تقارير
تحقيق يكشف وعود الإمام البدر بالاعتراف بإسرائيل مقابل دعمها للملكيين
في تحقيق استقصائي جديد لبرنامج "المتحري" على قناة الجزيرة، كُشفت للمرة الأولى تفاصيل مثيرة حول أول عملية نفذها الاحتلال الإسرائيلي في اليمن، والدعم العسكري السري الذي قدمته إسرائيل للإماميين "الملكيين" إبان حرب قيام الجمهورية اليمنية عام 1962، في سياق صراع إقليمي ودولي محموم على النفوذ في البحر الأحمر.
التحقيق الذي يقدمه الصحفي جمال المليكي تضمن وثائق وأرشيفات تعود إلى ثمانين عامًا، مسلطًا الضوء على الدور الإسرائيلي الخفي في تلك الحرب، التي شكلت منعطفًا مفصليًا في التاريخ اليمني الحديث.
اعتراف البدر بإسرائيل مقابل الدعم
تُظهر الوثائق – بحسب التحقيق – أن الإمام محمد البدر حميد الدين، آخر الأئمة في ما كان يعرف بالمملكة المتوكلية اليمنية، وعد بالاعتراف بإسرائيل في حال انتصاره على الجمهوريين المدعومين من مصر آنذاك.
وتشير المراسلات السرية إلى أن البدر كان يرى في إسرائيل حليفًا محتملًا ضد النفوذ الناصري في اليمن والمنطقة، ما مثّل – وفق مراقبين – أول محاولة رسمية يمنية للانفتاح على إسرائيل في سياق صراع داخلي.
يؤكد التحقيق أن أول عملية عسكرية نفذتها إسرائيل خارج حدودها كانت في السماء اليمنية، دعمًا لقوات الإماميين.
ففي أكتوبر/تشرين الأول 1962، عقد اجتماع سري بين ضابطين رفيعي المستوى من الاستخبارات الإسرائيلية والبريطانية، اتُفق خلاله على إنشاء جسر جوي لنقل الأسلحة إلى الملكيين عبر البحر الأحمر.
وانطلقت أولى الرحلات من قاعدة تل نوف الإسرائيلية في مارس/آذار 1964، مرورًا بجيبوتي، واستمرت على مدى عامين كاملين حتى مايو/أيار 1966، حين توقفت بعد اكتشاف القاهرة للعمليات واستعدادها لاعتراض الطائرات.
في سياق التحقيق، يصف البروفيسور إبراهيم كاهانا من جامعة حيفا تلك الحرب بأنها "أول حرب بالوكالة في الشرق الأوسط"، بينما أوضح المؤرخ آشر أوركابي أن إسرائيل كانت تهدف من دعم الإماميين إلى إضعاف الجيش المصري الذي كان يقاتل في صفوف الجمهوريين، معتبرة أن إطالة أمد الحرب في اليمن استنزاف غير مباشر للقاهرة.
كما يربط التحقيق بين تلك الأحداث التاريخية وبين عودة البحر الأحمر إلى واجهة الاهتمام الدولي عقب حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرًا إلى أن أمن الملاحة في هذه المنطقة ظل على الدوام ضمن أولويات إسرائيل الإستراتيجية لمنع تحوّل البحر الأحمر إلى "بحيرة عربية".
اليمن قاعدة للنضال الفلسطيني
التحقيق استعاد أيضًا مرحلة سبعينيات القرن الماضي، حين شكّل الشطر الجنوبي من اليمن حينها قاعدة خلفية للنضال الفلسطيني، ومقرًا آمنًا لتدريب المقاتلين.
وكشف القيادي الفلسطيني بسام أبو شريف أن جهاز "الموساد" ركز اهتمامه آنذاك على اليمن، بعد أن تحولت عدن إلى مركزٍ رئيسي للتخطيط لعمليات فدائية ضد أهداف إسرائيلية.
ومن أبرزها – كما يوثق التحقيق – عملية نوعية نفذها شاب فلسطيني من غزة يُدعى أبو حنفي، استهدف ناقلة نفط إسرائيلية قرب جزيرة ميون، وأصابها بخمسة صواريخ دقيقة، في هجوم وصفه الخبراء بأنه رسالة مبكرة عن امتداد الصراع العربي الإسرائيلي إلى الممرات البحرية الدولية.
ويعيد تحقيق "المتحري" المعنون "اليمن وإسرائيل.. جذور الصراع" فتح واحدة من أكثر الملفات تعقيدًا في تاريخ المنطقة، كاشفًا عن تشابك المصالح الدولية في اليمن منذ ستينيات القرن الماضي، وعن بداية علاقة سرية بين الإمام البدر وإسرائيل ما تزال ظلالها تلقي بآثارها على مسارات الصراع الإقليمي حتى اليوم.
ويأتي تحقيق المتحري بعد نحو عامين من الجدل الذي أثاره الفيلم الوثائقي "بساط التيه" الذي كشف الدور الخفي للنظام الإمامي في اليمن في تهجير يهود اليمن إلى إسرائيل ضمن واحدة من أكبر عمليات الترحيل المنظمة في المنطقة.
فبين عامي 1949 و1950، جرت عملية تهجير سرية تحت اسم "بساط الريح" (Operation Magic Carpet)، نُقل خلالها أكثر من خمسين ألف يهودي يمني عبر جسور جوية من صنعاء وعدن إلى تل أبيب، بترتيب مباشر بين السلطات البريطانية والإسرائيلية آنذاك، وبتعاون من الإماميين الذين رأوا في خروج اليهود مصلحة سياسية واقتصادية تخدم بقاء حكمهم، مقابل مكاسب مالية وسياسية.
ويُظهر الفيلم – الذي عرضته قناة الجزيرة في 2023 – أن العملية لم تكن مجرد هجرة دينية كما رُوِّج لاحقًا، بل صفقة سياسية ساهمت في دعم المشروع الصهيوني الناشئ، ومهّدت لعلاقات سرية مبكرة بين الكيان الإسرائيلي والنظام الإمامي في اليمن قبل سقوطه بثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962.