تقارير
المختطفون المفرج عنهم.. معاناة ضاعفها البُعد عن الأهل والأقارب
لم يستطع أمير سعيد الالتحاق بتعليمه الجامعي رغم تخرّجه من الثانوية -عام 2014- بمعدل عالٍ؛ لكن ظروف الحرب الدائرة في اليمن منعته من حريته وممارسة حياته وتعليمه وعمله.
توفي والده، وقبل أن يكمل أمير العزاء تعرَّض -وهو أكبر إخوته- للاختطاف والسجن من قبل مليشيا الحوثي طال ثماني سنوات.
يقول أمير لموقع "بلقيس" إنه تعرّض للاختطاف، وعمره 19 عاما، في منتصف عام 2015، من أمام منزله في منطقة شعوب جنوب العاصمة صنعاء، من قِبل مسلحي جماعة الحوثي، دون معرفة سبب ذلك، حسب قوله.
وأضاف: "تنقلت بين سجون مختلفة، من بينها سجن الأمن السياسي، تعرضت فيه -عدة مرات- للتهديد بالإعدام بطرق مرعبة نفسياً، وأخفيت قسرا لمدة ستة أشهر".
- من صنعاء إلى مأرب
أُطلق سراح أمير ضمن صفقة تبادل أسرى حرب ومختطفين (بين الحكومة وبين مليشيا الحوثي)، 16 أبريل 2023، لكنه رُحِّل إلى مأرب بعيدا عن أهله وأقاربه.
حسب كلامه لموقع "بلقيس"، لم يسبق له زيارة مدينة مأرب من قبل، لكنه أجبر على الخروج إليها بعيدا عن أسرته؛ ومايزال إلى اليوم بعيدا عنهم.
يقول أمير: "أصبحت اليوم في مأرب مهجرا ليس لي أحد هنا، ولا أقدر على دفع تكاليف نقل أسرتي، أو إيجار السكن هنا في مأرب".
وأضاف: "لي أخوات يعملن في صنعاء، وهن من يدفعن تكاليف المعيشة اليومية للأسرة؛ كوني الوحيد في الأسرة من الذكور، وأصبحت عاجزا عن العودة إلى أسرتي، وخائفا ومحتارا، وهنا لا أقدر على فعل شيء".
خرج أمير من السجن بأمراض مُزمنة متعددة؛ منها: القولون، والضغط، والسكر، والكلى، والتهابات العمود الفقري، بالإضافة إلى أمراض نفسية متعددة.
وأوضح لموقع "بلقيس": "لم أتلقَّ أي دعم، أو تبنِّي لعلاجي خارج البلاد؛ لإجراء العمليات اللازمة، وجلسات نفسية مهمة، بحسب توصيف الأطباء هنا في مأرب".
- ارتباط بصفقة التبادل
وبحسب أمير، طالب -عند إخراجه من السجن- بإعادته إلى أسرته في صنعاء، حيث تم اختطافه، لكن طلبه قوبل بالرفض من قِبل موظف الصليب الأحمر.
وأشار إلى أن موظف الصليب الأحمر رد عليه بالقول: "ضروري نسلمك في مأرب، أنت مرتبط بصفقة تبادل، ولا نستطيع إطلاق سراحك هنا".
وأكد أمير قائلا: "لو عُدت اليوم إلى صنعاء سيتم إعادتي إلى السجن، حيث لا أحد سيمنع الحوثي من ذلك".
وأضاف: "أصبحت اليوم أعيش كأنني في سجن، لكنه أكبر من السجن السابق؛ وكأنني لازلت مقيدا حيث لم أعد إلى دراستي، ولا أقدر على اللقاء بأسرتي".
- سجن آخر
من جهتها، قالت رئيسة رابطة أمهات المختطفين والمخفيين قسرا (مجتمع مدني)، أمة السلام الحاج، لموقع "بلقيس": "المختطفون المدنيون المفرج عنهم يتعرّضون لعدة انتهاكات، أثناء وبعد إطلاق سراحهم، بخلاف جريمة اختطافهم، وما يتعرّضون له في السجون، وتقييد حرياتهم لسنوات".
وأضافت الحاج: "عملية تبادل المختطفين المدنيين بأسرى حرب ومقاتلين تُعد انتهاكا خطيرا يتعرّض له المختطفون من منازلهم وأماكن عملهم، بالإضافة إلى عمليات تهجيرهم قسرا أثناء إطلاق سراحهم".
وتابعت: "يتم ترحيلهم إلى مناطق ليس لهم فيه لا أهل ولا أقارب، مما يشكّل -بالنسبة لهم- سجنا آخر".
- تحايل
تقول أمة السلام الحاج: "جماعة الحوثي تحايلت على دعوات رفض تبادل المختطفين المدنيين بأسرى حرب، وعملت على دفع المختطفين إلى الاعترافات بأنهم كانوا ضمن خلايا لأطراف الحرب، أو مشاركون في الحرب بطُرق أخرى، وقامت بمحاكمتهم، ورفع ملفات عنهم؛ كي تبرر عملية تبادل المدنيين بأسرى الحرب التابعين لها".
وأضافت: "المختطفون المفرج عنهم لا يوجد لهم أعمال، ويحرمون من وظائفهم التي كانوا يعملون فيها من قبل سواء كانت حكومية أو خاصة".
- ترحيل إجباري
تقول أمة السلام الحاج لموقع "بلقيس": "الرابطة التقت باللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن بهدف إيجاد سبيل للمّ شمل المختطفين المفرج عنهم وأسرهم".
وأوضحت: "الرابطة طرحت عددا من النقاط والعوائق التي تعرقل لمّ شمل المفرج عنهم بأهاليهم؛ منها نقاط التفتيش الحوثية على طول الطريق بين مناطق سيطرة الجماعة ومناطق سيطرة الحكومة، وما تتعرّض له النساء من إهانات ومعانات متعددة".
وأشارت إلى أن "اللجنة الدولية للصليب الأحمر لم توافق على تمويل مشروع لمّ شمل المختطفين بأسرهم، بحُجة عدم إمكانيّتها على تمويل هذه الاحتياجات".
وأضافت: "عملية إطلاق سراح المختطفين إلى مناطق وأماكن الاختطاف الأول يحتاج إلى ضمانات دولية، أو ضمانة بإشراف الصليب الأحمر".
وأكدت أن "هناك تجارب سابقة تشير إلى أن المختطفين تم الإفراج عنهم وعادو إلى مناطقهم الأصلية، فتعرضوا إما للإقامة الجبرية والرقابة من قِبل جماعة الحوثي، أو تم إعادتهم فعليا إلى السجون بتُهم واهية".
- يحددها الأطراف
يقول الناطق الرسمي للجنة الدولية في اليمن -بشير عمر-: "اللجنة الدولية للصليب الأحمر -بوصفها وسيطا محايدا- تعمل على تسهيل نقل المحتجزين المفرج عنهم من موقعهم الحالي إلى وجهتهم النهائية".
وأضاف: "تدعو اللجنة الدولية إلى أن يكون للمحتجزين السابقين حرية اختيار مكان عودتهم، إلا أن الوجهات، التي تسهل اللجنة الدولية الانتقال إليها، هي في الواقع متفق عليها مسبقًا بين الطرفين".
وأوضح: "قبل الإفراج عن المحتجزين، تتأكد اللجنة الدولية من استعدادهم لعملية الإفراج عنهم، ونقلهم إلى الطرف الآخر".
وأشار إلى أن "اللجنة الدولية -من حيث المبدأ- لا تنقل أي محتجز دون إرادته"، مؤكدا أن "هذا الأمر يظل ساريا حتى يوم النقل في المطار؛ لأن اللجنة الدولية ليست سلطة رقابية، ولا تملك سلطة الاحتفاظ بشخص لم يعد يرغب في نقله إلى الوجهة المتوقّعة".
وبيّن أن "اللجنة الدولية -خلال زياراتها السابقة للنقل- أجرت مقابلات فردية مع جميع المحتجزين، الذين أبدوا موافقتهم على إطلاق سراحهم".
ولفت إلى أن "هذه المقابلات تقيّم طبيعة ونطاق التهديدات المحتملة، التي قد يتعرض لها المحتجز عند إطلاق سراحه، أو عند عودته إلى أسرته، حتى يتسنّى له تقديم التوصيات المناسبة".
وقال: إن "هذه العملية تحديد المحتجزين الذين قد تكون لديهم مخاوف بشأن العودة إلى أي من الوجهات المتاحة، مما يسمح بمناقشة الحلول البديلة مع الطرف المعني".
وأوضح: "يشمل ذلك، على سبيل المثال، توصية السلطات المعنية بإصدار التعليمات المناسبة للسلطات، وقوات الأمن الخاضعة لسيطرتها، بما في ذلك نقاط التفتيش، وذلك لتسهيل سفر العائدين إلى محافظاتهم الأصلية".
وأكد عمر أن "اللجنة الدولية أيضا تقدّم لجميع المحتجزين المفرج عنهم مبلغا ماليا لتغطية تكاليف نقلهم من المطار، الذي وصلوا إليه، إلى مناطق سكنهم".
- 1769 سجينا أطلق سراحهم
وشهدت اليمن -منذ اندلاع الحرب بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية عام 2014- عمليات عدة تبادل فيها الطرفان مختطفين وأسرى، بشكل رسمي أو بوساطة أممية وبشكل غير رسمي، أو بوساطة مجتمعية محلية.
وقد نجحت الأمم المتحدة -حتى الآن- في إطلاق سراح 1796 مختطفا وأسيرا من سجون القوات الحكومية وسجون جماعة الحوثي -خلال الأعوام الماضية- ولا تزال السجون مليئة بالمختطفين والأسرى، ولازالت جولات التفاوض بين أطراف الحرب مستمرة لإطلاق سراح المختطفين والأسرى بشكل كامل.