تقارير
"نادين".. قصة طفلة يمنية تواجه الإعاقة والسرطان بالتسوّل في شوارع صنعاء
تعجز "نادين" ذات الـ12 ربيعاً عن تحريك قدميها، والاستناد بهم للمشي، نتيجة إصابتها بمرض شلل الأطفال باكراً.
لم تُعانِ نادين مضاعفات إعاقتها فحسب، بل يتكوّر "ورم سرطاني" في وجهها، الذي سرق منه براءة الأطفال المستبدلة بوجع السرطان.
استعانت الطفلة بكرسي متحرّك لتنقلاتها المحددة في جحيم مهنة التسوّل. تتناوب بدفعه من الخلف شقيقتاها اللتان يكبُرنها سناً، صوب المكان الذي تمتد فيه أيادي أهل الخير لمساعدة الطفلة المعاقة نادين، والمصابة بالسرطان مذ قدمت إلى الحياة التي تخوض من خلالها معارك يغمرها الوجع والأنين، وسط مدينة تتقلب أمزجة طقسها باستمرار، تعتلي تفاصيله حالة مطلقة من البؤس والحرمان.
شقيقتها "ندى"، التي تكبرها بـ5 أعوام، تقول لموقع "بلقيس": "نجي كل يوم معها من شأن نسحب لها الكرسي، لأنها معاقة ومصابة بالسرطان في وجهها من يوم خُلقت، وتحتاج للمساعدة، لأننا أسرة فقيرة، وأبي ما يستطيع يعالجها، ما هو من اليوم، من أول ما مرضت وهي مولودة".
ــ وجع مُكرر
شاءت الأقدار أن تحوّل حياة الطفلة نادين إلى مأساة إنسانية، تقاذفها الألم عن طريق الإصابات المُزمنة، التي شلّت حركتها، وكرر أنينها المتواصل احتلال ذاك الورم السرطاني الخبيث مساحة من وجهها، الذي أهدره الوجع.
تقول الطفلة لموقع "بلقيس": "ما أقدر أتحرّك الا بمساعدة أخواتي، وهذا الورم الذي بوجهي يوجعني من حين وأنا صغيرة، وكل وقت يزيد".
من بقدرته البذل لإيقاف تمدد هذا الورم الخبيث عن وجه تشرّدت منه ملامح الطفولة بصورة مؤلمة وقاسية.
ساد الفقر والعوز حياة الأسرة قبل وبعد مجيء الطفلة نادين إلى الكون في هذا البلد الأكثر من بائس، ولازمها سُوء الأوضاع المعيشية، وتعقّدها بصورة مُزمنة.
تقول شقيقتها ندى لموقع "بلقيس": "من حين وهي صغيرة ما تقدر تمشي مثلنا ولا تتحرّك، لأنها أصيبت بالشلل، أبي ما كان ساتر يعالجها، ظروفنا صعبة قوي من زمان".
يقف الفقر وعدم الاهتمام خلف مأساة الطفلة نادين، ليحول بينها وبين القدرة على حركة قدميها، وكذلك من اقتلاع الورم عن وجهها في وقت مبكّر، لتجد نفسها لاحقاً كتلة من الأوجاع المتضخّمة مع مرور الزمن. تقول نادين لموقع "بلقيس": "ما أنا ساترة أخطى، أرجلي مشلولة، والورم قد هو يغطي على عيني".
يتكرر وجع الطفلة نادين ثلاث مرات، ليستمر برفقة مشوار حياتها ربّما، كونها معاقة وتعاني آلام ورم سرطاني في الوجه، إضافة إلى اضطرارها إلى الالتحاق بظاهرة التسوّل إجبارياً، كونها طفلة مُتعبة لأسرة فقيرة ضاقت بها الظروف وتقطّعت بها السُبُل العلاجية والمعيشية.
ــ طفولة مهدورة
شكّلت الظروف الراهنة الصعبة، التي تمر بها البلاد، توسعاً كاسحاً في انخراط أعداد مرتفعة من الأطفال اليمنيين (ذكورا، إناثا) في مستنقع ظاهرة التسوّل، التي تعد تهديداً صريحاً للطفولة، لما لها من أضرار سلبية ومأساوية عليهم.
إذ تقف الحاجة خلف تلك الزيادة المرعبة للأطفال المتسوّلين في صنعاء تحديداً، كما في حالة الطفلة نادين التي لم يسبق لها أن امتدت يدها لطلب العون والمساعدة من الآخرين، إلا في السنوات الأخيرة التي تكاد تفتك بالمواطنين، من قسوة الظروف وبؤس الحاجة للأشياء الأساسية.
تقول نادين لموقع "بلقيس": "بابا ما عاد يشتغل مع الحرب، وأخرج مع أخواتي هنا، والناس يعطوني لأني مريضة ومعاقة".
لم تستثمر نادين إعاقتها وإصابتها بالسرطان لكسب تعاطف الآخرين، بل لأنهم أسرة تعاني من الفقر بصورة دائمة، وزادت الحرب وظروفها المتخلّقة من مأساة أسرتها.
شقيقتها الأخرى "نجود"، البالغة من العمر 18 عاماً، تقول لموقع "بلقيس": "من أول ما كنا نخرج نتسوّل بأختي، ومن يوم خُلقت والورم بحقها الوجه، ومعاقة، أبي هو فقير، والحرب أفقرته زيادة، وكل الناس قد هم محتاجين للمساعدات".
ونظراً لاستمرار سُوء الأحوال المعيشية على المواطنين بصورة شاملة، أصبح الأطفال عرضة للتسوّل، دون أن تُوضع الحلول الناجعة للحد من تفشّي الظاهرة وأثرها الخطير على الطفولة في اليمن بصورة مأساوية.
- فقر مُزمن
لم تحظَ الطفلة نادين على رعاية طبيّة لازمة وأساسية منذ ولادتها، ولم تلاقِ أي اهتمام أو متابعة تُذكر، خصوصاً من قِبل أُسرتها التي حالفها الفقر بصورة قاسية.
أضافت شقيقتها "ندى" لموقع "بلقيس": "ظروفنا تاعبة من زمان، كان أبي يلاه يوفّر لنا المأكل والسكن، ما كان يستطيع يعالج أختي نادين، لأن تكلفة علاجها تحتاج فلوس خيرات، أبي فقير لا كان موظف ولا شيء، هو غير شاقي".
يصادف أحياناً أن تعوم أسرة ما في بُحيرة من الكوارث التي تلحق بها، على امتداد مشوارها الطويل في الحياة، حتى تكاد تغرق، كما هو الحال في رحلة الطفلة نادين وأسرتها مع الحياة الأليمة بالنسبة لهم ولموطنهم اليمن، الذي يعيش صراعات وحروبا بلا توقف، فاقمت من نشوء العديد من الظواهر السلبية.