تقارير
كيف يحكم الحوثيون: سجون وقمع وعبادة شخصية ونهب للمساعدات الغذائية
بينما يُنظر إلى جماعة الحوثي على أنها جزء من "محور المقاومة" في المنطقة، وتُرفع شعاراتها في التظاهرات المؤيدة لفلسطين في أنحاء العالم، يعيش اليمنيون تحت حكمها واقعًا مختلفًا تمامًا.
في مايو الماضي، امتدحت حتى الولايات المتحدة صمود الحوثيين بعد مواجهات عسكرية معهم. فقد قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب حينها، معلنًا أن الجماعة وافقت على وقف هجماتها على السفن في البحر الأحمر عقب أسابيع من القصف الأميركي: "لقد ضربناهم بقوة... لكنهم يمتلكون قدرة كبيرة على التحمّل، يمكنك القول إن فيهم الكثير من الشجاعة."
لكن في الداخل اليمني، لا يرى المواطنون الخاضعون لسيطرة الحوثيين في تلك "الشجاعة" سوى وجه آخر للاستبداد والقمع.
ففي مقابلات أجرتها رويترز مع مئات اليمنيين الذين فرّوا من مناطق سيطرة الحوثيين، رسم هؤلاء صورة قاتمة لجماعة تحكم بالحديد والنار، تُسكت منتقديها، وتستغل الجوع وسوء الأحوال المعيشية لفرض الولاء، بل وتستخدم المساعدات الغذائية الدولية وسيلة لتجنيد الأطفال في صفوفها.
يقول عبدالسلام، مزارع في السابعة والثلاثين من عمره يعيش حاليًا في مخيم للنازحين: "الناس هناك بين نارين؛ إما أن تنضم إليهم وتحصل على سلة غذائية تُبقيك على قيد الحياة، أو ترفض فتموت جوعًا."
كثير من النازحين، مثل عبدالسلام، رفضوا الكشف عن أسمائهم الكاملة خوفًا على أقاربهم الذين ما زالوا يعيشون في مناطق سيطرة الجماعة.
- قبضة حديدية وخنق للمجتمع المدني
تُظهر شهادات المدنيين وعشرات العاملين في مجال الإغاثة، بالإضافة إلى مراجعة وثائق داخلية تابعة لوكالات أممية، كيف يفرض الحوثيون سيطرتهم المحكمة على المجتمع.
فإلى جانب الجبايات والضرائب المتعددة المفروضة على السكان الفقراء، تقوم الجماعة باعتقال المئات من العاملين في المنظمات الإنسانية والناشطين المحليين.
وفي أغسطس الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أن قوات الحوثيين اقتحمت مكاتبه في العاصمة صنعاء واعتقلت 15 موظفًا، ليرتفع عدد العاملين الإنسانيين المعتقلين إلى 53 شخصًا.
يقول أبو حمزة، أحد منشقّي الجماعة الذي أمضى عامًا في سجونها تحت الأرض بعد انتقاده لها علنًا: "لا أحد يتنفس بحرية... نحن محكومون بميليشيا تتدثّر بالدين."
ولم تتمكن رويترز من التحقق المستقل من جميع التفاصيل في شهادات هؤلاء، لكنها وجدت أن روايات الناجين متشابهة إلى حدّ كبير، وتنسجم مع تقارير المنظمات الحقوقية.
أما نصر الدين عامر، نائب رئيس المكتب الإعلامي للحوثيين، فاتهم وسائل الإعلام الغربية ودول الخليج بشنّ ما وصفه بـ"حملة شيطنة أميركية–صهيونية" ضد الجماعة بسبب مواقفها الداعمة لغزة، قائلاً إنّ "أدوات واشنطن في المنطقة، من السعودية والإمارات وغيرهما، تشارك في هذه الحملة".
- بلد جائع تحت حكم الميليشيا
ووفقًا لتصنيف الأمن الغذائي العالمي (IPC)، فإن أكثر من 17 مليون يمني – أي قرابة نصف السكان البالغ عددهم 40 مليونًا – يعانون من مستويات حادة من الجوع.
يُعزى تفاقم الأزمة جزئيًا إلى تراجع تمويل المساعدات الدولية، إذ خفّضت إدارة ترامب دعمها لوكالة التنمية الأميركية (USAID) ما أدى إلى توقف العديد من المشاريع الإنسانية حول العالم، بينها اليمن.
قالت وزارة الخارجية الأميركية إن "رفض الحوثيين السماح بوصول المساعدات الإنسانية بأمان يدفع إلى تفاقم الجوع في شمال اليمن".
- حرب غزة... تعاظم نفوذ الحوثيين
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، تعرض الحوثيون لسلسلة من الضربات الإسرائيلية والأميركية بعد مهاجمتهم إسرائيل بالصواريخ والطائرات المسيّرة.
وقد قُتل رئيس الوزراء المعيّن من قبل الجماعة وعدد من وزرائه في إحدى الغارات في أغسطس الماضي، لكن ذلك لم يردع الحوثيين عن مواصلة الهجمات.
تقول الباحثة ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إن "الحرب في غزة منحت الحوثيين دفعة هائلة؛ إذ استغلوا الزخم الشعبي والإعلامي ليقدّموا أنفسهم كجزء من محور المقاومة"، لكنها تؤكد أن "الغضب الشعبي داخل اليمن تجاه الجماعة يتزايد، خاصة مع تزايد المعاناة نتيجة الضربات الإسرائيلية الانتقامية."
وردّ نصر الدين عامر بالقول إن هذا الطرح "يتجاهل حقيقة أن شعارنا منذ اليوم الأول كان: الموت لأميركا، الموت لإسرائيل".
- عبادة الزعيم: كيف أسّس عبد الملك الحوثي نظاماً قائماً على الولاء والخوف؟
تتجاوز جماعة الحوثي كونها حركة مسلحة أو سلطة أمر واقع؛ فهي نظامٌ مغلقٌ يقوم على الولاء المطلق لزعيمه عبد الملك الحوثي، الذي لم يظهر علنًا منذ سنوات، لكنه يسيطر على البلاد من وراء الشاشات عبر خطابٍ ديني وسياسي يتخذ طابع القداسة.
تنحدر الحركة من المذهب الزيدي، أحد فروع الإسلام الشيعي الذي حكم شمال اليمن قرونًا قبل الوحدة عام 1990.
وتُعرف الجماعة رسميًا باسم "أنصار الله"، غير أن اسمها الشعبي مشتق من عائلة الحوثي التي قادت ما تصفه بـ"النهضة الدينية الزيدية"، ثم تحوّلت إلى حركة مسلحة منذ العقد الأول من الألفية.
- من جماعة دينية إلى سلطة مطلقة
قاد عبد الملك الحوثي الجماعة على مدى عقدين، من معارك صعدة الأولى ضد الحكومة اليمنية، إلى الحرب الأهلية الشاملة التي اندلعت عام 2014 حين استولت قواته على العاصمة صنعاء وأسقطت الحكومة المعترف بها دوليًا.
دفعت المخاوف السعودية من النفوذ الإيراني المتصاعد إلى تشكيل تحالف عربي ضد الحوثيين، بدعمٍ لوجستي واستخباراتي من الغرب.
وبعد سنوات من القتال المدمّر، خرج الحوثيون مسيطرين على الشمال، بينما تحوّلت بقية البلاد إلى فسيفساء من القوى المتناحرة المدعومة من السعودية والإمارات، ضمن ما يُعرف اليوم بـ مجلس القيادة الرئاسي.
وزير الإعلام في الحكومة اليمنية معمر الإرياني قلل في رده على أسئلة رويترز من حجم الانقسامات داخل المجلس، قائلاً إن "الحديث عن الخلافات مبالغ فيه... هناك تباين في الرؤى، لكن الجميع متفقون على الهدف الأسمى: استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي."
- الزعيم الغائب الذي يحضر في كل مكان
في صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة، تُبث خطابات عبد الملك الحوثي أسبوعيًا على شاشات عملاقة في الساحات العامة والمساجد والمدارس.
يحضر الآلاف في تجمعات منظمة لترديد الشعار المعروف باسم "الصرخة": الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام".
يُقدَّم الحوثي في الإعلام الرسمي كقائدٍ روحي وسياسي "معصوم من الخطأ"، وتُعلّق صوره في المكاتب الحكومية والمدارس، في مشهدٍ يذكّر بعبادة الشخصية في الأنظمة الشمولية.
يقول باحثون يمنيون إن عبد الملك الحوثي يحكم عبر دائرة ضيقة من الأقارب والمقرّبين، ويعتمد على شبكة أمنية ودينية تُشرف على مراقبة المجتمع ومحاسبة الموظفين.
ويُدار الخوف كسلاح سياسي: فقد وثّقت منظمات حقوقية آلاف حالات الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري في سجون الجماعة.
وردّ نصر الدين عامر، المتحدث باسم الحوثيين، قائلاً إن "الشعب اليمني يعرف أن حركتنا هي عودة إلى قيم القرآن وليست حركة عائلية"، نافياً وجود أي قمع أو عبادة للزعيم.
- التلقين الإجباري وغسيل العقول
تؤكد شهادات عشرات من النازحين والعاملين السابقين في مؤسسات حكومية تحت حكم الحوثيين أن الجماعة تُخضع الموظفين لـ جلسات تلقين ديني أسبوعية، تُبث فيها خطب عبد الملك الحوثي وتُوزّع منشورات فكرية تُروّج لأفكاره.
يقول عبد الملك، وهو معلم مدرسة فرّ إلى مأرب مطلع العام الماضي، إن مشرفًا حوثيًا أوقف راتبه وعلّق عمله لأنه رفض حضور جلسات التثقيف الديني. "من دون راتب لا يمكنك الحياة، ثم صاروا يزورون منزلي أسبوعيًا ليجبروني على التبرع لفعالياتهم المؤيدة لغزة."
لكن المتحدث الحوثي عامر نفى تلك الاتهامات، واصفًا إياها بأنها "ادعاءات باطلة لا أساس لها من الصحة"، وأضاف أن "لا أحد يُجبر على حضور الفعاليات أو على التبرع."
- حكم باسم الدين وبالحديد والنار
يعتمد النظام الحوثي على مزيجٍ من الخطاب الديني والشعارات الثورية لتبرير قبضته الأمنية واحتكار القرار السياسي والاقتصادي.
فبينما تُقدَّم الجماعة كـ"حركة مقاومة للمشروع الأميركي–الإسرائيلي"، تُمارس في الداخل أساليب السلطة المطلقة: اعتقالات، ضرائب ثقيلة، تقييد الحريات، وتحكم كامل في موارد الدولة والمساعدات.
تصف تقارير حقوقية اليمن اليوم بأنه "دولة داخل سجن كبير" في مناطق الحوثيين، حيث لا يُسمح إلا بصوت واحد، هو صوت الزعيم.
السيطرة على المساعدات: كيف نهب الحوثيون الإغاثة الإنسانية وحوّلوها إلى أداة للهيمنة
منذ سنوات، تُعدّ المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين المركز الأكبر لتوزيع المساعدات الإنسانية في اليمن، حيث يعيش فيها أكثر من ثلثي السكان البالغ عددهم نحو 34 مليون نسمة.
لكن تحقيق رويترز يكشف أن تلك المساعدات، بدل أن تصل إلى المحتاجين، أصبحت أداة سياسية واقتصادية يستخدمها الحوثيون لترسيخ سلطتهم ومعاقبة خصومهم.
- نهب منظم باسم “التنظيم”
يقول موظفون محليون عملوا مع وكالات الأمم المتحدة إن جماعة الحوثي أنشأت نظاماً موازياً لإدارة الإغاثة عبر “الهيئة الوطنية لتنسيق الشؤون الإنسانية” التي تفرض على المنظمات الأممية والدولية الحصول على تصاريح مسبقة لأي مشروع أو توزيع.
تُجبر المنظمات على توظيف أفراد موالين للجماعة، وعلى تمرير قوائم المستفيدين عبر مسؤولين حوثيين يبدّلون الأسماء أو يضيفون أقارب ومقاتلين ضمن “الفئات المستحقة”.
يقول أحد موظفي برنامج الأغذية العالمي، طلب حجب اسمه لأسباب أمنية: “لم نكن نملك سلطة حقيقية. إذا حاولت الاعتراض على القوائم أو أبلغت عن التلاعب، فمصيرك الاعتقال أو الترحيل.”
- مساعدات تُباع في الأسواق
في جولة لمراسلَي رويترز في صنعاء وتعز، شوهدت أكياس طحين وزيوت طعام تحمل شعارات “برنامج الأغذية العالمي” و“اليونيسف” تُباع علنًا في الأسواق المحلية، وقد أُزيلت عنها أحيانًا الملصقات الأصلية.
وأكد ثلاثة تجار أن معظم تلك السلع تأتي من مخازن تديرها شخصيات مرتبطة بالحوثيين، مشيرين إلى أن بيع المساعدات بات مصدر دخلٍ رئيسيٍّ لكثير من القادة الميدانيين.
ورغم شكاوى الأمم المتحدة المتكررة، لم تتخذ الجماعة أي خطوات حقيقية لوقف الانتهاكات. بل إن الحوثيين يتهمون الوكالات الدولية بالفساد ويطالبونها بدفع “رسوم إشراف” مقابل السماح لها بالعمل.
ردّ المتحدث باسم الحوثيين نصر الدين عامر على هذه المزاعم قائلاً: “هذا الكلام غير صحيح. المساعدات تُوزع بشفافية، لكن بعض الوكالات تتلاعب بالكميات أو تستخدمها لأغراض سياسية، ونحن فقط نحافظ على السيادة الوطنية.”
- التجويع كسلاح سياسي
وفقًا لتقارير داخلية اطلعت عليها رويترز، تستخدم الجماعة المساعدات للضغط على السكان في المناطق التي تشهد معارضة، فتحجبها عن بعض القرى أو العائلات التي تُتّهم بعدم “الولاء للقيادة”.
في محافظة حجة، قالت “سعاد”، وهي أرملة فقدت زوجها في الحرب: “حين اشتكينا من انقطاع الحصص الغذائية، قال لنا المشرف المحلي: من لا يحضر مسيرات السيد لا يستحق المساعدة.”
هذه السياسة، بحسب الأمم المتحدة، تُفاقم معاناة ملايين اليمنيين الذين يعيشون على حافة المجاعة.
وتشير تقديرات حديثة إلى أن أكثر من 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، معظمهم في مناطق سيطرة الحوثيين.
- ابتزاز المنظمات الدولية
كشفت رويترز أن مسؤولين حوثيين يفرضون على وكالات الأمم المتحدة ضرائب غير معلنة تصل إلى 2% من قيمة المساعدات، تحت مسمى “نفقات إدارية”، فضلًا عن اشتراط شراء الوقود والسلع من شركات موالية للجماعة.
تقول مسؤولة سابقة في منظمة إنسانية كبرى: “كنا نُجبر على توقيع اتفاقات بشروط مجحفة، وإلا تُوقف تصاريحنا. كانت بعض المشاريع تُجمّد لأشهر فقط لأننا رفضنا توظيف أبناء قياديين حوثيين.”
ورغم احتجاجات المانحين، تتردد الأمم المتحدة في المواجهة المباشرة مع الجماعة خوفًا من إغلاق ممرات الإغاثة الحيوية.
- الاقتصاد الرمادي للحوثيين
تقدّر مصادر اقتصادية يمنية أن الجماعة تجني سنويًا مئات الملايين من الدولارات من خلال السيطرة على المساعدات، والضرائب المفروضة على التجار، ورسوم الجمارك في الموانئ الشمالية.
هذه الأموال تُستخدم في تمويل الحرب وتجنيد المقاتلين، بينما تستمر رواتب موظفي القطاع العام بالانقطاع منذ 2016.
تقول تقارير المانحين الغربيين إن الحوثيين “حوّلوا الأزمة الإنسانية إلى اقتصادٍ موازٍ يمكّنهم من البقاء في السلطة رغم العزلة الدولية.”
- الأطفال المقاتلون: جيل يُربَّى على الحرب والطاعة
منذ اندلاع الحرب في اليمن قبل نحو عقد، حوّل الحوثيون المدارس والمخيمات والمساجد إلى منصّات تعبئة أيديولوجية وتجنيدٍ مبكرٍ للأطفال، في واحدة من أوسع عمليات التجنيد القسري التي شهدها العالم خلال العقد الأخير.
تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن الجماعة جنّدت أكثر من 18 ألف طفل منذ عام 2014، بعضهم لم يتجاوز العاشرة من عمره.
ورغم توقيع الحوثيين على اتفاقات لوقف تجنيد القاصرين، فإن التحقيق الميداني لرويترز يُظهر أن تلك الممارسات مستمرة وممنهجة تحت غطاء “التدريب الديني والدفاعي”.
- مدارس تحوّلت إلى معسكرات
في مناطق سيطرة الجماعة، باتت المدارس تدرّس مناهج جديدة تمجّد “الشهيد والمجاهد”، وتُدرج خطب عبد الملك الحوثي ضمن المقررات الأسبوعية.
تُعلّق صور قتلى الجماعة في الصفوف الدراسية، وتُقام احتفالات دورية لتكريم المقاتلين، حيث يُدعى الطلاب الصغار إلى “سلوك طريق الجهاد”.
قال أحد المعلمين في صنعاء لرويترز: “أُجبرنا على قراءة نصوص تعبويّة تمجّد القتال ضد أميركا وإسرائيل. من يرفض يُتَّهم بأنه مرتزق أو خائن.”
كما أكّد موظف سابق في وزارة التربية والتعليم بصنعاء أن الحوثيين أنشأوا ما يُعرف بـ “المراكز الصيفية”، وهي مخيمات إلزامية تضم مئات الآلاف من الأطفال، تُقدَّم على أنها أنشطة تربوية، لكنها في الواقع دورات أيديولوجية وعسكرية.
- من الفصول إلى الجبهات
أطفالٌ كثيرون ممن التحقوا بتلك المراكز ينتهي بهم المطاف في جبهات القتال.
قالت والدة طفل يبلغ 13 عامًا من محافظة عمران إنها فقدت ابنها بعد أن أخذه “مشرف ثقافي” بحجة المشاركة في دورة دينية: “قالوا لي إنه ذهب إلى الجنة شهيدًا. لم أر جثته، ولم أعرف أين قُتل.”
وأكدت تقارير الأمم المتحدة أن الحوثيين يدربون الأطفال على استخدام الأسلحة الخفيفة وزرع الألغام، ويزجّون بهم في المعارك ككشّافة أو حراس نقاط تفتيش.
وفي بعض الحالات، تُستخدم المساعدات الغذائية كوسيلة لتجنيد الأطفال، إذ يُقدَّم الطعام أو المال لأسرهم مقابل إرسال أبنائهم إلى “الدورات الصيفية”.
- غسيل دماغ واستغلال فقر
تُظهر شهادات ميدانية أن الفقر واليأس يدفعان عائلات كثيرة إلى القبول بإرسال أبنائها إلى تلك المراكز، خاصة مع انقطاع الرواتب وندرة فرص العمل.
في المقابل، يُقدَّم المجندون الصغار على شاشات التلفزيون الرسمي كأبطالٍ يدافعون عن “كرامة الأمة” ضد “العدوان الأمريكي–السعودي”.
قال أحد المنشقين الحوثيين لرويترز: “يُعلَّم الأطفال أن القائد هو ظلّ الله على الأرض، وأن طاعته واجبة دينيًا. بعد أشهر من التلقين، يصبح الطفل مستعدًا للموت دون سؤال.”
- رد الجماعة
أنكر المتحدث باسم الحوثيين نصر الدين عامر تجنيد الأطفال، واعتبره “افتراء من خصوم اليمن” قائلاً: “نحن نحمي أبناءنا ونربّيهم على حب الوطن والإسلام، لا على الحرب.”
لكن منظمات حقوقية، بينها هيومن رايتس ووتش واليونيسف، تؤكد أن الأدلة المصوّرة والميدانية تشير إلى أن تجنيد الأطفال ممارسة ممنهجة وواسعة النطاق في مناطق سيطرة الجماعة.
- جيل بلا طفولة
تُظهر صور حصلت عليها رويترز أطفالًا في زيّ عسكري يحملون بنادق كلاشنكوف أثناء عروضٍ مدرسية في صنعاء وصعدة.
في إحدى اللقطات، يقف طفل لا يتجاوز الثانية عشرة على منصة يصرخ بالحشود: “سنسحق أمريكا وإسرائيل تحت أقدام السيد.”
يصف باحث اجتماعي في صنعاء تلك الظاهرة بأنها “جيلٌ بلا طفولة”، نشأ على تمجيد الموت والطاعة العمياء، وهو ما يُنذر بدوام دورة العنف لعقود قادمة.
- نظام الرعب والصمت: السجون، القمع، ومستقبل اليمن المجهول
وراء واجهة الشعارات الثورية والدينية، أسّس الحوثيون في مناطق سيطرتهم جهازاً أمنياً واسعاً يعتمد على القمع والمراقبة والاعتقال، بهدف إسكات أي صوت معارض أو مستقل، سواء كان صحفياً، ناشطاً، أو حتى مسؤولاً حكومياً سابقاً.
تحقيق رويترز — استنادًا إلى شهادات معتقلين سابقين ووثائق حقوقية — يرسم صورة قاتمة لما وصفه أحد الحقوقيين بأنه “جمهورية الخوف” داخل شمال اليمن.
- سجون سرّية وتعذيب ممنهج
يقول معتقلون سابقون إنهم احتُجزوا في سجون غير رسمية داخل مبانٍ حكومية أو منازل صودرت من سياسيين معارضين.
أحدهم، ويدعى “ع.ص.”، وهو صحفي أُفرج عنه مؤخرًا بعد عامين من الاعتقال، روى لرويترز: “كانوا يغطّون وجهي ويضربونني بأسلاك كهربائية. سألوني عن اتصالاتي بالخارج وعن آرائي في السيد عبد الملك.”
وأضاف أن المحققين كانوا يستخدمون أساليب التعذيب النفسي، مثل الحرمان من النوم والعزل الطويل، وأن بعض زملائه توفوا تحت التعذيب أو أُخفيت جثثهم.
من جانبها، نفت سلطات الحوثيين هذه المزاعم، وزعمت أن “الاحتجاز يتم وفق القانون” وأن التقارير الحقوقية “جزء من حملة تشويه تقودها أجهزة استخبارات أجنبية.”
- قمع الإعلام والمجتمع المدني
أغلقت الجماعة عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية المستقلة منذ عام 2015، وصادرت مقرات القنوات التلفزيونية، وأجبرت الصحفيين على توقيع تعهدات بعدم “نشر مواد تُضعف الجبهة الداخلية”.
تقول صحفية يمنية فرت من صنعاء إلى عدن عام 2023: “لم نعد نستطيع نشر شيء دون موافقة المشرف الأمني. مجرد تغريدة قد تؤدي بك إلى السجن.”
كما تم تفكيك منظمات المجتمع المدني أو تحويلها إلى واجهات موالية للجماعة، بينما يُلاحق العاملون في المنظمات المستقلة بتهم “التخابر مع الخارج”.
- حياة تحت المراقبة
يصف سكان صنعاء شعورهم اليومي بـ “الاختناق” نتيجة انتشار شبكة من المخبرين داخل الأحياء، تُعرف محلياً باسم “المشرفين”، وهم مندوبون يتبعون مكتب السيد مباشرة.
هؤلاء يراقبون النشاط التجاري والإعلامي والديني، ويرفعون تقارير عن أي “سلوك مريب” أو “كلام غير لائق بحق القيادة”.
قال أحد الموظفين الحكوميين لرويترز: “لا يمكنك أن تثق بجارك. الكل يخاف من الكل.”
في الوقت نفسه، تستمر الاحتفالات الرسمية بذكرى “الصرخة” و”يوم الشهيد” و”المولد النبوي”، التي تتحول إلى استعراضات ضخمة للولاء، تُفرض فيها المشاركة على المؤسسات والمدارس تحت التهديد بالعقاب الإداري.
- اقتصاد الحرب وثراء النخبة الجديدة
بينما يعيش معظم السكان في فقر مدقع، ظهرت طبقة جديدة من الأثرياء المرتبطين بالقيادة الحوثية، يمتلكون عقارات فخمة وشركات تجارية عملاقة في صنعاء وذمار وصعدة.
يقول اقتصادي يمني إن الجماعة “أنشأت اقتصاداً قائماً على الضرائب غير القانونية واحتكار الوقود والمساعدات”، مضيفًا أن “الحرب تحوّلت إلى مشروع اقتصادي” يمكّن القادة من البقاء في السلطة.
- مستقبل غامض
يخلص التقرير إلى أن اليمن يعيش اليوم انقساماً فعلياً إلى دولتين: شمالٌ يخضع لحكمٍ حوثيٍّ عقائديٍّ متصلب، وجنوبٌ تتقاسمه قوى محلية مدعومة من التحالف العربي، بينما تتآكل سلطة مجلس القيادة الرئاسي ويستمر الانهيار الاقتصادي.
تحذّر الأمم المتحدة من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى “تجذير حكم الأمر الواقع”، بحيث يصبح الحوثيون كياناً شبيهاً بـ“حزب الله” في لبنان، يتمتع بسلطة مطلقة داخل أراضيهم وشرعيةٍ أمرٍ واقع خارجها.
في المقابل، يرى محللون يمنيون أن غياب الإصلاح الحقيقي في معسكر الحكومة — والانقسامات داخل المجلس الرئاسي — يمنح الحوثيين الوقت لترسيخ سيطرتهم، ويجعل من أي تسوية سياسية شاملة أمرًا بعيد المنال.
بعد عقد من الحرب، لم تعد اليمن مجرد ساحة نزاع، بل مختبرًا لسلطة دينية مغلقة تستخدم الإيمان والجوع والسلاح لفرض الطاعة. في شمال البلاد، يتحدث الناس همسًا، ويعيشون في ظل قائدٍ لا يُرى، لكنه حاضرٌ في كل مكان.”