منوعات
أطفال البدو الرحل.. الجهل هاجس يؤرق فتيان الصحراء
لم يتمكن عبد الله هداس (45 عامًا) من إلحاق طفله البالغ من العمر 11 عامًا، من سكان البدو الرُحَّل في صحراء مديرية المضاربة، كبرى مديريات محافظة لحج من حيث المساحة؛ جراء عدم وجود مدرسة قريبة من بلدات البدو الرُحَّل، وخوفًا عليه من الطريق الطويل أثناء سيره ما يزيد عن 20 كيلومترًا إلى أقرب مدرسة، لينضم الطفل إلى العشرات من سكان البدو الرُحَّل في قائمة الأمية التي تنامت في سنوات ما بعد الحرب، وباتت تهدد المئات من أطفال البدو الرُحَّل في لحج.
قرابة تسعين كيلومترًا بين وادي الجحار والماجلية بمحافظة لحج، تتناثر عشرات العِشَش وأعواد القَش التي يقطنها المئات من البدو الرُحَّل، ينتقلون في تلك الصحراء لرعي الإبل وبقية أنعامهم، في حياة معدمة من كل مقومات الحياة.
حيث يقول عبد الله هداس لقناة بلقيس إنهم يعيشون هذه الحياة منذ عشرات السنين، ولا رزق ولا مصدر لحياتهم سوى الرعي وما تجود به تلك الحيوانات التي ترافقهم في تلك البادية من عيشٍ يُبقيهم على مائدة الحياة.
وأشار إلى أنهم قد تجرعوا هذا المر على مدى عقود من الزمن مع آبائهم، من حيث الحرمان من كل أساسيات ومقومات الحياة، لكنهم يعيشون القهر وهم يرون أطفالهم يسيرون على ذات النهج من حيث الحرمان من التعليم، والذي ينعكس على بقية مناحي حياتهم، كون التعليم هو الأساس لأي نهضة.
مضيفًا أنه لم يتمكن حتى اللحظة من إدخال ولده أي مدرسة بسبب عدم وجود مدرسة قريبة منهم، فهو يقضي جل وقته راحلًا في تلك الصحراء حيث الكلأ والماء، فيما يقوم الأطفال بمساعدة الأسرة في جلب المياه.
وبات من الصعوبة إرساله إلى مدرسة تبعد أكثر من 20 كيلومترًا عن مسكنهم لعدم وجود مواصلات ولصعوبة نقله، ناهيك عن الخوف عليه من الطريق، حيث يمتنع بعض سائقي السيارات عن نقله نحو المنطقة القريبة من المدرسة، بالإضافة إلى تخوفهم من نقله على الأطقم العسكرية ذات القيادة المتهورة، والتي أودت ببعض الأطفال في السنوات الماضية.
في منطقة الماجلية شمال لحج، أسهمت مبادرة تبناها الشيخ راشد بن راشد هزاع في جمع أطفال البدو الرُحَّل في المنطقة، حيث يتلقون التعليم منذ ثلاث سنوات من خلال التعاقد مع معلمين من مديرية ذُباب للتدريس في المنطقة المتاخمة لباب المندب.
لم تستقر العملية التعليمية في منطقة الماجلية – وفق الشيخ راشد – في بداية الأمر، فتارة تنطلق ثم تتعثر جراء غياب الاهتمام، لكنها خلال السنوات الثلاث الأخيرة استقرت بفعل وعي المجتمع، والتعاقد عن طريق مكتب التربية والتعليم مع معلمين من مديرية ذُباب، لا سيما وأن المدرسة اعتُبرت تابعة لمدرسة "سقيا".
ويُمنِّي الشيخ راشد هزاع النفس بأن تكون هناك مدرسة تحت مبنى تعليمي معتمد بدلاً عن الخيام التي يعانون منها في ظل الرياح القوية، خاصة أن المنطقة تُعد من المناطق الساحلية.
ويرى محمد العاطفي، الناشط الاجتماعي، أن مناطق البدو الرُحَّل التي تنتشر في المناطق الصحراوية بين لحج وعدن شغوفة بالتعليم، بعد رؤيتهم لمعاناة أهاليهم جراء حرمانهم من التعليم، وهم متصفون بالذكاء بفعل الطبيعة التي يعيشون فيها، لكن أهاليهم قلقون من بُعد المدارس ومتخوفون في ذات الوقت عليهم من حوادث السيارات.
موضحًا في سياق حديثه أن بعضًا من البدو الرُحَّل حصلوا مؤخرًا على بعض الوظائف العسكرية بعد سنوات من النسيان، لكنهم ما زالوا يعيشون حياةً فقيرةً جدًا من كل الخدمات.
وأشار العاطفي في حديثه لقناة بلقيس إلى أن أطفال البدو الرُحَّل حان الوقت بعد هذه السنوات لتمكينهم من التعليم، من خلال تأسيس مدارس ابتدائية حتى يقوى الطفل ويستطيع الانتقال إلى المدارس الأخرى لمواصلة تعليمه، من خلال اضطلاع مكتب التربية والتعليم والمنظمات الدولية بإدماج هذه الفئة في المجتمع، وخلق جيل متسلح بالعلم لتخفيف معاناة البدو الرُحَّل في المجالات المختلفة.