تقارير
ما وراء رفض الانتقالي انعقاد البرلمان في العاصمة المؤقتة عدن؟
خلال الفترة الماضية، لم يتوقف خطاب الانتقالي عن دعوة الحكومة وهيئات الشرعية إلى العودة والعمل من الداخل، إلا أن ما يفعله على الأرض يتناقض مع هذه الدعوات.
ليست هذه المرة الأولى التي يرفض فيها الانتقالي عمل إحدى مؤسسات الشرعية من العمل من عدن، فقبلها قامت القوات الموالية له بشن هجمات عسكرية انتهت بإخراج الحكومة من العاصمة المؤقتة، قبل أن تعود مكبلة اليدين ومحدودة السلطات.
وفي حين يقول البعض إن الانتقالي يتعمد عرقلة عمل الشرعية وتجميد مؤسساتها، ثم يعود لتحميلها كل مظاهر الفشل القائمة، خصوصاً في عدن، يقول أنصار الانتقالي إن مجلس النواب لم يعد له أي شرعية، وبالتالي لا مكان له في هيكل الشرعية الحالية، ولا فائدة أصلاً من انعقاده.
- فاقد للشرعية
يقول منصور صالح: "هناك مبالغة في تضخيم قضية مجلس النواب، والمجلس ليس كيانًا من المكونات التي تم التوافق حولها بين المجلس الانتقالي والحكومة الشرعية".
وأضاف: "مجلس النواب فاقد للشرعية الدستورية والقانونية، سواء من ناحية الدستور المعطل أو من ناحية الشعبية، باعتبار أنه نتج عن تزوير لإرادة الناخبين عام 2003، وتقاسم للدوائر بين حزبي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح".
وأوضح: "المجلس لم يؤد أي مهمة إيجابية خلال السنوات الماضية، وكان صامتًا منذ ما قبل الحرب، ثم عقد جلسة عام 2019 لانتخاب هيئة رئاسة، ومنذ ذلك الوقت لم يتحرك".
ولفت إلى أن "النواب يعيشون في الخارج، وفجأة قرروا مراقبة السلطات المحلية".
وأكد: "البرلمان غير مؤهل، وينتشر فيه الفساد والفشل وانعدام الشرعية، وظهوره بهذه الصورة في الآونة الأخيرة لا يعدو كونه استفزازًا ومحاولة لخلط الأوراق وتعطيل الجهود في مواجهة الحوثيين".
ونفى أن يكون موقف الانتقالي متناقضًا تجاه الحكومة، موضحًا أن "المشكلة تكمن في وعي بعض النخب الشمالية الذين يتعاملون مع الوضع وكأنه لا يزال كما كان في عام 94، متجاهلين أن الجنوب تغيّر منذ 2015 بعد طرد الحوثيين، وسيطرة القوات الجنوبية على الأرض".
وشدد على أن "القوى الأخرى يجب أن تحترم إرادة الجنوبيين وتضحياتهم، وعلى أن مؤسسات الدولة لا يمكن أن تعمل في الجنوب إلا بتوافق ورضا القيادات الجنوبية وشعب الجنوب".
وتابع: "حكومة المناصفة ومجلس القيادة الرئاسي هما نتاج لتفاهمات تمت بمشاركة الانتقالي، وهذه المؤسسات هي ما يعترف به الانتقالي ويلتزم بالتعامل معها، أما البرلمان فلم يكن جزءًا من تلك التفاهمات".
وزاد: "البرلمان لا يمتلك شرعية قانونية أو دستورية أو شعبية في الجنوب، وبالتالي فإن أي تحرك له غير معترف به جنوبيًا"، واصفًا تحركاته بمحاولات الاستفزاز والعبث.
واستطرد: "الانتقالي لا يخشى الرقابة أو كشف الفساد، لكنه يرفض أن يتولى هذه المهمة برلمان يفتقد المشروعية، خاصةً وأن النواب غائبون عن دوائرهم، ولا يواجهون الحوثيين، ولا يتواصلون مع ناخبيهم".
وأشار إلى أن "الجنوب اليوم ليس كما كان، ولا يمكن لأي جهة أن تتحرك فيه أو تصدر أوامر دون تفاهم وتنسيق مسبق".
وجدد رفض الانتقالي لتحركات البرلمان، مؤكدًا أن "عدن ليست ساحة للاستفزاز، بل عاصمة مؤقتة للمعركة ضد الحوثيين".
ولفت إلى أن "عدن اليوم تمنح الشرعية للآخرين، وأن المجلس الانتقالي يستمد شرعيته من تضحيات الشهداء ومن تحرير الجنوب، وليس من أي جهة أخرى".
واتهم البرلمان بأنه "لم يقدم شيئًا سوى خدمة أعضائه، وساهم في إضفاء الشرعية على سلطة الحوثيين سابقًا حين اجتمع بمباركة من الرئيس السابق علي عبدالله صالح".
- الانتقالي يرفض الشرعية عموماً
يقول المحلل السياسي الدكتور عادل الشجاع: "رفض الانتقالي للبرلمان ليس جديدًا، بل هو يرفض الشرعية عمومًا، ولا يسمح لمؤسساتها بالعمل، بل يفرض إرادته على كل ما يجري".
وأضاف: "القول بعدم شرعية البرلمان يتعارض مع قواعد شرعية البرلمانات في العالم"، مشيرًا إلى أن "البرلمان يبقى شرعيًا حتى مع تعطل عمله، كما حدث مع البرلمان اللبناني".
واعتبر أن "تحديد شرعية البرلمان من قِبل قوى تحكم بقوة السلاح، مثل الانتقالي، أمر غير مقبول"، داعيًا هذه القوى إلى تهيئة الظروف لانتخابات عامة بدلًا من فرض رؤاها بالقوة.
وأوضح أن "ما يجري في اليمن يخالف المنطق والدساتير، وأن الجميع يعمل من موقع مصالحه الخاصة، وهو ما يعطل التنمية".
وأشار إلى أن "عدن تعاني من أزمات خدمية ومعيشية، بينما القوى المسيطرة عليها تعطل مؤسسات الدولة"، مؤكدًا أن "المواطن هو الضحية الحقيقية".
وأكد أنه ليس من المدافعين عن مجلس النواب، لكنه يرفض أن تقوم قوى انقلابية بتحديد مشروعية المؤسسات الدستورية.
واتهم التحالف العربي، خاصة السعودية، بمنح الانتقالي غطاءً سياسيًا، مشيرًا إلى أن "المجلس لم يلتزم باتفاق الرياض، ولم يدمج قواته في وزارتي الدفاع والداخلية".
وقال إن "الشرعية ومجلس النواب يتحملان المسؤولية؛ لأنهما سكتا عن ممارسات الانتقالي، وسمحا له بأن يصبح جزءًا من تركيبة الدولة، رغم انقلابه عليها في 2019".
ولفت إلى أن "قرار البرلمان مختطف، مثل قرار الشرعية، وأن السيادة اليمنية أصبحت بيد الرباعية الدولية (السعودية، الإمارات، أمريكا، بريطانيا)".
واعتبر أن "الاعتراف الدولي هو ما يمنح الشرعية اليوم، وأن المجلس الانتقالي يستفيد من الشرعية حين يريد، لكنه لا يعترف بها حين تتعارض مع مصالحه".
وشدد على أن "الحديث عن أن مجلس النواب لا يمثل الجنوبيين لا يغير من حقيقة أنه مؤسسة دستورية تمثل الجمهورية اليمنية، وأن المجلس الانتقالي نفسه أدى اليمين الدستورية أمامه".
واتهم الانتقالي بتعطيل التنمية وتحويل عدن إلى ساحة للصراع بدلًا من أن تكون مركزًا للقرار السياسي، داعيًا إلى الاستفادة من عدن كعاصمة سياسية واقتصادية بدلًا من تحويلها إلى ساحة نزاع.
وقال: "مجلس النواب لا يمكن إلغاؤه إلا بانتخابات، وإذا كان لدى الانتقالي ثقة، فعليه الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة".
وأضاف: "البرلمان يبقى هو المؤسسة الوحيدة التي يقر بها المجتمع الدولي كممثل للشرعية اليمنية".