تقارير

ما وراء غياب الملف اليمني في القمة الخليجية - الأمريكية؟

17/05/2025, 05:46:37

كان لافتًا غياب الملف اليمني من مباحثات السعودية مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وكذلك من القمة الخليجية - الأمريكية، وكأنّ هذه الدول لم تخض حربًا في اليمن.

وقد ورد ذكر اليمن بشكل عرضي، وغالبًا ما تم اختزالها في جماعة الحوثي، ما يطرح تساؤلات حول موقع "الشرعية" في هذا المشهد: هل أصبحت خارج الصورة؟

- الملف الثاني بعد فلسطين

يقول رئيس مركز نشوان للدراسات، عادل الأحمدي: "حين نتحدث عن الشرعية، فإننا لا نتحدث عن نظام حاكم في الوقت الراهن فقط، بل عن قضية تتعلق بالصراع على المشروعية مع جماعة استولت على العاصمة".

وأضاف: "ما تبقى بأيدينا هو ما استطعنا الحفاظ عليه: مشروعيتنا، وجزء من دولتنا، وبعض مدننا، وقواتنا المسلحة التي أعدنا بناءها بالتعاون مع الأشقاء والأصدقاء".

وأوضح: "صحيح أن هناك قصورًا في الأداء، وتباطؤًا في التحرير، لكن لا ينبغي أن يتحول الأمر إلى سخرية من الغطاء الشرعي، الذي يمثل رافعة مهمة، بغض النظر عن الأشخاص القائمين عليه، هم موظفون لدى الشعب، ويجب أن نخرج من هذه الحرب الممتدة منذ تمرد الحوثيين الأول عام 2004 بالحفاظ على الشرعية".

ويرى: "معظم اليمنيين، بحكم التجربة التاريخية، يعانون من صعوبة في التكيّف مع فكرة الدّولة: ثورة 26 سبتمبر في الشمال لم تخلف إرثًا مؤسساتيًا للدولة، بخلاف مصر مثلًا، في الجنوب تركت السلطنات والاستعمار فراغًا مماثلًا".

واستطرد: "من الخطأ القول إن الملف اليمني غائب، بل كان الملف الثاني بعد فلسطين في خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال القمة، ما يعكس أهميته القصوى لدى دول الخليج، خاصة السعودية، بخلاف سوريا، التي حُسم أمرها بوجود طرف واحد مهيمن على الأرض، لا يزال الملف اليمني مفتوحًا ومعقدًا".

وبيّن: "حين قال أمير الكويت 'السلطات المعنية باليمن'، فإنه لم يقصد الاعتراف بالحوثيين كسلطة شرعية، وقد تم تصحيح الخطاب لاحقًا إلى 'السلطات غير الشرعية'".

ونوّه: "كما أن الحكومة الشرعية لم تكن غائبة تمامًا، فهناك تواصل دائم بين رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي مع سفراء أمريكا وبريطانيا وفرنسا، وظهرت مواقف قوية في كلمات مثل كلمة الأستاذ عبدالرزاق الهجري في قمة برلمانات الدول الإسلامية في إندونيسيا مؤخرًا".

وأشار: "نعم، هناك قصور اقتصادي وخدمي، لكن لا يجوز المزايدة على الشرعية في الجانب السيادي، ومعركتنا الأساسية".

وأكد: "السعودية، بحكم الجغرافيا، حريصة على إنهاء الخطر الحوثي القريب من حدودها، ولكن علينا كيمنيين أن نتصرف باعتبار التحرير قضية وطنية أولًا".

وحذّر من أن "الأخطر من كل شيء هو أن نقوم بالتشكيك في مشروعية القيادة. هذه مسألة خطيرة للغاية؛ لأنها تصب في مصلحة الحوثي، الذي لا تنقصه السيطرة على الأرض أو العاصمة، بل تنقصه الشرعية".

وقال: "إذا قمنا نحن بالتشكيك في شرعية السلطة والدولة، التي تمثل القضية اليمنية في هذه المرحلة، فنحن بذلك نخدم الحوثي، ونساوي بينه وبين الشرعية. بعد ذلك، لن يبقى هناك أي مبرر أو دافع لمواجهة الحوثي".

وأضاف: "الشرعية الحالية، كما تأسست بعد المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011، تُمثّل الإطار الذي نحارب من خلاله مشروع الحوثي، وهي الأساس الذي نعتمد عليه سياسيًا ودبلوماسيًا".

وتابع: "نحن مع تجديد الشرعية، وقد حدث ذلك بالفعل، من خلال توسيع مظلة الشرعية لا إلغائها".

واعتبر أن "ما جرى هو إعادة هيكلة للشرعية بطريقة تستوعب تطورات المرحلة، وتضم مختلف القوى السياسية والعسكرية، التي نشأت خلال الحرب لمواجهة الحوثي".

وذكّر بأن "هناك اتفاقات متراكمة منذ المبادرة الخليجية، مرورًا بمؤتمر الحوار الوطني، ثم التوافقات التي فرضت نفسها على واقع اليمن. هذه الاتفاقات جاءت نتيجة تعذَّر التطبيق الحرفي للدستور، خاصة في ما يتعلق بنقل السلطة؛ لأنك لا تستطيع إجراء انتخابات في جميع أنحاء اليمن، بما في ذلك العاصمة المحتلة من قِبل جماعة تدين بالولاء لإيران".

وخلص إلى أن "تشكيل مجلس القيادة الرئاسي لم يكن خروجًا عن الدستور، بل تجديدًا لشكل السلطة، مع الحفاظ على روح الدستور والقانون، ووفق ظروف استثنائية تتطلب حلولًا مرنة وواقعية".

- لم يُغيّب بل هُمش

يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة الدكتور فيصل الحذيفي: "الملف اليمني لم يُغيّب بل هُمش؛ الغياب يعني الاستبعاد الكامل، لكن ما حدث هو تقزيم حضور اليمن. لم يظهر ممثلو السلطة الشرعية كما ظهر ممثل النظام السوري، وغُيِّبت السلطة بسبب التنازع الحاصل بين سلطتين: سلطة أمر واقع يمثلها الحوثيون، وسلطة معترف بها دوليًا لكنها فاقدة للفعالية".

وأضاف: "للأسف، بات الحوثيون يُقدَّمون دوليًا وإعلاميًا على أنهم يمثلون اليمن، وهذا خطر جسيم. حتى الإعلام الإيراني يحرص على تقديمهم كسلطة يمنية شرعية، دون وجود رد فعل إعلامي فاعل من الطرف الشرعي. الاستثناء الوحيد كان بعض كلمات عبدالرزاق الهجري، ممثل حزب الإصلاح، التي جاءت على استحياء".

وانتقد بشدة: "الولايات المتحدة تمارس قصفًا وحشيًا في اليمن، ودولة الاحتلال تدمر البنية التحتية اليمنية، ومع ذلك يتم التعتيم على الملف اليمني لتفادي إثارة قضايا قانونية وأخلاقية، مثل خرق القانون الدولي الإنساني".

وأوضح: "إن كان العداء للحوثيين، فليلاحقوا قياداتهم ميدانيًا، لا أن يدمروا المطارات والموانئ ومحطات الكهرباء".

وأكد: "الحوثيون لم يبنوا هذه المنشآت، بل يستفيدون من تدميرها لتعزيز نمط سلطتهم الانعزالية".

وبيّن: "إذا أردنا فهم تطورات اليمن، علينا العودة إلى أصل المشكلة: المبادرة الخليجية، التي نقلت السلطة بطريقة غير دستورية، عبر التوافق السياسي وليس الانتخاب، وعيّنت رئيسًا عبر الاستفتاء بدلًا من الانتخابات التنافسية التي ينص عليها الدستور".

ولفت: "لاحقًا، نقل الرئيس عبدربه منصور هادي السلطة إلى مجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أعضاء، في خطوة غير دستورية؛ كون الدستور لا يسمح إلا بنقل السلطة إلى نائب الرئيس".

وتابع: "ونتيجة لذلك، انتقلنا من سلطة 'شرعية' إلى سلطة 'معترف بها'. ومع غياب أي إنجاز ميداني أو خدمي أو اقتصادي منذ أبريل 2022، فقدت هذه السلطة أي شرعية فعلية.. لا خطاب سياسي مقنع، لا خدمات، لا أمن، لا رواتب. الناس يرونهم كـ'أصفار' سياسيًا، منزوعي القيمة داخليًا وخارجيًا".

وزاد: "والنتيجة أن الملف اليمني أُهمل إعلاميًا، حتى لا يُفتح الباب لنقاشات حول خرق القانون الدولي كما حدث في فلسطين، حيث أصبح الخطاب الإنساني هو المدخل لتجريم الاحتلال"، معتقدا أن "التعتيم متعمد لتفادي أي محاسبة دولية لما يُرتكب في اليمن".

وقال: "نحن نقرأ سلوك السعودية والإمارات، ونجد أنهما الجهتان اللتان قامتا فعليًا بانتزاع السلطة الشرعية. لقد لعبتا في إعداد وتشكيل هذه السلطة، ودفعتا نحو انقلاب ناعم ساوى بين السلطة الشرعية والانقلاب الحوثي.

وأضاف متسائلا: "ما الفرق اليوم بين سلطات مجلس القيادة الثمانية والانقلاب الحوثي؟ الحوثي جاء بانقلاب عسكري، أما الثمانية فجاءوا بانقلاب ناعم، جرى عبر السعودية والإمارات من خلال إعلان غير دستوري وغير قانوني".

واتهم السعودية: "من رفع الحوثي وأعطاه قيمة سياسية هي السعودية، حين همّشت السلطة الشرعية، وبدأت تتحاور معه بشكل مباشر، تارةً فوق الطاولة، وتارةً من تحتها، أو حتى عبر وسطاء كعُمان والمبعوثيَن الأممي والأمريكي، مؤكدا "هكذا أصبحت السعودية تمارس نوعًا من الاستضعاف المتعمد للسلطة التي يُطلق عليها اسم 'شرعية'، وهي في الحقيقة مجرد تسمية مجازية".

وبيَّن قائلاً: "مفهوم الشرعية والمشروعية محددان بوضوح في الدستور والقانون؛ فالمشروعية تعني أن تصل السلطة إلى الحكم عبر الدستور، وهذا لم يحدث مع المجلس الرئاسي الحالي، لم يصلوا عبر أي إطار دستوري أو قانوني، بل جاءوا بإعلان لا يستند لأي شرعية قانونية، والشرعية كذلك تعني أن تمارس السلطة مهامها بما يُرضي جمهورها ومواطنيها، وهو ما لم يتحقق".

وانتقد أداء السلطة: "هذه السلطة لم تحقق شيئًا لمواطنيها، ولم تأتِ إلى الحكم بطريقة شرعية، بالتالي من أوجد هذه السلطة بالشكل الهش هي السعودية والإمارات، وبدأت تتعامل معهم كأمر واقع، بل وتُبدي استعدادًا لإدماجهم ضمن السلطة الشرعية، إذا ما قبلوا بشروطها، تمامًا كما فعلت مع المجلس الانتقالي".

واستطرد: "الانتقالي، وهو فصيل سياسي عسكري، دُعم سعوديًا وإماراتيًا، وانقلب على الشرعية عسكريًا. فماذا فعلت السعودية؟ أدمجته ضمن الشرعية عبر اتفاق الرياض الأول والثاني، والآن تسعى إلى إدماج كافة التكتلات المتناقضة تحت مظلة الشرعية، بما فيهم الحوثيون".

وذهب إلى القول: "أنا أؤكد لكم أن السعودية ستسعى إلى أن تمسك العصا من الوسط: مع إيران، ومع الولايات المتحدة، ومع عُمان، ومع الحوثيين، ومع الكنتونات التي تُسمّى شرعية، لتدمج هذا الخليط الفسيفسائي في كيان سياسي لا يصلح أن يكون سلطة حاكمة".

وأوضح: "جرى إضعاف الشرعية مبكرًا منذ المبادرة الخليجية، لكن الانهيار الأكبر حدث عند إعلان نقل السلطة من رئيس لديه نصف شرعية إلى ثمانية لا يملكون أي شرعية".

وتابع: "بذلك، انتقلنا من سلطة شرعية – مهما كانت محدودة – إلى سلطة معترف بها فقط، من يتحكم بالملف اليمني الآن هي الرباعية: السعودية، الإمارات، بريطانيا، والولايات المتحدة، وهذه الجهات هي التي تعتمد هذه السلطة، وتمنحها غطاء الشرعية خارج إطار الإرادة الشعبية".

وشدد على أن "الشرعية لا يمنحها إلا الشعب، عن طريق الانتخابات، واليوم، لا شيء يمنع من إجراء انتخابات في المناطق المحررة، لتُمنح هذه السلطة شرعيتها الشعبية، وتُصبح سلطة شرعية على كامل التراب اليمني، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون".

وقال: "ألاحظ أن الشرعية تقيم في الخارج، وتدير ظهرها للشعب اليمني، ولم تقدم له أبسط حقوقه؛ لا كهرباء، لا ماء، لا أمن، لا خدمات، لا شيء يُذكر، إذًا عن أي شرعية نتحدث؟".

وأضاف متسائلا: "ماذا قدموا في ملف الكهرباء؟ في الماء؟ في الأمن؟ في تحريك الجبهات؟ في استعادة القرار السيادي؟ في طرد الإمارات من سقطرى؟ في إخراج القواعد العسكرية من جزيرة ميون؟ في تحرير المنافذ وجعلها يمنية؟ في تحريك عجلة الاستثمار؟ في تصدير النفط لحل الأزمة اليمنية؟ في رفع رواتب الناس؟ لا شيء".

وتابع: "لم يبدأوا حتى برؤية تنموية واحدة، لم يفعلوا شيئًا، نحن إذًا أمام سلطة مفروضة من الخارج، معترف بها دوليًا، لكننا كشعب لم نخترها، ولم تمنحنا شيئًا".

ويرى أن "البديل لهذه السلطة الميتة هو الشعب اليمني نفسه، في لحظة المواجهة مع الحوثيين وجهًا لوجه، ستُولد شرعية ثورية، الشعب هو من سيُعيد بناء الشرعية، لا السعودية، ولا الإمارات، ولا هذه النخب الراكدة".

وأشار إلى أن "كل حركات التحرر في العالم نشأت من حركات شعبية، واستمدت شرعيتها من القيم الأخلاقية التي دعت الناس للالتفاف حولها".

تقارير

احتراف التسول.. ظاهرة متفاقمة وأسباب متعددة

في مشهدٍ يتكرر يوميًا في شوارع مدينة تعز، تتعالى أصوات بعض النساء، وهن يصرخن ويستنجدن بالمارّة، بينما يجلس أطفال صغار على بطانيات مهترئة مفروشة على الأرصفة، بأجساد هزيلة وملابس ممزّقة، في محاولةٍ صارخة لاستدرار العطف.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.