تقارير
سمك "الباغة".. طعام الفقراء في اليمن
وسط مجموعة من الزبائن، كان الخمسيني حسن الدعيس يزاحم لشراء أسماك "الباغة"، من محل لبيع السمك، بالقرب من جولة "الحبّاري" في منطقة "الحصبة" شمال العاصمة صنعاء، حيث اعتاد على شراء هذا الصّنف كلّما تيسّرت أحواله المالية.
لم يكن الدعيس يشتري هذا النوع من السمك قبل اندلاع الحرب نهاية 2014، حينما كان يعمل محاسباً في القطاع الخاص، إضافة إلى وظيفته الحكومية، إلا أنه في السنوات اللاحقة عجز عن شراء النوعيات الجيّدة، واتجه إلى شراء "الباغة".
يبتسم الدعيس وهو يقول لـ"بلقيس": "الظروف وتغيّر الأوضاع، جعلتنا نجرّب أشياء لم نكن نعرفها، ومنها الباغة التي تعد آخر ما يربطنا بأسماك البحر".
"الأفضل في السعر والمذاق"
ارتفعت أسعار الأسماك في السنوات الأخيرة أضعافا، ولم يعد بمقدور كل الناس تناول وجبة سمك إلا أن 'الباغة" (نوع من الأسماك الصغيرة) بقيت الأقرب إلى أيدي الفقراء ومحدودي الدخل.
بالقرب من الدعيس، كان أغلب الزبائن يطلبون الصنف ذاته، الذي لقي رواجا واسعاً، على الرغم من ارتفاع سعره من أقل من 250 ريالا قبل خمس سنوات إلى ما بين 800 و1000 ريال للكيلو الواحد حالياً.
ويفضل الأربعيني يوسف عبدالله سمك "الباغة" على أغلب الأسماك، ليس لأنه رخيص فقط، لكن لأن "طعمه ألذّ من كثير من الأنواع"، كما يقول لـ"بلقيس".
ويرى أن أصحاب محلات بيع الأسماك رفعوا سعره نظراً لإقبال الناس عليه، مع أن أسعاره في سوق "البليلي" (أشهر أسواق السمك في صنعاء) لا يتجاوز 400 ريال للكيلو الواحد.
"سليمان"، الذي يملك محلا لبيع السمك، يؤكد أن الأسعار ارتفعت بسبب تكاليف الصيد والنّقل، بالإضافة إلى أسعار مادة الغاز المنزلي، وزيت الطبخ الذي يستخدم في القلي.
ويتفق سلمان مع الدعيس، بأن إقبال الناس على "الباغة" تزايد، وصارت بضاعة رائجة، وربحها مضمون لكل أصحاب محلات السمك في صنعاء.
ثروة مهدورة
تطلّ اليمن على البحر الأحمر والبحر العربي، وتمتلك شريطا ساحليا يصل طوله إلى 2500 كيلو متر، يجعلها تمتلك ثروة سمكية كبيرة، وتزخر بالتنوع، إلا أن الاستثمار في هذا القطاع ظل محدودا، وتجري أغلب عمليات الصيد بالطّرق التقليدية القديمة.
سمك "الباغة" أحد الأسماك، التي تعد مصدر غذاء للأسماك الكبيرة، وتحرِّم بعض البلدان أو تقنن صيدها، للحفاظ على توازن البيئة البحرية، وحياة الكائنات التي تتغذّى عليها، خاصة أن عمليات الصيد تتم عبر الجرف بالشباك دون مراعاة لمواسم التكاثر.
"يوسف عبدالله" لا يهتم بالكلام عن البيئة البحرية، ولو توقف صيد "الباغة" لما استطاع أن يتناول السمك مرّة أخرى، فأسعار بقية الأصناف تنافس اللحوم الحمراء.
ومع اندلاع الحرب شهد قطاع صيد الأسماك تدهورا كبيرا، وتعرض الصيادون للكثير من الصعوبات والمضايقات، نتيجة سيطرة قوات التحالف العربي "الداعم للشرعية" على السواحل اليمنية، بحُجة منع تهريب السلاح لجماعة الحوثي.
ويشتكي الصيادون من فرض قوات التحالف إجراءات حرمتهم من حرية ممارسة مهنة الصيد، ووصلت حد المنع من الإبحار حتى في محافظات بعيدة عن أماكن المواجهات.
ومنذ بداية العام 2018 حتى أغسطس/ آب 2019، نفذت القوات البحرية للتحالف 5 هجمات قاتلة على قوارب صيد يمنية، شاركت فيها سفن حربية، وأسفرت عن مقتل 47 صيادا يمنيا على الأقل، منهم 7 أطفال، كما احتجزت أكثر من 100 آخرين، بعضهم تعرض للتعذيب في السجون السعودية، بحسب "هيومن رايتس ووتش".
وصارت الألغام البحرية، التي تزرعها جماعة الحوثي في سواحل محافظتي الحديدة وحجة، مصدر قلق للصيادين، جعلتهم يهجرون البحر على الرغم من ارتباط حياتهم ورزقهم به.
الصيد السّهل
صيد أسماك "الباغة" أسهل من بقية الأسماك الأخرى؛ لأنها تعيش بالقرب من الشواطئ، ويتم صيدها في الظلام باستخدام الشباك، عندما تمر على هيئة أسراب تشع أجسامها بالضوء، مما يخفف نسبة المخاطر على الصيادين الذين يجعلهم التعمّق في البحر عرضة للمضايقات من القوات المرابطة في البحر، أو القصف، بحسب عبده فتيني (أحد صيادي الحديدة).
ويقول فتيني: "حياة الصيادين في خطر، والتهديدات تحيط بهم من كل الجهات، وليس أمامهم سوى الموت بالقصف وبالألغام أو بالجوع مع أسرهم، ومن يغامر بالإبحار يجد أسعار الديزل وقطع غيار القوارب عقبة كبيرة تعترض طريقه".
ويضيف "أسعار الباغة في الحديدة رخيصة، لكن تكاليف النقل، والطلب عليها يرفع سعرها في المحافظات الأخرى"، مبدئيا استغرابه من الحديث عن مخاطر صيد "الباغة"، وتجاهل أوضاع الصيادين.