تقارير
الاكتئاب.. انتشار ملحوظ في تعز وسط دعوات لتعزيز الدعم النفسي
في الوقت الذي تستمر فيه الحرب والحصار على مدينة تعز، يواجه السكان تحديات إنسانية ومعيشية كارثية، ولا يقتصر الحال على هذه التحديات فقط، بل برزت معاناة إضافية تهدد حياتهم بشكل غير مرئي، وهي انتشار الاكتئاب والاضطرابات النفسية، تشير الإحصائيات إلى زيادة في معدلات الإصابة بهذه الاضطرابات، مما يبرز الحاجة إلى تقديم الدعم النفسي والصحي للأفراد المتأثرين.
- صحفي يروي تجربته
الصحفي فخر العزب، الذي بدأ يعاني من أعراض الاكتئاب في عام 2020، يصف تلك الفترة بالكئيبة، قائلا: "شعرت بقلق شديد وأرَق مستمر، وكان عقلي مليئا بالأفكار السلبية التي لم أتمكن من السيطرة عليها، بعد فترة من المعاناة تم تشخيص حالتي بالاكتئاب".
وفيما يخص معاناته الشخصية، يؤكد العزب أن حالته لم تكن فردية، بل هي جزء من واقع يعيشه الكثير في صمت، ما دفعه إلى تبني مبادرة لنشر حالته الصحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهدف نشر الوعي حول الاكتئاب، وطرق التعامل معه.
يقول العزب: "ما مررت به كان مؤلما جدا، ولم يكن سهلا، لكنني أدركت أني لست وحدي في هذه المعركة".
- رحلة العلاج والتعافي
لم تكن رحلة العزب نحو الشفاء سهلة، فقد واجه العديد من التحديات، ومع ذلك استطاع -بفضل العلاج النفسي والدوائي والدعم الاجتماعي- التعافي منه.
يقول لموقع "بلقيس": "الاكتئاب ليس نهاية الطريق، بل بداية رحلة للبحث عن العلاج".
وفي حديثه عن تجربته، يوجّه العزب رسالة قائلا: "الاكتئاب مرض قابل للعلاج، ويجب عدم الاستسلام له"، داعيا الجميع إلى "طلب المساعدة عند الحاجة".
- فرحة منقوصة
تقول مريم، التي تعرضت لأزمة اكتئاب حادة بعد إجهاض توأمها: "كنت أحمل بداخلي فرحة لا توصف، فرحة الأمومة التي كنت أنتظرها بشوق؛ لكن القدر خطف مني كل شيء في لحظة".
تضيف مريم: "كنت أعمل في في وظيفة مرموقة، عندما علمت أني حامل بتوأم شعرت بسعادة، وكنت أخطط لمستقبل جميل مع طفلين، لكن المرض باغتني، وبعد صراع طويل أجبرت على اتخاذ قرار مؤلم بإنهاء الحمل".
تصف مريم شعورها باليأس والألم بعد فقدان أطفالها قائلة: "شعرت كأن جزءا مني قد مات معهم، العالم بالنسبة لي أصبح مظلما وكئيبا، فقدت التواصل مع الناس، اعتزلت في غرفتي، لا يأتي إليّ أحد، ولا أذهب إليهم".
تقول مريم: "في ذات يوم، طلبت من زوجي أن نذهب إلى البحر، فذهبت إلى عمقه، مكثت أمشي في أعماقه، ولم أنتبه أن الماء بدأ يغمرني،
كنت لا أبالي بشيء فقط أريد الهرب من هذا الألم، كنت أسمع صوت زوجي يناديني؛ لكنني كنت غارقة في عالم اليأس والعجز، ولحسن الحظ تمكن زوجي من إنقاذي؛ لأبدأ بعدها في رحلة العلاج النفسي".
- إحصائيات وتحديات
الدكتور عدنان القاضي، أستاذ مشارك في قسم الإرشاد النفسي بجامعة تعز واستشاري الدعم النفسي في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية، حذّر من ارتفاع ملحوظ في حالات الاكتئاب بين فئة الشباب في مدينة تعز، خاصة في الفئة العمرية بين "17 و29 عامًا".
وفي تصريح خاص لـ"بلقيس"، قال القاضي: "عدد الحالات المسجلة في المستشفى تجاوز الألف حالة هذا العام، مقارنة بـ866 حالة العام الماضي".
ويرجع القاضي هذا الارتفاع الحاد إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها: الفقدان، النزوح، توقف التعليم، البطالة، التدهور الاقتصادي، العنف والصراع، وغياب الدعم النفسي.
يضيف القاضي: "الاكتئاب الشديد المزمن يمكن أن يؤدي إلى تفكير سلبي عميق لدى المصاب، يدفعه إلى الشعور باليأس والعجز، وعدم القيمة".
وأشار القاضي إلى أن "الأشخاص، الذين يعانون من الاكتئاب الشديد، غالباً ما يعانون من انخفاض حاد في تقدير الذات، يكرهون أنفسهم، ويتهمون الآخرين بفشلهم، هذا الشعور بالوحدة واليأس يدفعهم إلى التفكير في إنهاء حياتهم كحل وحيد للتخلص من الألم النفسي".
وأوضح: "عوامل أخرى تساهم في زيادة خطر الانتحار لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب، مثل عدم وجود عائلة، أو أصدقاء يقدمون الدعم والعناية، التعرض لضغوط نفسية مستمرة؛ مثل الصراع والفقر والبطالة، وجود اضطرابات نفسية أخرى إلى جانب الاكتئاب".
- تعزيز الصحة النفسية
في إطار محاولات معالجة هذه الأزمة، أكد وزير الصحة، الدكتور قاسم بحيبح، على أهمية تعزيز الصحة النفسية في المجتمع، داعيا إلى ضرورة تضافر الجهود، وتبني خطط شاملة ومتعددة الجوانب.
وفي تصريح لـ"بلقيس"، شدد الوزير على ضرورة توعية المجتمع بأهمية الصحة النفسية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول الأمراض النفسية.
ودعا إلى إطلاق حملات توعية واسعة النطاق تستهدف مختلف شرائح المجتمع، مع الاستعانة بوسائل الإعلام والمِنصات الرقمية، وقيادات الرأي؛ لنشر رسائل إيجابية حول هذا الموضوع الحيوي.
- تعزيز الوعي والدعم المجتمعي
وأشار الوزير إلى أهمية الدعم المجتمعي في التعامل مع الأمراض النفسية، داعياً إلى تشجيع الحوار المفتوح حول هذه القضايا في المدارس، وأماكن العمل والمجتمعات، وإنشاء مجموعات دعم للمصابين وأسرهم.
كما أشار بحيبح إلى ضرورة توفير موازنات حكومية كافية لتطوير الخدمات الصحية النفسية، وتوفير مراكز صحية نفسية مجهّزة بكفاءة، وشدد على ضرورة تدريب الكوادر الصحية للتعامل مع المرضى النفسيين بحساسية واحترام، كما دعا إلى دمج الصحة النفسية في المناهج الدراسية، وتدريب المعلمين على التعرف على العلامات المبكرة للاضطرابات النفسية لدى الطلاب.
- آثار الاكتئاب
من جهته، أكد الدكتور علي الحاج، نائب منسق البرنامج الوطني للصحة النفسية في مكتب الصحة العامة والسكان، على خطورة الاكتئاب، وأثره الكبير على الفرد والمجتمع والاقتصاد.
وحذّر من أن الاكتئاب يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية، وانخراط الأفراد في دوامة من الغياب المتكرر، وعدم الالتزام بالمواعيد، مما يشكل عبئا اقتصادياً كبيراً على الدولة والمؤسسات والأسر.
ونقل الحاج -حسب "أطلس" منظمة الصحة العالمية- أن الاكتئاب يعتبر السبب الرئيسي للانتحار؛ كما أن الانتحار يعتبر السبب الثاني للوفاة بين الشباب في سن 15 - 29 عاما بعد حوادث السيارات.
وأشار إلى أنه -ما قبل عام 2023 وقبل إعلان الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية- لم تكن هناك إحصائيات دقيقة؛ بسبب شحة المراكز، والمستشفيات الخاصة بالصحة النفسية، وعدم تفعيل دور البرنامج الوطني للصحة النفسية على مستوى اليمن ككل.
وأضاف: "بعد إعلان الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية في 30/11/2022 لليمن من قِبل وزير الصحة العامة والسكان، بدأ تفعيل البرنامج الوطني للصحة النفسية، وتنظيم العمل في هذا المجال".
- الحرب والمعاناة
بدورها، تقول الأخصائية النفسية رقية الذبحاني، في تصريح لـ"بلقيس": "الأحداث، التي تشهدها مدينة تعز من نزوح وحرب، قد أدت إلى تفاقم المشاكل النفسية لدى السكان، خاصة الاكتئاب؛ بسبب التدهور النفسي؛ مثل وجود التوتر والقلق وغيره من الاضطرابات، ووجود الفقر والبطالة ساعدا على انتشار الاكتئاب؛ بسبب القلق المالي والشعور بالعجز".
وأوضحت الذبحاني: "الاكتئاب قد يصيب أي شخص، فالنساء أكثر عرضه من الرجال، والشباب والمراهقون يكونون معرضين للاكتئاب؛ بسبب التطور العاطفي والنفسي، والأطفال الذين يعيشون مع أسر معقدة لديها مشاكل فقر أو طلاق أو غيرها في ظل هذه الظروف الصعبة، خاصة مع التغيرات العاطفية والنفسية التي يمرون بها".
كما أشارت إلى أن "الأشخاص ذوي الإعاقات والأمراض المزمنة، وكذلك من يعانون من مشاكل اجتماعية؛ مثل الطلاق، هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب".
يشير تقرير "نظرة الاحتياجات الإنسانية في اليمن لعام 2023" إلى أن 120 ألف شخص فقط يحصلون على علاج ودعم في مجال الصحة النفسية دون انقطاع، من بين 7 ملايين شخص أُفيد بأنهم بحاجة إلى هذه الخدمات.
وتشير دراسة -أجرتها Epos للاستشارات والخدمات الصحية بدعم من مفوضية الاتحاد الأوروبي وبالشراكة مع وزارة الصحة العامة والسكان (تمثل 42 في المائة من سكان اليمن في عام 2019)- إلى أن الاضطرابات الناجمة عن الصدمات لديها أعلى نسبة بين اليمنيين، بمعدل 45 في المائة، يلي ذلك الاكتئاب بنسبة 27 في المائة: القلق النفسي بنسبة 25 في المائة، الفصام بنسبة 18 في المائة، الرهاب بنسبة 4 في المائة.