منوعات
بين الماضي والحاضر.. سرقات مستمرة لمعبد "أوام" في مأرب
جمعت السلطة المحلية في مأرب الآثار، التي استطاعت جمعها وحملها إلى مخازن سرية، للاحتفاظ بها خوفا من سرقتها وتهريبها، لكنها تركت المواقع الأثرية تواجه مصيرها لوحدها، تحت رحمة حراس غير حكوميين، يتبعون شخصيات قبلية..
معبد "أوام"، الذي يُعد الأكبر والأهم في اليمن، والجزيرة العربية، واحد من تلك المواقع الأثرية التاريخية التي تتعرّض للنَّهب؟
فرس وفارس برونزي وتماثيل كثيرة، وجوه الوعل وأحجار ونقوش، أصنام ومذابح، سُرقت في ليل أو نهار من بين جدارن المعبد، ولازالت عمليات النّهب مستمرة في ظل غياب تام للجهات المسؤولة.
يقول وكيل أول محافظة مأرب، علي الفاطمي، إن هيئة الآثار هي المسؤول الأول عن الآثار والمعابد في مأرب، بعد ما استلمتها من السلطات المحلية، لكنها بدورها سلمتها للبعثات الأجنبية المتتالية إلى مأرب.
يُشير الفاطمي إلى أن البعثة الأمريكية تُسلّم، حتى اليوم، مرتبات عدد من حراس ومشرفي المواقع الأثرية، وممثلي الهيئة من الشخصيات القبلية، التي مكّنتها قبل سنين من حماية تلك الأماكن.
في الوقت الذي تتخلى فيه الجهات الرسمية عن مسؤوليتها، تتعرّض الآثار ومواقعها للنّهب والحفر العشوائي كل يوم.
فملامح معبد أوام تتغيّر باستمرار، جراء خلع الأحجار من جدرانه، التي توثّق تأريخه ومرحلته وأهميّته، في الوقت الذي تخلع التماثيل المنحوتة من قِبل لصوص الآثار بعلم أو بدون علم حرّاسه البسطاء.
وفي الواقع، لم تكلف السلطات نفسها بتنصيب أدوات مراقبة ذكية حتى كالكامرات وغيرها، لتترك المجال مفتوحا للنّهب والسرقات والتخريب واغراءات اللصوص للحراس البسطاء (التابعين لشيخ قبلي يشرف على المعبد) لإخراج ما يريدون من المعبد، يقول أستاذ الآثار في جامعة إقليم سبأ، سالم حسان، لموقع "بلقيس".
يُشير حسان إلى أنه لم يُسمح له وطلابه في قسم الآثار بدخول المعبد مجانا، والاطلاع على الخطوط، وتمكين الطلبة من الاطلاع عن قرب على الآثار، لكي يتمكنوا من ممارسة مهامهم بعد التخرّج.
- بين الأمس واليوم
اختلفت الصورة بين الأمس واليوم، القادمة من معبد أوام، حيث تظهر الصور القديمة للمعبد فرسا برونزيا يعتليه فارس واقف، يعتلي منصة، بُنيت بعناية في قبلة المعبد، لكن بعد سنوات- كما تظهر الصور اللاحقة- اختفى الفارس والفرس، ولم يتبقَّ إلا قَدم ونصف ساق غارقة في منصتها.
اليوم خلت المنصة تلك من قدم الفرس البرونزية أيضا، وسُرقت، وذهبت إلى مكان مجهول لا يعلمه أحد، حتى حارس المعبد العجوز.
ليس الفرس وحده من تعرض للسرقة والنّهب، بل إن الوعول الجميلة، التي نحتت على أحجار متراصة وبنيت بعناية، خلعت منها ستة رؤوس، وباتت تلك المنصة قاب قوسين أو أدنى من السقوط والانهيار، ليتسنّى للصوص سرقة ما تبقى من الرؤوس المنحوتة.
الأحجار المنقوشة بالخط المسند السبئي، التي تحكي قصصا طويلة، خُلعت أيضا من جدران المعبد، ومن الوجوه المنحوتة، بالإضافة إلى ما سُرق من داخل المعبد الواسع من آثار وأصنام ومنحوتات لا تقدَّر بثمن.
- تاريخ وتنقيب
يعود معبد أوام إلى زمن المكرّب السبئي (يدع إل ذرح بن سمه علي)، الذي قام بتسويره، تشير المعلومات إلى أن تأريخ بنائه لأول مرّة يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد.
يتكوّن المعبد من سور مبني بالأحجار المزخرفة بخطوط المسند الكلسية، يبلغ طولها حوالي 752 مترا، ويتوسط المعبد فناء طوله 52 مترا وعرضه 24 مترا، حيث وُضِعت فيه الأعمدة الثمانية.
ويضم مقبرة واسعة للموتى، لم يتم التنقيب فيها أو اكتشاف حقيقتها إلى اليوم.
عالم الآثار الأمريكي، ويندل فيليبس، بدأ عمليات التنقيب في معبد أوام عام 1951، لكنه اضطر إلى التخلي عن جميع معداته والفرار مع فريقه، خوفا من مداهمة رجال القبائل البدو عام 1952م، حيث اُتهم بسرقة آثار أوام، وأماكن أخرى.
ولم يتم التنقيب في المعبد رسميا بعد تلك المرحلة، لكنه تعرّض للتنقيب العشوائي من قِبل مجهولين، كما يقول الباحثون في الآثار المأربية.
ومنذ ذلك التأريخ (1952م) وحتى اليوم، تستمر عمليات العبث بالآثار بسبب غياب الدولة، أو وجودها الصُّوري، والنظرة القاصرة لرمزية الآثار، واعتبارها أصناما لا يجوز الاهتمام بها، ولكن يجوز بيعها وأكل ثمنها بحسب تفسير (في مقالة له) الباحث في الآثار اليمنية عبدالله محسن.
وفي الوقت الذي تنتظر اليمن إدراج آثار مأرب ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، تنحدر كل يوم آثار المدينة التاريخية بفعل الإهمال الرسمي من قِبل السلطات والمواطنين.
وإزاء ما يحدث، فإنه لا أحد يتحمّل -حتى الآن- مسؤوليته لإنقاذ المعبد، رغم الصرخات المحذّرة، فمدير عام الآثار والمتاحف السابق في مأرب، مبخوت مهتم، لم يسلّم شيئاً للمدير المعيّن مؤخرا، صادق سعيد، الذي لم يعترف به أحد حتى الآن، ولا يملك مكتبا أو ميزانية عمل، بحسب كلامه.