منوعات
'الختايم' في حضرموت.. تقليد ديني واجتماعي لتوديع رمضان
في محافظة حضرموت، شرق البلاد، ما تزال الطقوس والتقاليد الدِّينية والتراثية حاضرة في حياة المجتمع، لاسيما المرتبطة بالشهر الفضيل. تُعرف هذه الطقوس ب"الختايم"، التي تميّز محافظة حضرموت، كُبرى محافظات البلاد، منذ عشرات السنين عن غيرها من المحافظات.
في الفترة من الثامن من رمضان وحتى الثامن والعشرين منه، تشهد جوامع حضرموت الاحتفالات الشعبية الخاصة بتقليد "الختم والختايم"، حيث تنتقل هذه المناسبة بين الأحياء المختلفة، بدءًا من مسجد "بايعشوت"، وانتهاءً بجوامع ومساجد عدّة في وادي وساحل حضرموت.
وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان، يتوافد المصلون من أكثر من مسجد وجامع لإقامة الختم.
تُعد مدينة تريم، في وادي حضرموت (تبعد 365 كيلو مترًا عن مدينة المكلا "المركز الإداري لمحافظة حضرموت")، أولى المناطق التي شهدت ظهور طقوس "الختايم" قبل أكثر من ثلاثمائة عام من قِبل الفِرق الصوفية قبْل أن تنتقل عبر "الإمارة الكسائية" إلى بقية مناطق حضرموت.
يقول خالد مدرك (باحث تاريخي) لموقع "بلقيس": "الختايم في حضرموت تُعد من العادات والتقاليد الحضرمية الرّمضانية، وهذه الختايم مصدرها
مدينة تريم في حضرموت".
وأضاف: "انتقلت 'الختايم' إلى مدينة المكلا في عهد الإمارة 'الكسادية' في الساحل الحضرمي قبل ثلاثمائة سنة".
وأوضح: "كلمة 'الختايم' لها منطلقات دينية، وهي تُستمد من كلمة ختم القرآن الكريم، وهي إتمام القرآن الكريم".
وأشار إلى أن "أهل تريم عندما يختمون القرآن الكريم يعملون له مناسبة رمضانية في المسجد؛ تُقرأ فيه الأوراد والمأثورات الدِّينية".
وتابع: "وعلى هامش ختم القرآن، يقوم المصلون بدعوة أقربائهم، وتُقام هناك الأسواق الخاصة ببيع المكسرات، أو بيع ألعاب الأطفال".
وأكد أن "الختم أصبح يمثل احتفالا دينيًا ثقافيًا اجتماعيًا حضرميًا نادرًا لا نجد له مثيلا سوى في حضرموت".
وبيَّن مدرك: "المساجد، في المكلا، لها برامج خاصة"؛ مشيرا إلى "أن أول ختم للقرآن يكون في مسجد 'بايعشوت'، يوم الثامن من رمضان، ثم
تتوالى الختايم في مدينة المكلا، بحسب البرنامج المُعد، وآخر ختم للقرآن يكون في مسجد 'جامع الشرج' بالمكلا".
وقال: "من إيجابيات 'الختايم' تعزيز الروابط الاجتماعية بين الأسر، إذ يقوم جيران المسجد، الذي يكون فيه 'الختم'، بدعوة أقربائهم إلى الإفطار، وعمل عزومة خاصة بهذه المناسبة".
وأضاف: "هناك في وادي حضرموت يكون للختم برامج خاصة، لكنه لا يختلف كثيرًا عن 'ختايم' الساحل الحضرمي".
وتابع: "أيضا تعزز هذه الطقوس من ترابط المجتمع من خلال تخصيص أماكن للختم كل يوم، حيث يتم توجيه الدعوات للأحياء إلى حضور 'ختم' كل حي، وفيه تُردد الأناشيد، وتُوزع الهدايا على الأطفال، الذين يلبسون ملابس جميلة؛ احتفاءً بختم القرآن، الذي يتم عصر كل يوم".
وزاد: "ويتم تناول الإفطار الجماعي، الذي يقيمه أهالي الحي الذي يُقام فيه 'الختم' للأحياء الأخرى".
واستطرد: "يسبق هذه المناسبة، صباح كل يوم ختم، قيام شخص يُدعى 'المطبِّل' أو 'المسحَّراتي'، حيث يقوم باصطحاب الأطفال في جولة على الحي؛ إعلانًا بموعد 'الختم'، ويتم خلاله تقديم أهازيج جميلة".
في السياق ذاته، تقول الإعلامية أروى بايزيد لموقع "بلقيس": "الختايم تختلف مسمياتها من منطقة إلى أخرى، لكنها ذات مدلول واحد يرتبط بالجانبين الرّوحي والاجتماعي من خلال اغتنام مناسبة ختم القرآن في المساجد".
وأضافت: "يتم دعوة الأهل والأقارب لتناول الإفطار بهذه المناسبة الرُّوحية، حيث يحضر الأطفال مع أسرهم إلى الأحياء التي تشهد 'الختم'، مما يضيف مذاقًا آخر لهذه المناسبة".
وأوضحت: "الختايم تُعد عيدا للأطفال، حيث يمنحهم الآباء بعض النّقود، وأحيانًا يحصلون عليها من أهالي الحي المضيف".
وأشارت إلى أن "الأطفال ينطلقون، عصر يوم الختم، إلى الساحة القريبة من المسجد، وهناك ينتظرهم باعة الحلوى والألعاب، وتتحوّل المناسبة إلى سوق شعبية".
وتابعت: "ويتم ترديد عبارة 'يا عواد يا من يعود'؛ كأمنية لعودة المناسبة، والجميع في صحة وعافية".
واستطردت: "الختم الأصل كان يبدأ في مسجد 'بايعشوت' بالمكلا يوم 8 رمضان، الذي يوافق ليلة 9، فيما يكون اليوم الثاني دون ختم، ويتبعه ختم 'قبة شيخان' يوم 10، ومن ثم 'مسجد الروضة' يوم 12، ولكن نظرًا لوجود مساجد 'حديقة البناء' لم تعد هناك إجازة يوم للختم، وصار في اليوم الواحد ختمان مختلفان في المكلا، ويتم في اليوم الأخير للختم انطلاق مسيرة بالدُّف في المكلا القديمة، يتم فيها تقديم التواشيح والمدائح في الثامن والعشرين من رمضان".