منوعات
"القَمرِيّة".. زخرفة فنية يمنية توشك على الاندثار
مثل فنان ماهر يصُب حصاد مخيّلته على لوحة فنية، كان بشير الشاب العشريني ينحت ببراعة قالباً من الجبس الأبيض المُجفف، بالسكاكين الحادّة والفرجار والمثقاب، وأدوات بدائية أخرى، ويخلق في القالب الجامد الجمال، ويحوّله إلى تحفة جميلة تنبض بالحياة والحسن.
يعمل بشير في مِهنة صناعة "القمريات"، التي توارثها من عائلته منذ سنوات، إلا أنه يشعر بأن عمله لم يعد مجدياً، والطلب على "القَمرِيات" يقلُّ باستمرار، وتشهد مبيعاتها تراجعاً كبيراً، بسبب إقبال الناس على شراء نوافذ الألمنيوم للمنازل الحديثة، مما جعل كثيراً من أصحاب المعامل يغلقون محلاتهم، ويبحثون عن أعمال أخرى.
-مراحل الزَّخرفة
تمرُّ صناعة "القَمرِيات" بالعديد من المراحل، حيث تبدأ بخلط الجبس الأبيض بالماء، حتى يصير متماسكاً وقابلاً للتشكيل، ويُطرح على ألواح خشبية حتى يجفّ، ويصبح جاهزاً للنَّحت وعمل الثُّقوب بأدوات عدّة، ثم يُنظّف ويُترك تحت أشعة الشمس ليصير قوياً وصلباً، ثم يُثبّت فيه الزُّجاج الملوَّن الذي يكون عادةً من "الأحمر والأزرق والأخضر والبرتقالي"، بحسب ما يؤكِّده بشير.
يقول بشير ل"بلقيس": "لم تعد المعامل تستخدم الزُّجاج الألماني، بسبب ارتفاع أسعاره، وتستخدم النوع الماليزي، وعلى الرُّغم من ارتفاع سعره أيضاً إلا أن الألماني يتميَّز عليه بألوانه الغامقة، وثباتها الدائم، حيث لا تتغيّر مع مرور السنين".
ارتفاع أسعار المواد الخام ساهم في غلاء أسعار "القَمرِيات"، التي يختلف ثمنها حسب حجمها ونوعها وزخرفتها، وتتراوح قيمتها ما بين 5 آلاف و20 ألف ريال، كما يقول الحِرَفي صلاح عبدالله ل"بلقيس".
ويضيف عبدالله: "العاملون في صناعة القَمرِيات صاروا متوقفين عن العمل معظم أيامهم، ولا يشتغلون إلا إذا حصلوا على طلبيات محددة، وغالبا تكون من أبناء الأرياف".
-تشكيلات متنوِّعة
ترجع بدايات صناعة "القَمرِيات"- بحسب المؤرِّخين- إلى قرون من الزَّمن، حيث يؤكد الهمداني في كتاب "الإكليل" أن اليمنيين صنعوها قبل ظهور الإسلام، فيما يشير المهندس والباحث البريطاني "تيم ماكنتوش سميث"، في بحث علمي بعنوان "مباني صنعاء وموادها.. وثيقة من القرن الثامن عشر الميلادي"، إلى أن البدايات تعود إلى ما قبل 4000 عام، ويستدل على ذلك بارتباطها بقصور ملوك سبأ، وأشهرها قصر "غمدان".
ومرَّت صناعة "القَمرِيات" بالعديد من المراحل التاريخية، رافقتها تعديلات على الشَّكل والحَجم، وتنوّعت التشكيلات والزَّخارف، لإبراز المظهر الجمالي، واستحدثت أنواع مزدوجة خارجية وداخلية، تفصل بينهما مسافة لا تزيد عن ٢٠ سنتيمترا.
وبحسب "موسوعة المحيط"، لا توجد إحصائيات حول عدد معامل صناعة "القَمرِيات"، بسبب انتشارها بشكل واسع يستعصي على الحصر، كما لا توجد زخرفات محددة للقَمرِيات، وتخضع لإبداع الصانع الحِرَفي، الا أن هناك زخرفات مشهورة ك: الرُّماني، والعقِيقي، والياقُوتي. وأشكالاً ك: السنبلة وأوراق العِنب والبُن، علاوة على أشكال نجمات ثمان داخلها دائرة، وسُداسية الشكل بقيت من آثار أعمال الحِرَفيين اليهود.