تقارير
من التحرر إلى التبعية: كيف تحول جنوب اليمن إلى ساحة مفتوحة لإرادات الخارج؟
انطلقت شرارة ثورة الرابع عشر من أكتوبر تلك من جبال ردفان عام 1963، وكانت ميلاد حلم التحرر الوطني وبناء الدولة، وقد مرت أكثر من ستة عقود منذ أن نهض جنوب البلاد من تحت ركام الاحتلال البريطاني ليكتب واحدة من أنصع صفحات الكفاح العربي ضد الاستعمار.
كان الهدف من الثورة واضحًا، حرية كاملة وكرامة إنسانية ودولة سيدة على أرضها وقرارها، لكنها اليوم تبدو كأنها محاصرة بين جدران النفوذ الإقليمي وصخب الميليشيات شمالًا وجنوبًا، والتجاذبات والمشاريع الخارجية التي لا ترى في اليمن سوى ساحة نفوذ، لتنقلب على قيم الثورة بعد أن تحولت الجغرافيا المحررة إلى فسيفساء من الولاءات الممزقة.
أما عدن، التي حلم بها اليمنيون كعاصمة مؤقتة لتحرير كافة البلاد من ميليشيا الحوثي، فأصبحت اليوم عاصمة مثقلة بالتجريف السياسي والأمني والاقتصادي.
- تخادم الاحتلال والإمام
يقول المحلل السياسي حسن مغلس إن ثورة الرابع عشر من أكتوبر، صحيح أنها جاءت بعد 26 سبتمبر، لكنها كانت موجودة أساسًا من خلال التحرك الجماهيري الذي كان موجودًا في داخل عدن، وغالب راجح لبوزة لم يكن مستجدًا حين ذهب إلى صنعاء، بل كان يتابع ما يجري داخل عدن من تحرك ثوري عبر النقابات، عبر الطلاب، وأكيد كان هناك تواصل.
وأضاف: ذهاب الشيخ، رحمة الله عليه، الشهيد غالب بن راجح لبوزة إلى صنعاء ليؤازر ثورة 26 سبتمبر لم يكن من فراغ، هو ومجموعة الناس الذين طلعوا ليؤازروا سبتمبر.
وتابع: ثورة 14 أكتوبر هي نتيجة، ولكنها في الأصل، لو كانت انتصرت الثورة في الجنوب قبل الشمال، كان أيضًا بعدها في الشمال ستسقط الإمامة، لذا فالثورتان نستطيع أن نقول إن كليهما من مشكاة واحدة، وفي صالح الشعب اليمني شماله وجنوبه.
وأردف: كان هناك تخادم بين بريطانيا والإمام، تخادم واضح، وكلاهما تعرض لثورة الشعب، سواء في سبتمبر أو في أكتوبر.
وزاد: كانت في الخمسينات هناك مظاهرات نقابية وطلابية ونسوية، ونشطت بعد ذلك، وكان هناك وعي ممتاز جدًا.
وقال: كان الذي في الشمال هو في الجنوب، والذي في الجنوب هو في الشمال، وأيهما سيبدأ، الثاني بعده، وهذا طبيعي جدًا، ولهذا ننظر لأكتوبر وسبتمبر بأنها ثورة واحدة من شعب واحد.
- مشروع حالة استعمارية
يقول الصحفي والناشط السياسي شفيع العبد إن نضالات أبناء الجنوب ضد المستعمر البريطاني لم تكن قد بدأت في 14 أكتوبر 63، وإنما سبقت ذلك لفترات طويلة جدًا، منذ وجود المستعمر على أرض الجنوب.
وأضاف: رأينا كثيرًا من الانتفاضات والثورات التي عبّر أبناء الجنوب فيها عن رفضهم لهذا الوجود، منها مثلًا ثورة بن عبدات أو انتفاضة بن عبدات في حضرموت، وكذلك الربيزي في شبوة وغيرها، لكن ربما اختيار 14 أكتوبر واختيار ردفان له دلالات سياسية، لها علاقة بالثقل الذي كان لطرف معين في تلك المرحلة.
وتابع: الثورة لم تنجز أهدافها إلا عندما انتقلت عملية الكفاح المسلح إلى عدن، وظهرت كثير من التشكيلات النقابية والعمالية التي قاومت المستعمر البريطاني، عندها استطاع أبناء اليمن، على اعتبار أن حركة النضال كانت واحدة في عدن في تلك الفترة، أن ينجزوا ثورتهم من خلال طرد آخر جندي بريطاني ورحيله عن عدن في 30 نوفمبر 67.
وأردف: المؤسف أننا نتعامل مع الثورة كأنها مجرد ذكرى عابرة أو يوم نرقص ونغني فيه ونحتفي، ثم ننسى كل ما جاءت من أجله الثورة.
وزاد: الثورة هي قيمة أساسية وقيمة كبيرة جدًا، الثورة تعني الحرية، تعني العدالة، تعني المساواة، تعني السيادة الوطنية، وتعني امتلاك القرار الوطني واستقلاليته، بعيدًا عن أي تدخلات خارجية، مهما كان حجم هذه التدخلات أو نوعها أو طبيعتها.
وقال: الثوار لم يكن خروجهم على المستعمر مجرد رغبة في إخراج هذا المستعمر واستبداله بآخر، بالعكس، كانت أهدافهم الأساسية هي بناء دولة ذات سيادة على هذه الرقعة الجغرافية.
وأضاف: ثورة 14 أكتوبر استطاعت أن تنتج لنا ثنائية الدولة والهوية. هذه الرقعة الجغرافية التي سُمّيت بعد الاستقلال الوطني بجمهورية اليمن الجنوبية ثم الديمقراطية الشعبية، لم تكن وحدة إدارية أو سياسية واحدة قبل ثورة 14 أكتوبر، بالعكس، كانت عبارة عن إمارات وسلطنات ومشايخ، لكل واحدة منها نهجها، وكل واحدة منها اتجاهاتها، وأيضًا حالة من التناحر فيما بينها.
وتابع: لكن استطاع ثوار 14 أكتوبر بمختلف توجهاتهم، سواء في جبهة التحرير أو في الجبهة القومية، أن يوحدوا جهودهم باتجاه إخراج المستعمر البريطاني، وتوحيد هذه البقعة الجغرافية في إطار دولة واحدة وهوية واحدة.
وأردف: ثورة 14 أكتوبر لم تكن حالة عبثية أو خطأ كبيرًا من الثوار تستدعي الاعتذار للمستعمر البريطاني، كما ذهب أحدهم إلى الاعتذار لبريطانيا علنًا، دون خجل من دماء الناس وتضحياتهم، أو حتى خجلًا من التاريخ ومن هذه الجغرافيا التي ارتوت بدماء الناس.
وزاد: المؤسف أن ثورة 14 أكتوبر تأتي، ليس اليوم فقط، وإنما خلال السنوات السابقة، والجنوب يعاني حالة كبيرة جدًا من الانقسام والتشرذم، وكذلك عودة الدعوات للمشاريع الاستعمارية التي ناهضتها ثورة 14 أكتوبر واستطاعت أن تسقطها في مهدها.
وقال: اليوم، هناك من يتحدث ويرفع شعار الجنوب العربي ومشروع الجنوب العربي، ثم يذهب لكي يحتفي بثورة 14 أكتوبر، وهذه حالة من سخرية التاريخ، لا يمكن لعاقل أن يتعاطى معها أو يقف أمامها دون أن يبدي امتعاضه منها.
وأضاف: ثورة 14 أكتوبر أسقطت مشروع الجنوب العربي، فمشروع الجنوب العربي هو حالة استعمارية أرادت بريطانيا أن تفرضها على هذه البقعة الجغرافية بهدف استمرار نفوذها واستمرار سطوتها عليها، لكن الثوار رفضوها في وقتها، وأسقطوها، وأعلنوا قيام نظام جمهوري، دولة عدالة ومساواة.
وتابع: ما حدث من أخطاء، وما حدث من تجاوزات في التجربة، من خلال السلطات المتعاقبة التي تولت نظام الحكم ما بعد الثورة، حتى الذهاب إلى دولة الوحدة، لا تتحمل ثورة 14 أكتوبر هذه الأخطاء، بل تتحملها السلطات المتعاقبة، وتتحملها الأنظمة الإقصائية التي تفردت بالحكم بمعزل عن الآخرين، وأرادت أن تسوق التاريخ وفق منطلقها، دون أي اعتبار للقيم التي جاءت من أجلها ثورة 14 أكتوبر.
- مطالب التحرر مستمرة
تقول الناشطة الحقوقية لينا الحسني: كنا نعتبر ثورة 14 أكتوبر، التي هي توّجتنا بالاستقلال، والتي كان من أهم مطالبها التحرر من الاستعمار ومن الحكم السلاطيني، ومن جميع أنواع العنف الممارس ضد الشعب.
وأضافت: كان هناك أمل كبير في هذا التحرر، ولا زال إلى هذا الوقت حيًا في قلوب أبناء اليمن في جنوب اليمن، ولا يزال مطلب التحرر متواجدًا إلى الآن، سواء كانوا تحت سلطة قمعية أو تحت جماعات مسلحة أو تحت أي مسمى، فمطلب التحرر ومطلب العدالة الاجتماعية ما زالا متواجدين إلى الآن.
وتابعت: هناك تشابه بين الأنظمة القمعية وبين أنظمة الاحتلال في الممارسات التي تمارسها ضد السكان، تتشابه في الانتهاكات، وأتكلم من وجهة نظري كعاملة في المجال الحقوقي والإنساني.
وأردفت: هذه الأنظمة القمعية تتشابه مع أنظمة الاحتلال في الانتهاكات وفي قمع الحريات، لأن الأنظمة القمعية وأنظمة الاحتلال تعمل على تقييد الحريات الأساسية.