اتصالا هاتفيا بالملك سلمان بن عبد العزيز، أكد فيه دعم الولايات المتحدة للعملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن.
لكن في ديسمبر 2016 علقت إدارة أوباما جزءا من مبيعات الأسلحة للسعودية وقلصت الدعم العسكري بسبب القلق بشأن الضحايا المدنيين في اليمن، كذلك سعت إدارة أوباما إلى التوصل لاتفاق نووي مع إيران، مما أثار قلق السعودية من تعزيز نفوذ طهران في المنطقة، كما أن محاولة إدارة أوباما تحقيق توازن بين دعم حلفائها التقليديين والتقارب مع إيران أدت إلى توترات مع السعودية.
أما خلال فترة رئاسة جو بايدن، فقد اتخذت إدارته عدة إجراءات بشأن الأزمة اليمنية تباينت مع سياسات سلفه دونالد ترامب، ومن أبرز ذلك إعلان بايدن، في فبراير 2021، وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة، مؤكدا أن الحرب في اليمن يجب أن تنتهي.
كما راجعت إدارة بايدن قرار إدارة ترامب بتصنيف مليشيا الحوثيين منظمة إرهابية، بذريعة المخاوف من تأثير ذلك على الجهود الإنسانية في اليمن. كما عين بايدن الدبلوماسي تيموثي ليندركينغ مبعوثا خاصا إلى اليمن، بهدف تعزيز الجهود الدبلوماسية لحل الصراع.
وبالرغم من وقف الدعم للعمليات الهجومية، أكدت إدارة بايدن التزامها بمساعدة السعودية في الدفاع عن سيادتها وأمنها ضد التهديدات، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والطائرات من دون طيار التي يشنها الحوثيون.
- النووي الإيراني كمصدر للتوتر
يعد البرنامج النووي الإيراني المصدر الرئيسي للتوتر في المنطقة، ولذا فالاتفاق النووي الإيراني يمثل أبرز إشكالية ستترتب عليها بقية التفاصيل المتعلقة بملف الصراعات التي تغذيها إيران، فإذا كان ذلك الاتفاق قد أثار حفيظة السعودية في عهد باراك أوباما، فإن انسحاب ترامب منه عام 2018 زاد من حدة التوتر في المنطقة.
فقد ردت إيران على ذلك بمضاعفة دعم مليشياتها وزيادة التوترات العسكرية وتقليص تعاونها النووي وتسريع تخصيب اليورانيوم، وانقسمت المواقف بشأن الاتفاق بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، بينما استغلت روسيا والصين الوضع لتعزيز علاقاتها مع إيران. وفي حين أضعفت العقوبات الأمريكية الاقتصاد الإيراني، فقد تراجعت مصداقيتها دبلوماسيا بسبب انسحابها من الاتفاق.
وعطفا على ذلك، من المتوقع أن يعتمد ترامب في ولايته الثانية سياسة أكثر تشددا إزاء طهران تشمل فرض عقوبات إضافية، وتعزيز الوجود العسكري في الخليج، ودعم خصوم إيران كالسعودية وإسرائيل، مع محاولة فرض صفقة جديدة بشروط صارمة.
باختصار، من المتوقع أن تكون عودة ترامب إلى البيت الأبيض نقطة مواجهة حاسمة مع إيران، حيث سيركز على زيادة الضغط العسكري والدبلوماسي والاقتصادي، مع تقييد أي تقدم في برنامجها النووي أو نفوذها الإقليمي.
- ماذا بشأن اليمن؟
من اللافت أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتعامل مع الملف اليمني كشأن يخص السعودية وإيران ولا يخص اليمنيين أنفسهم، ولذلك فكل مواقف واشنطن المتعلقة بالأزمة اليمنية تمر عبر بوابة طهران والرياض، ولا يوجد أي تنسيق مباشر بين الحكومة اليمنية الشرعية والولايات المتحدة بشأن الأزمة اليمنية.
من المحتمل أن يختلف الأمر قليلا هذه المرة، أي في ولاية ترامب الثانية، باعتبار أن موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين ماركو روبيو وزيرا للخارجية في إدارة ترامب قد يحدث تغييرا نوعا ما في الموقف الأمريكي من الأزمة اليمنية، كون روبيو معروف بمواقفه المتشددة تجاه الحوثيين، وانتقاده لسياسات بايدن التي يعتبرها مشجعة للمليشيا المدعومة من إيران.
كما أنه يدعو إلى تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وهو ما تم في الأيام الأولى من فترة ترامب الثانية، ويطالب روبيو بالعودة إلى سياسات إدارة ترامب في ولايته الأولى التي تضمنت دعم التحالف الذي تقوده السعودية وممارسة ضغوط قصوى على إيران، ويرى أن الحوثيين يمثلون تهديدا كبيرا للشحن العالمي والاستقرار الإقليمي.
- عودة ترامب
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، من المتوقع أن يتبع نهجا مشابها لسياسته خلال ولايته الأولى تجاه الأزمة اليمنية، لكن في سياق إقليمي أكثر تعقيدا. ويمكن تلخيص التوقعات بشأن سياساته المتعلقة بالأزمة اليمنية كما يلي:
أولا، من المرجح أن تكون مواقف ترامب أكثر تشددا تجاه الحوثيين، خصوصا في حال واصلوا تهديد الملاحة في البحر الأحمر، ومن المحتمل أيضا أن يعزز دعمه للتحالف بقيادة السعودية حتى وإن كانت في حالة هدنة أو مصالحة مع الحوثيين، مستندا إلى إستراتيجيته السابقة في مواجهة إيران، وقد يشمل ذلك استئناف مبيعات الأسلحة، وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي، وممارسة مزيد من الضغوط على الحوثيين بعد تصنيفهم منظمة إرهابية أجنبية.
ثانيا، من المتوقع أن يعيد ترامب سياسة "الضغط الأقصى" على إيران التي نفذتها إدارته السابقة، والعمل على استمرار تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة، بما في ذلك تقييد دعمها للحوثيين، وفي الوقت نفسه ربما يوازن بين هذا الضغط ومحاولات فتح قنوات تفاوضية مع إيران والحوثيين، بهدف تحقيق تسويات أو على الأقل التوصل إلى اتفاقيات تخدم المصالح الأمريكية، وستظل الحرب الحاسمة خيارا مستبعدا إلا في حال برزت تطورات خطيرة دفعت باتجاه ذلك الخيار.
في المحصلة، تثير عودة ترامب تساؤلات حول إستراتيجيته في التعامل مع النزاعات وقضايا السلام في العالم، لا سيما في ظل تصريحاته التي تصف فترة ولايته الثانية بأنها حقبة إحلال السلام، ففي حين أعلن التزامه بإنهاء الحروب وتعزيز الاستقرار الدولي، فإن سجله السابق والسياسات المتوقعة تشير إلى نهج معقد ومثير للجدل، وتعامله المتوقع مع قضايا الشرق الأوسط يحمل ملامح أكثر صرامة.
وبالتالي تظل عودة ترامب إلى البيت الأبيض محكومة بتوازن دقيق بين أهدافه المعلنة لإحلال السلام وإصراره على سياسات الضغط الحازم، وهو ما يضع إدارته أمام تحديات التوفيق بين طموحاتها وسياقات الواقع المتغير في الشرق الأوسط والعالم.